أثار شاب مغربي، يدعى عبد الإله، جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والإعلامية بعد أن أقدم على بيع سمك السردين بسعر زهيد جداً، بلغ 5 دراهم للكيلوغرام الواحد. متحدياً بذلك الأسعار المرتفعة التي تشهدها الأسواق المحلية والتي تتجاوز 20 درهماً في بعض الأحيان، في ظل عجز حكومي واضح في التصدي لظاهرة الغلاء غير المسبوق.
بادر عبد الإله إلى هذه الخطوة، التي وثقها في مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف ”فضح” التلاعبات التي يشهدها سوق السمك، واتهام الوسطاء بالتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.
الشاب قال إنه يسعى إلى توفير سمك السردين، الذي يعتبر غذاءً أساسياً للمغاربة، بسعر معقول، يمكن المواطنين من الحصول عليه دون تحمل أعباء مالية إضافية.
هذه المبادرة، التي لقيت استحسان قطاع واسع من المواطنين، تكشف زيف الشعارات التي ترفعها حكومة أخنوش، التي تربط الغلاء، تارة بعوامل داخلية مثل الجفاف وتارة أخرى بمبررات خارجية، مثل ارتفاع أسعار المحروقات، إلا أن الشاب أبان على أن الغلاء ليس سوى فعل فاعل، وراءه مضاربين لم تستطع الحكومة مجابهتهم والوقوف في وجههم.
قصة الشاب المراكشي، أعادت إذن جدل مشكلة ارتفاع الأسعار في المغرب، إلى الواجهة وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة مع اقتراب شهر رمضان، الذي يشهد عادة ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية. وسط ترقب من المغاربة حول ماذا ستفعله الحكومة أم أنها ستبقى عاجزة ومكتوفي الأيدي تاركة المغاربة يواجهون مصيرهم، أمام شجع المضاربين والمحتكرين، وحدهم.
تُعتبر قصة بائع السردين في مراكش بمثابة شرارة أشعلت فتيل نقاش أعمق حول السياسات الاقتصادية المتبعة، ودور الوسطاء في ارتفاع الأسعار، وقدرة المواطنين على تحمل هذه الزيادات المتتالية.
كما أنها تكشف عن وجود فجوة عميقة بين الخطابات الرسمية حول حماية القدرة الشرائية للمواطنين، والواقع المعيشي الذي يتسم بارتفاع تكاليف المعيشة.
يبقى السؤال المطروح، هل ستقتصر هذه الواقعة على كونها حدثاً عابراً، أم أنها ستكون بداية لصحوة مجتمعية تطالب بمراجعة السياسات الاقتصادية، ومحاربة المضاربة والاحتكار، بما يضمن توفير حياة كريمة للمواطنين؟
الغريب في القصة بأكملها أن الحكومة تنتقد نفسها بسبب غلاء الأسعار. وزراء حكومة أخنوش خرجوا علنا ليقولوا ”اللهم إن هذا منكر”، وكان آخرها تصريحات مثيرة لوزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، الذي اتهم فيها 18 مضاربا بالتحكم في السوق وإشعال الأسعار، وكشف عن هوامش ربح “غير معقولة” تصل إلى 40 درهما للكيلوغرام الواحد.
تصريحات مزور، جاءت لتعزز تصريحات سابقة لوزير التجهيز والماء، نزار بركة، الذي دعا بدوره التجار إلى مراجعة أرباحهم.
وكشف مزور عن معطيات صادمة حول سوق اللحوم، حيث أشار إلى أن الحكومة سمحت باستيراد 200 ألف رأس من الأغنام دون رسوم جمركية، لكن التحقيقات أظهرت هوامش ربح مرتفعة لدى المستوردين تراوحت بين 20 و25 درهما للكيلوغرام، رغم أنه كان من المتوقع ألا تتجاوز هذه الهوامش 10 دراهم.
وأضاف مزور أن إجمالي هوامش الربح وصل إلى 40 درهما للكيلوغرام، مقارنة بـ 20 إلى 25 درهما سابقا، مما يعكس استمرار سيطرة فئة محدودة من المضاربين على السوق.
تضع هذه التصريحات الحكومة أمام مسؤولية التدخل لضبط القطاع، خاصة في ظل الدعم الذي يتم تقديمه من أجل خفض الأسعار، لكن الشركات المسيطرة على هذا القطاع ترفض مراجعة أرباحها.
ويرى البعض أن تصريحات وزراء الأغلبية تكشف عن عجز حكومي في مواجهة لوبي المتحكمين في السوق، وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات صارمة لوقف المضاربات والاحتكار