عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
“لسنا ضد حرية التعبير، والنقد البناء ، وإنما ضد العدمية والتنكر للوطن. فالمغرب سيبقى دائما بلد الحريات التي يضمنها الدستور” هو مقتطف من أهم ثنايا الخطب الملكية السامية، الذي افتتح به جلالة الملك محمد السادس، في أكتوبر 2014، الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة، من الولاية التشريعية التاسعة، حسم النقاش ( المفتعل لغاية في نفس يعقوب قضاها)، حول مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، يفحم كل من تسول نفسه اليوم أن يشكك في مصداقية أي قرار أو إجراء، قد يظن الكثير منا أنه يمس بحرية التعبير، أو يصادر حق الآخرين في التعبير عن آرائهم، وهو خطاب ملك قوي واثق من نفسه، كلامه موجه لشعبه.
تظهر أهمية هذا المقتطف الملكي السامي، بالتزامن مع النقاش الدائر حاليا حول ما سمي بمشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، والاتهامات المتبادلة بين الناس هنا وهناك، بسبب خطورة المصادقة على هذا المشروع، وحرب التسريبات التي اندلعت لتقضي على الأخضر واليابس، حين حاول البعض سامحهم الله أن يتلاعبوا بأمن واستقرار الوطن، في انتهازية مقيتة، ومحاولة منهم لابتزاز الدولة المغربية، في الوقت الذي كان يقتضي فيه واجب التحفظ الحكومي، أن ينأوا بأنفسهم عن خوض عن تسريب معطيات ماتزال شأنا تداولًا حكوميا، يفرض الالتزام منهم بواجب التحفظ، لأنه مع التحفظات والخلافات التي
أثيرت حول هذا المشروع الحكومي، تقرر داخل مطبخ الحكومة تشكيل لجنتين تقنية ووزارية لأخذ الملاحظات المثارة بشأنه، إذن هناك من مس بقدسية المجالس وأماناتها؟، لأن الأعراف الديمقراطية، تؤكد على حق المجتمع عبر نوابه ومنتخبيه، في تداول كل الملاحظات داخل البرلمان، وممارستنا التشريعية عريقة في هذا الاتجاه، ودروسنا الديمقراطية بليغة، استطاع بها المغرب بفضل إرادة ملكه، أن يحوز مكانة محترمة في مصاف الدول التي يضرب بها المثل، في السياسة والديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان.
ما نؤكد عليه وفي ظل تناسل موجات الغضب ضد هذا المشروع، وحرب التسريبات التي يستغلها البعض بطريقة لا تمت للأخلاق والأعراف الديمقراطية بأية صلة، وهو أن قانون 22.20 لا يزال مشروع قانون لم يحل بعد على البرلمان وكل ما نعلمه بشكل رسمي، هو ما أورده بلاغ مجلس الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020، الذي أكد المصادقة على النص الذي تمت مدارسته بعد تقديمه من طرف وزير العدل، على أساس الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة حوله من طرف اللجنة التقنية واللجنة الوزارية المشكلتين لهذا الغرض.
فبعيدا عن الأهداف الدنيئة، لبعض من الجهات التي تريد الاصطياد في الماء العكر، والمس بالإجماع الوطني المتميز، وراء الدولة المغربية في حربها على وباء كوفيد 19، والإضرار بالمصالح العليا للوطن، عبر الزج به في سجال عقيم لن ينفع مجهودات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شيء، قبل أن يعم الدخان الكثيف وتلتهم نار الفتنة التي ايقظها خفافيش الظلام، من جديد، نريد أن نقول بأن مشروع قانون هو أصلا كغيره من المشاريع العظيمة التي صادق ويصادق عليها المغرب، تكرس خياره الديمقراطي بامتياز، ولاضير أن يكون هناك من مخالف او معارض أو مؤيد فلكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات، بهذا تعرف الوطنية الصادقة، والممارسة السياسية السليمة، إننا في زمن كورونا يجب أن نتعلم الدروس التي تفيدنا في الإنقاذ، ونثق في مؤسساتنا الدستورية والسياسة، ونركز في مسيرة الوطن على تنميته الاقتصادية والاجتماعية فالظرفية لا تحتمل فرقة أو خلاف، فكلنا معنيون بالسفينة، ومن خرقها فإنه يعرضنا للاخطار التي نحن في غنى عنها، إن واجب الوقت يقتضي التركيز على الأهم في سلم أولوياتنا وأن نتوقف عن تبادل الاتهامات، التي لن يجني منها إلا مزيدا من الهدر الزمن السياسي، الذي نحن اليوم بأمس الحاجة لتدبيره، وإنقاذ بلادنا من التداعيات المحتملة لهذا الوباء العالمي.
عموما فإن من سرب مشروع القانون هذا، لا نفهم سر أهدافه، فلا معنى لكل هذه التخوفات وبلادنا كرست خيارها الديمقراطي، ولماذا كل هذا الخوف على حرية التعبير والرأي، فليست كل القوانين، سوداء، كلنا يعلم الفوضى الرقمية، التي لا علاقة لها بالحرية في شيء، فمن حقنا كدولة أن نحمي كل ما يسيء بمصالح الوطن، وسمعته المقدسة التي نحرص جميعا على صيانتها، من كل ما يمكن أن يخدشها، فلا نعتقد أن وضعنا لقانون ينظم الممارسات العشوائية والمسيئة يمكنه أن يضر أكثر مما يصلح، لأن حرية التعبير يكفلها الدستور الذي هو أسمى قانون للبلاد، إن الأمر كله لا يعدو أن يكون محاولة من اليائسين والفاشلين، الخلط بين حرية التعبير المسؤولة، ومحاولات التحريض على الكره و نشر الأخبار الزائفة، التي لا تكون نقدا بناء ولا رأيا حرا بقدر ماهي معول هدم لا يصون مصالحنا القومية، ولا يحفظ تعدديتنا الثقافية التي تسمح للجميع بالتعبير عن رايه، دون المساس بحرية الآخرين.
و مع كل هذا، فإن ما أثير في شأن مشروع القانون هذا، وتخوفنا من بعض مقتضياته التي قد يعتبرها البعض “تكميما للأفواه”، فهذا النقاش هو حق ثابت في انتقاد، مامن شأنه أن يكون قد تحكم في صياغة بعض مواده، من خلفيات قد تكون صحيحة، وقد تكون خاطئة في الأغلب الأعم.
إن النقاش الدائر اليوم حول مشروع قانون 22.20، هو نقاش ديمقراطي مفيد ومثمر، مالم يكن وراءه نيات فاسدة تريد ان تتغول على المجتمع، وتضر بمصالح الشعب، في الوقت الذي نعلم فيه ياقنين أن الأمر لا يعدو أن يكون مسودة أولية، وعلى من يناهضونه بمنطق مصادر حرية التعبير، إلا أن تتسع صدورهم لحرية الرأي والتعبير من جميع الأطراف، فلكل حريته في إبداء رأيه، دون اتهامات أو تحريف لجوهر النقاش، لأن الممارسة الديمقراطية الحقيقية، قناعة دستورية راسخة، ونحن نعتقد جازمين أن هذه قناعة ملكية وهي مغربية خالصة بإمتياز حين قال صاحب الجلالة وفي ذات الخطاب السالف الذكر، قبل ستة سنوات بأننا فخورون ب” استكمال البناء السياسي والمؤسسي، الذي يوطد المكاسب الاقتصادية والاجتماعية، التي حققها المغرب، في مختلف المجالات”، وما اشبه الامس باليوم، ونحن نمر بهذه الجائحة، في أمس الحاجة لهذا البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا.
لكن صاحب الجلالة وبنظرته المستقبلية وفكره الرائد، يتساءل معنا جميعا بلسان الحال وفي نفس الخطاب، “غير أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، وبكل إلحاح : هل تمت مواكبة هذا التقدم، من طرف جميع الفاعلين السياسيين، على مستوى الخطاب والممارسة ؟”.
ليشدد ايضا بأن ” الخطاب السياسي يقتضي الصدق مع المواطن، والموضوعية في التحليل، والاحترام بين جميع الفاعلين، بما يجعل منهم شركاء في خدمة الوطن، وليس فرقاء سياسيين، تفرق بينهم المصالح الضيقة.
غير أن المتتبع للمشهد السياسي الوطني عموما، والبرلماني خصوصا يلاحظ أن الخطاب السياسي، لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن ، لأنه شديد الارتباط بالحسابات الحزبية والسياسوية.
فإذا كان من حق أي حزب سياسي، أو أي برلماني، أن يفكر في مستقبله السياسي، وفي كسب ثقة الناخبين، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب القضايا الوطنية الكبرى، والانشغالات الحقيقية للمواطنين.
أما ممارسة الشأن السياسي، فينبغي أن تقوم بالخصوص، على القرب من المواطن، والتواصل الدائم معه، والالتزام بالقوانين والأخلاقيات، عكس ما يقوم به بعض المنتخبين من تصرفات وسلوكات ، تسيء لأنفسهم ولأحزابهم ولوطنهم، وللعمل السياسي، بمعناه النبيل.
وهو ما يقتضي اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي، بشكل عام، دون الاقتصار على بعض المواد، المدرجة ضمن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.
كما أنها تتطلب، قبل كل شيء، الانكباب الجدي، على الأسبقيات الوطنية، مع تغليب روح التوافق الإيجابي، وخاصة خلال إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الدستورية والإصلاحات الكبرى”.
إن المتمعن في حديث صاحب الجلالة، سيكون على يقين تام بأن الممارسة السياسية تتطلب أخلاقا عالية، ونظرة ايجابية في تدبير الخلافات كيفما كان نوعها، لأنها ستجنبنا الانزلاقات وتحاصر منعدمي الضمير الذين يتلاعبون بالمصالح العليا للوطن، و تحفظه من المتربصين به وحساده.
يقول جلالة الملك أيضا، وهو ينبهنا لقيمة بلادنا بين الأمم، ” إن بلدنا يحظى بالتقدير والاحترام ، وبالثقة والمصداقية، جهويا ودوليا . كما ان لدينا صورة إيجابية لدى شعوب العالم. غير انه يجب ان نعرف جميعا ، ان هناك في المقابل، جهات تحسد المغرب، على مساره السياسي والتنموي، وعلى أمنه واستقراره ، وعلى رصيده التاريخي والحضاري ، وعلى اعتزاز المغاربة بوطنهم. وأستحضر هنا، قول جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، “اللهم كثر حسادنا”. لأن كثرة الحساد، تعني كثرة المنجزات والخيرات. أما من لا يملك شيئا ، فليس له ما يحسد عليه”.
ليؤكد جلالته، “ورغم مناورات الحساد ، فإننا حريصون على احترام ممارسة الحقوق والحريات . وبموازاة ذلك، فإن من واجبات المواطنة الالتزام باحترام مؤسسات الدولة ، التي ترجع حمايتها للسلطات الحكومية والقضائية المختصة، وللمؤسسات الحقوقية ، وهيآت الضبط والحكامة، كل من موقعه. إننا لسنا ضد حرية التعبير ، والنقد البناء ، وإنما ضد العدمية والتنكر للوطن. فالمغرب سيبقى دائما بلد الحريات التي يضمنها الدستور”
إن المغرب كما يقول جلالته، “في حاجة لكل أبنائه، ولجميع القوى الحية والمؤثرة، وخاصة هيئات المجتمع المدني ، التي ما فتئنا نشجع مبادراتها الجادة، اعتبارا لدورها الإيجابي كسلطة مضادة وقوة اقتراحية، تساهم في النقد البناء وتوازن السلط”، إنها رسائل ملكية أردنا التذكير بها لمن القى السمع وهو شهيد، ولا عزاء للمتربصين بالوطن ومصالحه العليا.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى ڤيزيون الاستراتيجية