وفاء اليعقوبي _ الرباط
يحكي أن شابا صغير السن سأل والده في يوم من الأيام: “وقتاش أبابا غادي نوليو شرفا؟”، فرد عليه الأب: “حتى يموتو كبار الحومة”. هذه القصة ذات الدلالة المعبرة عن واقع بعض الأشخاص الذين يسعون إلى ادعاء الشرف أو البطولة، والحال أن الجميع يعرف وضاعتهم ومستواهم وتاريخهم الحقيقي، (هذه القصة) تصدق في حق أولئك الذين وقع عليهم الاختيار للمشاركة في التقرير أو المسرحية السمجة الصادرة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، تحت عنوان: “فيك فيك”. أشخاص أدينوا كلهم أو توبعوا لارتكابهم بجنحا أو جنايات، وبعد أن كشفت عورتهم أمام الرأي العام في محاكمات عادلة فضحت زيف ادعاءاتهم الكاذبة، وخدمتهم لأجندات أجنبية لا علاقة لها بحقوق الإنسان، يحاولون اليوم العودة إلى الواجهة عبر النافذة الضيقة لـ”هيومن رايتس ووتش”.
الاستثناء المغربي.. نموذج يثير خنق الأعداء
ترسيخ الحقوق والحريات والمسار الديمقراطي الذي قطعته المملكة المغربية إلى اليوم على عهد الملك محمد السادس، والوزن الذي باتت تحتله بلادنا بين الأمم وحفاظها على استقلالية قرارها الوطني، كلها عوامل تدحض ما ورد في تقرير “هيومن رايتس ووتش” التدليسي، وفي الآن نفسه تكشف النوايا الحقيقية لمن يقف وراء هذه المنظمة الدولية غير الحقوقية.
في هذا السياق، يحق لنا التدقيق في مجموعة من المعطيات البديهية وتقديمها للقارئ الكريم، نوجزها في النقط التالية:
المملكة المغربية تمكنت من ترسيخ بناء مؤسساتي ديمقراطي، تحت القيادة الحكيمة والرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، ولا نظن أن عاقلا يحتكم إلى المنطق سينكر الاستقرار الذي تنعم به بلادنا في ظل هذا النموذج، وهو ما يثير خنق البعض. نموذج أكدته الإشادة الدولية الكبيرة بنجاح انتخابات 8 شتنبر 2021.
ليست هناك دولة في العالم منزهة عن الخطأ وعن التجاوزات وحتى الانتهاكات. المملكة تعرف مثل غيرها تجاوزات وانتهاكات، لكن يتم التعاطي معها وفقا لما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل، وما يضمنه الدستور المغربي من حقوق وحريات. فالجمعيات الحقوقية الوطنية والجادة ووسائل الإعلام والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تشتغل على رصد كل ما من شأنه المساس بحقوق الإنسان في بلادنا، وتناضل على تغيير القوانين والممارسات وتنتقد السلطات المغربية بحرية لا توجد في كل بلدان المنطقة والبلدان القريبة منا. فهل تحاول السلطات التضييق على هذه الهيئات والجمعيات التي تعبر عن مواقفها؟ الجواب هو لا، بل إن وسائل الإعلام العمومية مفتوحة في وجهها. ويبدو أن “هيومن رايتس ووتش” تتحاشى الإشارة إلى كل ما يصدر عن هذه الهيئات، لأن من شأن ذلك أن يفند “الصورة غير المزيفة”، التي تحاول المنظمة رسمها على بلادنا.
لماذا السلطات المغربية لا تتفاعل أو ترد على تقارير حقوقية لمنظمات دولية غير حكومية أو جمعيات وطنية معينة، كتبت بلغة منهجية وتتسم بالموضوعية في انتقاداتها، كما تتفاعل بالحزم اللازم، عبر مؤسساتها مع تقارير لمنظمات أخرى كتبت بسوء نية مثل تقارير “هيومن رايتس ووتش “؟ الجواب هو أن المملكة المغربية لا تخجل من الملاحظات والتوصيات التي كتبت بنفس موضوعي، يسعى لتجويد الممارسة الديمقراطية في بلادنا، لكنها في المقابل ترفض بشكل قطعي التوظيف السيء لملف حقوق الإنسان عبر اختلاق الملفات والإساءة لبلادنا ورموزها من أجل خدمة أجندات لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا. الدولة المغربية تضع جدارا فاصلا بين الانتقادات الموضوعية والتقارير المغرضة.
المملكة المغربية تتفاعل مع مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، وسبق لها استقبال العديد من المقررين الأمميين الخاصين واستمعت إلى آرائهم وانتقاداتهم وتفاعلت معها، كما أنها تتفاعل بإيجابية كبيرة وتقبل معظم التوصيات الصادرة عن هذه الآليات وتعمل على تطبيقها مادام أن الغرض هو تجويد مناخ الحريات والحقوق في بلادنا، ولعل آخر مثال بارز في هذا الإطار، هو بدء العمل ببرتوكولين يتعلقان بإجراء تقديم الشكاوى الفردية بالمغرب، وهما البرتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الخاص بتقديم الشكاوى، والبرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ابتداء من يوم 22 يوليوز 2022.
فهل المنطق السليم يقبل أن دولة تلتزم وتنفذ كل ما سبق، بل إن بعض الملفات الحقوقية أصبح فيها المغرب رائدا على الصعيد الأممي والقاري، مثل الهجرة واللجوء والبيئة والتنمية المستدامة، يمكن أن تصدق عليها الاتهامات الواهية الصادرة عن “هيومن رايتس ووتش” في مجال حرية الرأي والتعبير؟ الجواب بالنفي بكل تأكيد.
ممارسات تفضح أجندة “هيومن رايتس ووتش”
إذا كان كل ما سبق من معطيات دقيقة، يفضح تهافت “هيومن رايتس ووتش” بشكل واضح، فإن عددا من الممارسات تعري حقيقة الأجندات التي تشتغل لحسابها. موقف هذه المنظمة الأمريكية الدولية من الصحراء يعد نموذجا صارخا في هذا الشأن، إذ لم تتوان عبر مواقفها في تصريف مواقف جبهة “البوليساريو” الانفصالية وداعمتها الجزائر.
عدم تسليمها بطبيعة النزاع، باعتباره نزاعا إقليميا معروضا على أنظار مجلس الأمن منذ عقود، يضع “هيومن رايتس ووتش” في موقف المنظمة المنخرطة في حملة سياسية ممنهجة مناهضة باستمرار للمملكة المغربية، والإمعان في تجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو إلى انخراط مختلف الأطراف في إيجاد حل سياسي واقعي متفاوض حوله ومقبول لهذا النزاع الإقليمي، وفي المقابل تروج على نطاق واسع لمطلب توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” والادعاء – جهلا وكذبا – أنها “البعثة الأممية الوحيدة التي لا تتمتع بصلاحية مراقبة حقوق الإنسان في منطقة نزاع” وهذا خطأ كبير، فضلا على كيلها باستمرار للاتهامات للمملكة المغربية في علاقة بهذا الملف، فكيف يستقيم القول إن “هيومن ووتش” محايدة وموضوعية عند تناولها لقضايا ذات صلة بالشأن الحقوقي المغربي تجاه المغرب وهي تنحاز إلى أطروحة تقسيم المملكة المغربية؟
في ذات السياق، نجد أن هذه المنظمة تحابي أو تنتقد بشكل محتشم جدا الوضع الحقوقي سواء في الجزائر أو في مخيمات تندوف، فهل نحتاج اليوم إلى تذكيرها بحقيقة حرية الصحافة في الجارة الشرقية؟ لماذا لم تصدر “تقريرا موضوعاتيا” مثل هذا الذي أصدرته عن المملكة بخصوص أوضاع حقوق الإنسان التي يجري انتهاكها يوميا من طرف النظام الجزائري في حق متظاهري الحراك الجزائري، ألم تطرد السلطات الجزائرية أحمد رضا بنشمسي، مسؤول التواصل والترافع بشمال إفريقيا والشرق الأوسط من أراضيها عندما اتجه إلى هناك من أجل تغطية الحراك الشعبي؟ أما بخصوص تقاريرها حول الأوضاع في تندوف نجد أن المنظمة تتغاضى على ما ورد في قرار مجلس الأمن بخصوص انتهاكات حقوق الانسان الفردية والجماعية، المباشرة في حق المحتجزين بالمخيمات، مع تسجيل معطى بسيط وهو أن “ووتش” وظفت لوقت طويل شخصا معروفا بميولاته الانفصالية الواضحة والمساندة لجبهة “البوليساريو”.
وإن كانت تفتقد “هيومن رايتس ووتش” مقومات الحياد والمسافة الضرورية لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا، بناء على ما سبق، جاز لنا تقديم بعض الأسئلة الاستنكارية بخصوص بعض مضامين التقرير:
لماذا اختيار مناسبة عيد العرش الذي يحتفل به المغاربة قاطبة من أجل نشر هذا التقرير من دون مناسبة؟
لماذا لم تشر “ووتش” في تقريرها إلى ملاحظات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص مختلف القضايا التين تناولتها؟ ولماذا لا تشير إلى مواقف وتقارير المنظمات الحقوقية غير الحكومية المغربية بشأن القضايا التي تتناولها؟ أم أنها تخاف الكشف عن مدى استقلالية هذه المؤسسة وبالتالي تحطم صورة اجتهد موظفوها في الترويج لها تنفيذا لتعليمات أصحاب الأجندة الحقيقية ضد المملكة المغربية؟
لماذا تصر المنظمة الترويج لأسطورة “تصنت” أجهزة الأمن المغربية على من تصفهم بالمعارضين؟ فهل قدمت المنظمات المعنية بالاتهام (أمنيستي وفوربدين ستوريز) إلى حدود اللحظة أدلة مادية ودامغة على حقيقة اتهاماتها؟ الجواب بالنفي طبعا.
لماذا لم تقدم “ووتش” كل ما يعضد أقوالها المتهافتة بشأن مختلف الأشخاص الذين قدمتهم كأبطال؟ فعلى سبيل المثال، هل قدمت لنا ردود المعطي منجب على حقيقة الأموال التي جناها من الاسترزاق بالعمل المدني؟ وهل قدمت أدلة دامغة على أن فعلا من عرض فؤاد عبد المومني للتجسس على حياته الحميمية هي أجهزة الأمن المغربي، ألا يمكن أن تكون إحدى رفيقاته السابقات – إن سلمنا بقصة التجسس والتصوير خلسة طبعا – ؟
كل ما سبق يؤكد لنا، أن “ووتش” لم تلتزم بالمعايير الكونية والحقوقية في إنجاز التقارير وأساسا معايير “الحياد واللاانتقائية والتوازن”، بالإضافة إلى ضرورة عدم مساس الآراء الشخصية لموظفيها – مثل أحمد رضا بنشمسي – بمضمون تقاريرهم، كما أنها خرقت مبدأ العمل على حماية حقوق الإنسان دون الخضوع لأي أجندة أو توجيه سياسي، وهو ما يجعل تقريرها لا يستحق أن يكون مرجعا يمكن الاستفادة منه في تطوير الممارسة الديمقراطية أكثر منه وسيلة ضغط على المملكة المغربية.