24 ساعة – متابعة
اقترح محمد فال بلال، دبلوماسي ووزير خارجية موريتانيا سابقا، إطلاق مبادرة لحل أزمة الصحراء تكون مبادرة دبلوماسية مغاربية مستوحاة من القيم المحلية الأصيلة ومعتمدة على الطرق والوسائل الخاصة التي من شأنها أن تدعم أو تكمل جهود الأمم المتحدة”.
وكتب بلال في تدوينة له أمس، عبر صفحته على موقع فايسبوك، بخصوص أزمة الصحراء التي تولى تسيير ملفها على المستوى الموريتاني لسنوات: “إثر حالة التوتر والاضطرابات المتكررة عند “الكركرات” والتي عشنا أحد فصولها في الأيام الماضية، قلت في نفسي: هلا بحثنا عن حل لأزمة الصحراء الغربية بالتفاوض عبر طرق ومناهج مكملة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي؟ منذ عقود والملف جاثم على صدر الأمم المتحدة وبين أيديها، وخلال هذه الفترة من 1974إلى 2020 تعاقب ستة أمناء عامين على رأس المنظمة، ومعهم نفس العدد تقريباً من المبعوثين الخاصين وممثلي الأمين العام جالوا في المنطقة طولًا وعرضًا، وأنشئت بعثة المينورسو وتم التجديد والتمديد لها باستمرار على مدى ثلاثة عقود بلا انقطاع، كما تم تنظيم سلسلة لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين الأطراف المعنية والمهتمة الأربعة، وانعقدت عدة لقاءات خاصةً وجهًا لوجه بين طرفي النزاع الرئيسيين في أكثر من مكان، ولا شك في أن العمل الجبار الذي قامت به الأمم المتحدة والنتائج المهمة التي حققتها حتى الآن تستحق منا الإشادة والاحترام”.
وأضاف بلال: “وبالنظر إلى الوضع الراهن من حقنا أن نتساءل هل هي كافية؟ هل تفضي لقاءات الأمم المتحدة إلى حل شامل؟ هل سبق في التاريخ أن كتب النجاح لمفاوضات مفتوحة على غرار ما يجري منذ عقود بشأن الصحراء الغربية برعاية الأمم المتحدة؟ كيف لهذا المسار أن ينجح مع ما يعتريه من كشف مبكر وإعلان هنا وهناك عن مقترحات حل ومقترحات مضادة ومقاربات ثم العدول عنها والتراجع، والعودة إلى نقطة الصفر مع كل مبعوث جديد، إلخ؟ هل رأيتم الأمم المتحدة توصلت إلى حل أو تمكنت من حسم نزاع واحد أو صراع أو خلاف طيلة العقود الماضية دون اللجوء إلى الفصل السابع؟ وطالما أن مشكلة الصحراء الغربية مصنّفة تحت المادة 6، فهل لنا أن نتوقع حلًا سحريًا تأتي به الأمم المتحدة دون جهد خاص من الأطراف المتنازعة نفسها؟”.
ومن جهته، يرى بلال بأن “الأمم المتحدة وحدها لن تكون قادرة على إيجاد حل شامل ونهائي بطريقة العمل المتبعة منذ عقود، وليتها بذلت جهدًا أكبر في حث الأطراف وتشجيعها على التواصل فيما بينها، والاستعداد لمباركة وإضفاء الشرعية على أي حل تصل إليه الأطراف المعنية والمهتمة بالنزاع اعتمادًا على قدرتها وذكائها وعبقريتها في التفاوض وخبرتها في التأقلم والتكيف مع صروف الدهر، أقولها بصراحة، شخصيًا أستبعد تدخلًا من الأمم المتحدة لفرض تسوية على أي من الأطراف دون أي سند قانوني، كما أستبعد أن تقوم أي من الدول الكبرى بالمجازفة بمصالحها الخاصة وإلحاق الضرر بعلاقتها مع أي طرف من الأطراف (دون مقابل جوهري) فقط لحل نزاع “أخوي” يمكن لأطرافه تسويته في يوم أو يومين متى توفرت لديهم إرادة ذلك”.
وتابع المتحدث نفسه: “وبناء على ما تقدم، وطبقاً لمعرفتي بالتقاليد والعادات والقيم الثقافية لنا كشعوب، فإنني على يقين من أن “الوساطة الداخلية” ستكون أجدى وأنفع وأكثر قدرة على تقريب وجهات النظر من لقاءات مفتوحة برعاية الأمم المتحدة، غير ملزِمة ولا ملزَمة بانضباط أو سرية أو تحقيق نتائج؛ وأعني بالوساطة الداخلية هنا وساطة سرية وطوعية ومدنية غير مصنفة تقوم بها شخصيات اعتبارية محترمة وزكية وجديرة بالثقة من كل الأطراف المعنية والمهتمة”.
وزاد بلال: “لا شك في أن تحركًا من هذا النوع سيكون فرصة لعقلاء الجهات الأربع تمكنهم من توظيف القيم التقليدية الخاصة بشعوبنا، بقديمِها الموروث عن الأسلاف وجديدها وحديثها، بدءاً بالأصالة والتسامح والحوار والانفتاح على الغير وكرم الضيافة وحسن الجوار وصلة الأرحام، هذا بالإضافة إلى قدرتنا وخبرتنا الواسعة في فنون المفاوضات: ألسنا نحن أصحاب القول المأثور: إن الوجوه تنتصر حيث تفشل السيوف”.
وشدد بلال في الأخير التأكيد على “أن هذه القيم التقليدية هي أثمن كنز نمتلكه معًا عبر المغرب العربي خاصة وإفريقيا عامة، ألسنا نحن من اخترع آلية “التّصراب” (الوساطة) لحل النزاعات، وهي آلية ومقاربة عبقرية كانت منهجًا لإنهاء حروب قاسية وطويلة، وحلّ نزاعات خطيرة، وتجاوز صعوبات وعقبات شديدة”.
وأشار بلال إلى أنه “سيرى البعض في هذا المنشور مجرد كلام “رجعي” و”أحمق” و”متخلف” وفي أحسن الأحوال “ترف فكري” و”أضغاث أحلام” إلاّ أنني أحتفظ به لاعتقادي أننا نستطيع البحث بأنفسنا عن حل مشاكلنا اعتماداً على قدراتنا وكفاءاتنا وخبراتنا الذاتية، وأن لنا موروثًا سياسيًا وفكريًا وأخلاقيًا وإنسانيًا خصبًا نستطيع به حل كل النزاعات، لو أننا اعتمدنا عليه وأورينا زنده”.