الرباط-عماد المجدوبي
في خطوة ذات دلالات عميقة، قام السفير الفرنسي بالرباط بتوشيح المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، بوسام جوقة الشرف من درجة ضابط.

وتزامن التكريم الفرنسي الرفيع، مع توقيع مخطط عمل أمني مشترك بين المديريتين العامتين للأمن في البلدين، ليس مجرد لفتة بروتوكولية، بل هو اعتراف صريح وتقدير دولي متزايد للدور المحوري الذي باتت تلعبه المؤسسة الأمنية المغربية في خدمة المصالح الدبلوماسية الوطنية وتعزيز الأمن الإقليمي والدولي.
تحولات في مفهوم الدبلوماسية والأمن
لم تعد الدبلوماسية الفعالة تقتصر على القضايا التقليدية مثل الهجرة والشراكات الاقتصادية، بل باتت ترتكز بشكل متزايد على عنصر الأمن في عالم تشهد فيه التحالفات والصراعات تحولات سريعة.
ومع تطور التهديدات العالمية في زمن العولمة – من الإرهاب العابر للحدود إلى الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر – ترسخ دور التعاون الأمني كعامل أساسي في تحديد مكانة الدول على الخريطة العالمية وفي بناء علاقاتها الثنائية.

وفرض الانتقال من مفهوم “الأمن القومي” إلى “الأمن العالمي” تنسيقًا وتعاونًا أمنيًا مكثفًا بين الدول، حيث استوعبت القيادة الأمنية المغربية، تحت القيادة الملكية، هذه التطورات مبكرًا وبشكل لافت. فالمتتبع للعمل الاستخباراتي والأمني للمملكة على الصعيد الدولي يلاحظ فهمًا دقيقًا لقوة الأمن الناعمة في تعزيز الدبلوماسية المغربية.
الكفاءة الأمنية المغربية: رصيد دبلوماسي لا يقدر بثمن
السمعة الدولية التي اكتسبها رجال عبد اللطيف حموشي، نتيجة للمعلومات الأمنية القيمة والخبرة التي تقدمها الاستخبارات المغربية باستمرار لنظرائها، خاصة في الدول الغربية، جعلت من الكفاءة الأمنية المغربية مطلبًا متزايدًا على الساحة الدولية.
وهذا ما يؤهلها لتكون عنصرًا أساسيًا من عناصر قوة الدولة المغربية في علاقاتها الخارجية، وعاملاً مهمًا في تحقيق الانتصارات الدبلوماسية المتعلقة بملف الوحدة الترابية للمملكة.
يؤكد منح وسام جوقة الشرف للسيد حموشي هذا الدور الريادي. فوفقًا للجانب الفرنسي،يشكل التكريم “اعتراف وتأكيد على الدور الريادي الذي تضطلع به مصالح الأمن الوطني بالمملكة المغربية في الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو أيضاً إشهاد على نجاعة وفعالية المساعدة الأمنية المتبادلة بين البلدين بما يدعم ويخدم قضايا الأمن المشترك”.
وجاء الاعتراف تتويجًا لجهود مكافحة الخطر الإرهابي، وملاحقة وتوقيف المبحوث عنهم في قضايا الجريمة المنظمة، وحتى في تأمين أحداث كبرى مثل الألعاب الأولمبية التي احتضنتها باريس.
أمثلة حية لدبلوماسية الأمن
تتعدد الأمثلة على انخراط المؤسسة الأمنية المغربية في خدمة الدبلوماسية، مما يبرز مكانتها المتميزة على الصعيد الدولي. فزيارة عبد اللطيف حموشي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، ولقاؤه بكبار مسؤولي الأمن والاستخبارات هناك، لم تكن مجرد مباحثات أمنية، بل تجسيد لمتانة التعاون الثنائي بين الرباط وواشنطن على جميع المستويات، وكشفت عن المكانة المتميزة للأجهزة الأمنية المغربية لدى شريك استراتيجي.
كما أن استقبال حموشي للمدير العام للشرطة الاتحادية الألمانية، ديتير رومان، جاء في سياق فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية الألمانية، ليؤكد الدور الأمني المحوري في تعزيز المصالح الجيوستراتيجية الوطنية.
توقيع “خطاب نوايا” مع مفوض شرطة الأراضي المنخفضة يرسم ملامح تعاون أمني سيؤثر إيجابًا على العلاقات المغربية الهولندية. ولا يقتصر الأمر على العلاقات الثنائية، فزيارة حموشي لقطر وتفقده لمنشآت تأمين كأس العالم 2022، وتبادل الخبرات في مجال الأمن السيبراني وتأمين المباريات، تبرز موقع المملكة المتميز لدى الدول المضيفة للفعاليات العالمية الكبرى.
المغرب: لاعب أمني ودبلوماسي مؤثر
هناك أمثلة عديدة تؤكد انخراط المملكة المغربية، بجهازها الأمني والاستخباراتي القوي، في التحديات الأمنية العالمية المعقدة. فالإرهاب العالمي، على سبيل المثال، فرض بعدًا جديدًا لانعدام الأمن، مما جعل الجهود المغربية المضنية في محاربته داخليًا وتقديم الخبرة والمعلومة عالميًا، عملاً مقدرًا من طرف المنظومة الدولية.

ليس صدفة أن تحتضن الرباط مقر مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، الذي افتتح في يونيو 2021. لقد نجحت بلادنا في بناء أجهزة أمنية واستخباراتية قوية ومتطورة تكنولوجيًا وبشريًا، وهو ما يعترف به الخصوم قبل الأعداء.
ويمنح هذا النجاح المغرب فرصة استثمار قوته الأمنية دوليًا في الدفاع عن مصالحه الوطنية، ويجعل من توشيح عبد اللطيف حموشي بوسام جوقة الشرف الفرنسي تأكيدًا جديدًا على مكانة المغرب كفاعل أمني ودبلوماسي مؤثر على الساحة العالمية.