نور الدين الدغير
بعد اكثر من سنة وثلاثة أشهر تمكنت غزة من تنفس الصعداء بعد الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس، و بعيدا عن الحماسة التي غلبت على الكثيرين بالحديث عن النصر و هذا من خلال النظرية القائلة بأن انتصار الضعيف هو الصمود، و آخرون بالحديث عن الانتكاسة الفلسطينية بسبب حجم الدمار الذي لحق القطاع سواء،والأهم في كل هذا هل يمكن الجزم بأن هذه الاتفاق هو نهاية الصراع الفسلطيني الإسرئيلي.
الجواب بكل تأكيد هو لا،فلكل طرف أهداف يعمل على تحقيقها،شعب فلسطيني يبحث عن وطن لم يستطع الوصول إليه منذ قرار التقسيم لعام 1947، و لم يستطع المجتمع الدولي على الاقل تنفيذ مقرراته بانشاء دولة فلسطينية قابلة للعيش و بالتحديد القرار 181، و هناك طرف إسرائيلي يعيش بالدرجة الأولى عقدة المساحة لدولة إسرائيل و يسعى لزيادتها ليتخلص من عقدة الدول الصغرى مساحة على الأقل بين أغلب جيرانها.
المحلل العسكري يوآف زيتون قال في مقال له بصحيفة يديعوت احرونوت إن في الجيش الإسرائيلي يوجد توافق في الرأي على أن القتال مع حماس سيستأنف في المستقبل المنظور، قد لايرتبط هذا التوافق بالضرورة العسكرية خلال مرحلة ما بعد الاتفاق و إمكانية خرقه في أي لحظة، فالرؤية الإسرائيلية تنبني على مواقف لزعامات إسرائيلية تعيش أشكالية المساحة الجغرافية، إذا اخذنا موقف أحد أقطاب حكومة نتانياهو و هما “بن غفير”-وزير الأمن القومي الإسرائيلي- و “سموتريتش”-وزير المالية المعارضان للصفقة فالأهم لهما مواصلة الحرب و يتم الحديث على ان أي قبول لهما للصفقة فلن يكون إلا تحت إغراءات بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. و لاتغيب عن الرؤية الإسرايلية في بناء رؤيتها للصراع على ما يعرف بنبؤة جابتونسكي قبل مائة عام و حديثه عن الجدار الحديدي و التي يؤكد فيها زئيف جابتونسكي بأن الطريقة الوحيدة التي ستجعل العرب يعترفون بحق اليهود في الدولة هي القوة العسكرية و إقامة أحزمة أمنية، فقط يبقى السؤال على هذه الأحزمة الأمنية ستتوقف عند غزة و جنوب لبنان و الجولان؟
على الطرف المقابل و إن حاولت إسرئيل القضاء على سلاح المقاومة الفلسطينية و الذي كان جزءا من مخطط الرد على عملية السابع من اكتوبر، و قد تكون إسرائيل قد دمرت أغلب البنى التحتية لحماس و بقية الفصائل، و تهدد بالعودة إلى العمل العسكري إذا ما حاولت حماس إعادة تسلحها، فهل يعني ذلك انتهاء المقاومة الفلسطينية؟ قد يبدو الأمر مستبعدا و قد تختلف الأليات النضالية بحسب الأطوار التي عاشتها الانتفاضة الفلسطينية من عمل مسلح الى عمل سياسي او إلى انتفاضة شعبية على شاكلة الانتفاضة الأولى و الثانية
ويبقى الصراع الفسليطني الإسرائيلي محكوما بعامل الزمن و بما يمكن أن يطرح من مبادرات لإيجاد حل متوافق عليه، فلسطينيا من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية كما هو منصوص عليه في القرارات الدولية، و ما يمكن قوله أن فلسطين تدفع ثمن خيارات ارتبطت بمراحل سياسية عالمية فكانت ضحية الحرب الباردة و خيارات المواجهة التي لم تعطي الفرصة لأي مباردات تعيد للشعب الفلسطيني حقه، كما كانت ضحية لمرحلة القطب الواحد و إطلاق واشنطن عملياتها في الحرب على الإرهاب في الشرق الاوسط، وهو ما صعب بشكل كبير أي محاولات للحل رغم ان الدول العربية تقدمت في قمتها بلبنان عام 2002بالمبادرة العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية
إسرئيليا من خلال ضمانات أمنية تضمن لها البقاء في وسط يصنف إسرائليا بالوسط العدو لكن بعيد عن بعض الرؤى الدينية المتطرفة التي تعزز الرؤية الصهيونية بتوسيع دائرة الصراع في المنطقة، و عدم الأنزياح إلى سياسة الاقصاء والتدمير الممنهج لكل ما تبقى من فلسطين و الذي يمكن أن يشكل لاحقا مصدرا أساسيا في التوصل إلى توافقات.
و سط هذا الكم من تضارب و تعارض المصالح على أرضية القضية الفلسطينة، يجب ان نقف عند السردية المغربية في فهمها و تعاطيها مع الشأن الفلسطيني، فالعلاقة لم تكن وليدة للحظة بل هي وليدة صيرورة تاريخية و نتاج علاقة وطيدة تمتد تاريخيا الى وقتنا الحاضرو يمكن إبراز بعض معالمها في المحطات التالية:
1-المغرب لعب دورا محوريا في الحروب الصليبية من خلال الدعم الذي قدمه أبو يعقوب النصور الموحدي لصلاح الدين الأيوبي
2- لايمكن الحديث عن فلسطين دون ذكر عددا من العلماء و الشخصيات المغربية التي فرضت اسمها هناك كالعلامة أبو مدين الغوث، و ابو بكر بن العربي المعافري، أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي، و الشيخ غانم البوريني، إلى الشيخ محمد المزكلدي الذي شارك في كل مراحل الجهاد الفلسطيني و تولى إدارة أوقاف المغاربة عام 1954
3- المغرب هو من دعى عام 1969إلى تاسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عل خلفية حرق المسجد الأقصى
4-عسكريا شارك المغرب بتجريدة عسكرية في الحرب ضد إسرائيل عام 1973
5- المغرب يترأس لجنة القدس، و يشرف عمليا على الأوقاف المغربية بالقدس الشريف
معطيات تؤكد الأهمية التاريخية و العملية للمغرب في الفضاء الفلسطيني، و هناك معطيات اخرى تجعل لهذا الملف أهمية مضاعفة للمغرب
1-لايمكن أن نفصل أبدا أ المغرب عن الشرق الأوسط فالارتدادات التي تحدث فيه بكل تأكيد تلقي بتداعياتها على المغرب، لذلك يمكن القول بأن مسالة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني قد تكون مسألة أمن قومي مغربي كما هو شان بقية الدول العربية و التي تعيش في فضاء الصراع العربي الإسرائيلي و تحضر مسألة حسابات الربح و الخسارة في أي تطور يمكن ان يقع هناك و او من خلال بناء أي موقف يتعاطى مع الظرفية التي تمر منها المنطقة
2-لايمكن أن نغفل البعد الجيوسياسي المتميز للمغرب، و لا أن نغفل لعبة التحالفات التي يمارسها في أطار توازن ديبلوماسي يحفظ المصالح العليا للوطن، معطيات جيوسياسية و ديبلوماسية قد تمكن المغرب من خلق توازنات بين حاجيات السياسية في الداخل و المنطقة لمعالجة الأزمات الأقليمية، كما أن الانخراط في خلق علاقات مع إسرئيل و الذي قد يكون ضرورة سياسية لايعني بثاثا الخضوع السياسي كما يحاول البعض تصوير ذلك، بل الفعل السياسي هو ان تكون هناك مسافة بين الرؤية المغربية كفعل مغربي مستقل يبنى على قاعدة المصالح المرسلة التي قعدها الفقهي المالكي، و السياسة الإسرائيلية التي ترجح كافة مصالحها على اهتمامات الآخرين
في هذا السياق قد تبدو بعض الشعارت التي ترفع في بعض الأوقات مثل” تازة قبل غزة” أو محاولة المقارنة بين قضية المغرب الأولى و هي الصحراء المغربية و القضية الفلسطينية و على قول الفقهاء فلا قياس مع وجود الفارق، و يبقى السؤال في هذا النوع من الشعارات هل هي شعارات دولة؟ أم شعارات نخبة؟ أم شعارات الخائضين في السياسة على حافة المقاهي؟
أعتقد أن طرح لمثل هذه الشعارات و التي يغلب عليها الشعبوية يتعارض مع السردية التي يعمل عليها المغرب بشان القضية الفلسطينية،و تشير بان هناك قصورا نوعا ما في فهم الملفات و الخلط بين مفهوم القضايا الوطنية و قضايا الأمة.
1-حينما تكون القضية، قضية و طن فهنا لا مجال للنقاش أو القياس فهي تفرض أوليتها باعتبار أن الكل مجمع عليها،و تفرض على الجميع التحرك لصالحها و بحسب القولة المعروفة” الأوطان على الأديان لذلك اي مقارنة لقضية الصحراء المغربية مع أي ملف كيفما كان هو ظلم صريح و استهتار بقضية الوطن، و أي محاولات لأسقاطات لاتتقاطع مع جغرافيا المكان ( غزة و تازة) أو مشاكلها بل قد يكون لهكذا نوع من الشعارت إحاءات سلبية تجاه الوطن- ماذا ينقص تازة حتى تقارن بغزة؟
2-أما القضية الفلسطينية فهي تعتبر قضية أمة و ليست قضية وطن، و أي قرار بشأنها يجب ان يكون قرار امة، حينما قررت الامة تحريرها من يد الصلبيين أرسل المغرب قواته دعما لصلاح الدين الإيوبي، و هو الحال كذلك في حرب 1973، و هذا لاينفي كذلك التضامن على المستوى الإنساني او السياسي و الذي يمكن تصنيفه جزءا من القوة الناعمة التي تعيد لأي جهة حضورها الديبلوماسي و دورها الفاعل في حل الأزمات.
شئنا أم أبينا فالمغرب لايمكن إلا أن يكون عنصرا مهما في تفاصيل تطور القضية الفسليطينة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، و لذلك يجب الحفاظ على السردية التي رسمها المغرب في علاقته مع فلسطين و التي لم تكن نتاج اللحظة بل هي نتاج تطور تاريخي، وقد يبنى عليها و على تطورات الموقف السياسي المغربي وعلاقته بقوى كبرى بأن يكون صلة وصل للمشاركة في تفاهمات تعيد ولو قليلا من الاستقرار الى المنطقة العربية