كلما اقترب موعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، كلما زادت حرارة المشهد السياسي البارد تتجه نحو نوع من الدفء. فبعد سنوات عجاف من النقاش والسجال السياسي، ولو من باب الفرجة وتنشيط “البطولة”، بدأت الانتخابات التشريعية تفرض إيقاعها على اللاعبين، خاصة المشاركين في حكومة التحالف الثلاثي، والذي سيرفعون شعار “2026 دابا”، و”كلها يضرب على عرامو”.
لم تكن نهاية الأسبوع الذي ودعناه عادية داخل الأغلبية. فباستثناء حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يكن له أي موعد حزبي، كان لافتا الظهور المتناقض لحزبي التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال. فبقدر ما حاول حزب رئيس الحكومة أن يدافع على الحكومة بشكل كامل، بل يوقع لها شيكا على بياض وهو يعترف بنجاحاتها الباهرة، كان لحزب الاستقلال رأي آخر.
واعترف نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، بتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، مشيرًا إلى الارتفاع الملحوظ في معدلات البطالة التي بلغت وفقًا الإحصاء العام للسكان والسكنى 21.3%. بركة، خلال كلمة له في مهرجان خطابي نظمه الحزب بمناسبة الذكرى الحادية والثمانين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، أكد أن هذه الأرقام تعكس أزمة مركبة ومعقدة، تساهم في زيادة شعور الشباب بالقلق وفقدان الثقة في المستقبل.
وقال بركة: “نقولها بكل صراحة ومسؤولية، لدى شباب بلادنا أسباب موضوعية ومشروعة للقلق بشأن المستقبل، ومخاوف من اللايقين، مما يساهم في تعميق أزمة الثقة التي تعاني منها البلاد”، مشيرا إلى أن البطالة وغلاء المعيشة هما من أبرز الأسباب التي تفاقم هذه الأزمة.
وفي نفس السياق، اعتبر بركة أن ارتفاع تكاليف المعيشة ساهم في تدهور الطبقة الوسطى وتوسيع الفجوات الاجتماعية، رغم الجهود التي بذلت عبر التغطية الصحية، والدعم الاجتماعي، وزيادة الأجور، وتخفيض الضرائب على الدخل، وأضاف أن “قلة وهشاشة المناصب التي تم خلقها” ساهمت في “محدودية فرص الارتقاء الاجتماعي، خاصة بالنسبة للشباب”.
وتشكل هذه التصريحات في واقع الأمر “قرصة أذن” لحزب التجمع الوطني للأحرار، ولرئيسه عزيز أخنوش. ذلك أن حزب الاستقلال بات في المرحلة الأخيرة يأخذ مسافة تجاه العمل الحكومي حتى لا يتحمل المسؤولية السياسية في عدد من القرارات المثيرة للجدل، بما في ذلك ما يرتبط بتضارب مصالح رئيس الحكومة الذي يتم استغلاله للضرب في الأغلبية برمتها.
ومع اقتراب موعد 2026، سنجد أنفسنا في واقع الأمر أمام “أغلبيات” حكومية، وليس أغلبية واحد. فحزب الاستقلال يعتزم الدخول في مشاورات واسعة مع الشباب من أجل الوصول إلى تعاقد جديد بداية السنة المقبلة، أو بلغة أخرى برنامج انتخابي أساسه التشاور كما فعل سابق التجمع في برنامج “مسار الثقة”..ورغم ذلك، تظل الانتخابات القادم في حاجة إلى جرعات تسخين قوية لعلها تنجح في استقطاب على الأقل من شاركوا في الانتخابات الماضية، بدل أن يستمر نفس منطق العزوف الذي لم يتغير شيء حتى يتغير بدوره.