محمد بن سيدي _ الدار البيضاء
هو حارس مرمى ليس كباقي الحراس، عمل وإجتهد ليصنع إسما خاصا به في عالم اللعبة المستديرة، إنه ياسين بونو الذي سطع إسمه في نهائي دوري أبطال إفريقيا مع الوداد، مرورًا إلى الدرجة الثالثة في إسبانيا مع الفريق الثاني لأتلتيكو مدريد، ووصولًا إلى جائزة أفضل حارس في الدوري الإسباني، وواحد من أفضل حراس المرمى في العالم في مونديال قطر.
تقبل المنافسة وجعل منها محفزا لنجاحه، دخل الميادين بتحدي واجتهاد، فبعد جلوسه طويلا على دكة البدلاء لعدة مباريات، ارتفع زئير أسد المرمى المغربي في ملاعب أسبانيا ليثبت عن جدارة واستحقاق أنه يستحق أن يكون لاعبا أساسيا سواء مع نادي إشبيلية أو مع المنتخب الوطني المغرب.
التاريخ والنشأة
وُلد صاحب الإبتسامة الأشهر في العالم ياسين بونو في الخامس من أبريل عام 1991، في مدينة مونتريال الكندية، من أبوين مغربيين من مدينة فاس، ووالده مهندس دولة وأستاذ سابق في المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، وبعد سنوات قليلة عاد مع أسرته إلى المغرب في طفولته، واستقروا في منطقة مرس السلطان بمدينة الدار البيضاء، وهناك بدأت رحلته الرياضية.
حب طفولي للمستديرة
ظهر شغف بونو بكرة القدم في عمر عمر 8 سنوات، حيث كان يمارسها مع الأصدقاء في الحي، ما دفع والده إلى تسجيله في مدرسة نادي الوداد الرياضي لكرة القدم في الدار البيضاء، وبعد ذلك بعامين فقط شارك في مسابقة “كأس الدار البيضاء” وبفضل ردود فعله السريعة، وقامته الطويلة مقارنة بزملائه في الفريق؛ وضعه مدرّب الفريق في مركز حراسة المرمى.
من الوداد إلى الإحتراف
منذ أن وطأت قدماه أرضية الملعب شرع الطفل بونو بشق طريق مستقبله في عالم كرة القدم، حيث أمضى أكثر من عقد من الزمان في نادي الوداد الرياضي، وتدرّج في كل فئاته العمرية، حتى وصل إلى الفريق الأول، الذي فاز معه ببطولة الدوري المحلي موسم 2010/2009، كما بلغ معه نهائي عصبة الأبطال الإفريقية عام 2011.
اتخذت مسيرة صاحب الثلاثين ربيعا بعدا آخرا منذ إنتقاله إلى الدوري الإسباني عام 2012، ولعب مع عدد من الأندية الإسبانيّة في القسمين الأول والثاني، كان آخرها ناديه إشبيلية الحالي الذي يلعب له بعقد يمتد إلى سنة 2025، كما يعدّ في الوقت ذاته الحارس الأول للمنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، وقد ساهم بكتابة التاريخ في مونديال قطر.
عروض أوروبية
الفتى بات أسدا، لما بلغ ياسين بونو سن 18 من عمره أبدى نادي “نيس الفرنسي” رغبته في ضمّه إلى صفوفه عام 2009، وكان اول نادي أوروبي يبدي رغبته في ضم النجم المغربي لكنّ المطالب المالية لنادي الوداد الرياضي حالت دون ذلك.
وفي 15 يونيو 2012، وقّع بونو عقداً لمدة عام واحد مع نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، مقابل مبلغ 360 ألف يورو، مع خيار عامين إضافيين، بصفة حارس ثالث خلف تيبو كورتوا، ودانييل أرانزوبيا،
لعب بونو أغلب مبارياته في الفريق الرديف لنادي أتلتيكو مدريد، وخاض في موسمه الأول مع الفريق الإسباني 24 مباراة بدوري الدرجة الثالثة؛ لكنه قضى معظم وقته على مقاعد البدلاء في الفريق الأول، ليكون مستعداً في حالة إصابة أحد الحارسين، حيث مكن الفريق الأول لأتلتيكو مدريد من الفوز بالبطولة الإسبانية موسم 2014/2013، والوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا تحت قيادة دييغو سيميوني، ضد نادي ريال مدريد، وهي المباراة التي جلس فيها ياسين بونو على مقاعد البدلاء لمدة 90 دقيقة.
عندما غادر تيبو كورتوا ودانييل أرانزوبيا نادي أتلتيكو مدريد خلال فترة الانتقالات الصيفية لعام 2014، صعد ياسين بونو إلى الفريق الأول حارس مرمى ثانياً بعد الحارس يان أوبلاك، لكنه لم ينل فرصة اللعب مع الفريق، الأمر الذي أثار استياءه وطالب فريقه بالرحيل إلى فريق يوفر له فرصة اللعب حارساً رسمياً، وفي ذلك الوقت أعير بونو مرتين إلى نادي ريال سرقسطة الإسباني، خلال الموسمين الكرويين 2014-2015 و2015-2016، وخاض في كل مرة ما يقارب 20 مباراة في دوري الدرجة الثانية الإسباني.
إنتهت رحلة حامي عرين الأسود مع نادي أتلتيكو مدريد، ثم انتقل إلى نادي “جيرونا الإسباني” في 12 يوليو 2016، إذ وقع عقداً مدته 3 سنوات، ولعب بونو دوراً كبيراً في صعود النادي إلى دوري الدرجة الأولى “الليغا” بعد 87 عاماً على تأسيسه، وبعد انتهاء عقد ياسين بونو مع نادي جيرونا سنة 2019، أُعير إلى نادي إشبيلية لمدة موسم واحد مع خيار شراء عقده، وذلك في الثاني من شتنبر 2019، ليلعب بصفة حارس ثان للفريق بعد الحارس الأساسي التشيكي توماش فاكليك.
بداية الإحتراف
بالإصرار والعزم أظهر بونو مهارته وقتاليته في حماية المستطيل الأخضر، فعندما أصيب الحارس الأول للنادي الحارس فاكليك في منتصف موسم 2019-2020، أتيحت الفرصة كاملة أمام ياسين بونو للعب حارساً أساسياً للفريق في ما تبقى من مباريات الجزء الثاني من الموسم. وأنهى موسمه الأول مع نادي إشبيلية في المركز الرابع في “الليغا”، الأمر الذي أتاح له فرصة اللعب في دوري أبطال أوروبا موسم 2020-2021.
وبعد المستويات الكبرى التي بات الحارس الدولي المغربي يقدمها برفقة النادي الأندلسي، أعلن نادي إشبيلية الإسباني عدم إستغنائه عن الجوهر بونو و إشتري عقده مقابل 4 ملايين يورو في الرابع من شتنبر 2020، ثم جرى بعد ذلك تمديد العقد حتى يونيو 2025 مع زيادة الراتب.
لعب ياسين بونو مباراته الرسمية في كأس السوبر الأوروبي ضد نادي بايرن ميونخ يوم 24 شتنبر 2020، وتلقى هدفين، وخسر فريقه، وفي فبراير 2021، دخل بونو تاريخ النادي الإسباني بعدما حافظ على نظافة شباكه لمدة 528 دقيقة في الدوري الإسباني، متجاوزاً الرقم القياسي الذي كان بحوزة الحارس البرتغالي بيتو بـ516 دقيقة، خلال موسم في 2015/2014.
إستدعاء للمنتخب المغربي
بعدما خاض ياسين بونو عدة مباريات دولية مع مختلف الفئات العمرية للمنتخب المغربي في الفترة بين 2011 و2012، وشارك في دورة الألعاب الأولمبية سنة 2012 في لندن مع المنتخب الأولمبي المغربي، استدعي بونو لأول مرة إلى المنتخب الوطني المغربي الأول لكرة القدم، سنة 2012 من طرف المدرب رشيد الطاوسي، للمشاركة في مباراة يوم 14 نونبر 2012 ضد منتخب الطوغو، لكنه ظل على مقاعد البدلاء.
وخلال هذه الفترة اتصل بينيتو فلورو مدرب المنتخب الكندي بياسين بونو لتمثيل منتخب كندا، بحكم أن بونو يحمل الجنسيتين المغربية والكندية، لكنه رفض ذلك وقال في تصريحات صحفية “كان حلمي دائماً أن ألعب للمغرب، لقد لعبت في جميع الفئات العمرية للمنتخب المغربي، وكان من الطبيعي أن أحلم باللعب لأسود الأطلس”.
ومنذ ذلك الحين توالت بعدها مشاركات بونو مع المنتخب المغربي في عدة منافسات، فخاض معه 3 نسخ من مسابقة كأس أمم أفريقيا في الأعوام 2017 و2019 و2022، ونسختين من كأس العالم في عامي 2018 و2022.
سطوع إسم بونو في المونديال
لم يتحول ياسين بونو إلى حارس مرمى ذي مستوى عالمي بين عشية وضحاها، فهو متألق منذ عدة سنوات سواء مع فريقه إشبيلية الإسباني أو بصفوف المنتخب المغربي. فقد كان أفضل حارس بدوري الليغا في موسم 2021-2022 متقدما على نظيره في ريال مدريد تيبو كورتوا. لكنه بلا شك تحول إلى بطل بعد المباراة الأسطورية التي أداها أمام منتخب “الروخا” في ثمن نهائي مونديال قطر 2022، والتي شهدت بلوغ “الأسود” ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخ مشاركاتهم الست بكأس العالم.
فبعد معركة طويلة إنتهت بفوز أسود الأطلس على المنتخب الإسباني، انهالت عليه الإشادات، عالمية من صحف رياضية ومحللين في مباراة مثيرة كان بطلها بونو “العجيب” الذي تألق وحرم الفريق “الأحمر” (الروخا) من هز الشباك، بل طارده حتى خلال ركلات الترجيح عندما وقف كالجدار أمام سولر وبوسكيتس فيما اصطدمت تسديدة سرابيا بالقائم وكأن الكرة أرادت الإفلات من قبضة حارس إشبيلية، والقصد هنا ياسين “البطل”.
وواصل البطل العالمي ياسين بونو تألقه رفقة أسود الأطلس في مباريات مونديال قطر، فكل ملعب من ملاعب هذه الأخيرة يشهد كتابة تاريخ لأبطال المنتخب الوطني المغربي، وبعد أشواط طويلة إنتهت المعركة في مباراة النصف النهائي امام فرنسا، وأصبح اول منتخب عربي إفريقي يصل المربع الذهبي ومجاورة الكبار.
مواصلة حصد الألقاب
بعد إنتهاء البطولة العالمية، عاد كل إلي ناديه، وعاد بونو إلى صفوف فريق إشبيلية الإسباني، وفي كل مباراة أكد بونو أن ما أنجزه في مونديال قطر لم يكن بسبب الحظ او وليد الصدفة وعمل سدا منيعا يقهر الخصم في كل المباريات، كان آخرها قيادة فريقه نادي إشبيلية الإسباني للفوز ببطولة الدوري الأوروبي.