موسى المالكي
في سياق المبادرة الملكية بتسهيل ولوج المحيط الأطلسي لفائدة بلدان الساحل، اعتبر موسى المالكي رئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية، والأستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية، أن تراجع الحضور الفرنسي في الدول الإفريقية ومنطقة الساحل تحديدا، يؤشر على أهمية ما ستقدمه هذه المبادرة من حلول ومقاربات تنموية بديلة لفائدة بلدان وشعوب الساحل بتعاون وتنسيق مع قادتها واحترام وتقدير متبادل لسيادتها ووحدتها الترابية
وذهب الأستاذ الباحث إلى أن ما آل له الوجود الفرنسي بالمنطقة من رفض شعبي وسياسي، وانسحاب عسكري من بوركينافاسو والنيجر ومالي وإلغاء اتفاقيات أو تقليص جوانب التعاون الاقتصادي، يؤكد الخيبة التي حصدتها المقاربة الاستغلالية والتدخلية في الشؤون الدول والشعوب الإفريقية، مشيرا إلى أن هذه الوضعية توفر فرصة وأرضية خصبة لإعادة تشكيل هذا الفضاء الجيوسياسي الإقليمي الذي سيكون للمغرب فيه مكانة ريادية بفضل المبادرات الاستراتيجية الجادة التي أعلن عنها وباشر لتنزيلها الفعلي.
وتحدث جاسم عهداني مراسل مجلة Jeune Afrique حول المبادرة الملكية بتسهيل ولوج المحيط الأطلسي لفائدة بلدان الساحل.
من الناحية الجيواستراتيجية، هل ترون أي علاقة بين انسحاب الجيش الفرنسي من بوركينافاسو والنجير ومالي والمقترح المغربي لتعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي؟
علينا في البداية التأكيد على مسألة مهمة، وهي أن الروابط العميقة بين المملكة المغربية وبين البلدان الإفريقية وفي مقدمتها بلدان الساحل، تمتد لقرون عديدة وليست وليدة اليوم أو المرحلة، ويحتفظ المغرب بروابط تاريخية وثيقة تمتد لقرون طويلة وتحمل أبعاد دينية وثقافية ومجتمعية وجغرافية مع بلدان الساحل بدرجة متميزة ومتقدمة، حتى أن دستوره الجديد لسنة 2011، أدرج المكون الإفريقي ضمن الروافد الأساسية للهوية الوطنية المغربية ضمن أسمى وثيقة دستورية، ومنحت مزايا غير مسبوقة لأفراد الجالية الإفريقية بالمغرب، وهذا يجعل المبادرة مستقلة عن أي تطورات طارئة لكن بطبيعة الحال تجعلها متأثرة أيضا بهذه المستجدات.
وجدي بالذكر، بأن هذه العلاقات شهدت قفزة نوعية كبيرة مع مطلع الألفية الثالثة، أي مباشرة بعد اعتلاء الملك محمد السادس لسدة الحكم، وأصبحت لها أبعاد اقتصادية وأمنية وسياسية وعسكرية، وشكلت الدول الإفريقية وجهة رئيسية للزيارات الرسمية الخارجية لملك البلاد والتي تمخض عنها توقيع عشرات اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتقني.
وتوجت مختلف هذه الجهود بالعودة القوية للمغرب لشغل مقعده المستحق ضمن منظمة الإتحاد الإفريقي سنة 2017، وبافتتاح عشرات القنصليات والتمثيليات الديبلوماسية الإفريقية بمدينتي العيون والداخلة الواقعتين بالأقاليم الجنوبية المغربية. وأيضا، بإطلاق مشاريع ذات بعد استراتيجي كخط أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب – أوروبا مرورا بدول غرب إفريقيا.
واستكمالا للإجابة عن سؤالكم، فإن الإعلان عن تمكين دول الساحل من الولوج إلى البنيات التحتية والطرقية والمينائية والسكك الحديدية المغربية، يمثل تثمينا لهذا التراكم والبناء المستمر، كمبادرة قارية طموحة وشجاعة وجريئة، تدفع في اتجاه توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك للشعوب الإفريقية وفق معادلة رابح – رابح والتعاون جنوب – جنوب واحترام وحدة وسيادة الدول.
إذن نحن أمام رؤية شمولية بعيدة المدى لقارة إفريقية مزدهرة تنعم بالاستقرار والتعاون والتنمية المشتركة. وتقدم بديلا استراتيجيا يتجاوز المعالجة العسكرية والأمنية ومخلفات الإرث الاستعماري أو بعض التدخلات الإقليمية الاستعلائية والمزعزعة للاستقرار والتي ثبت فشلها ومحدوديتها على مدى عقود طويلة، بدليل الاختلالات العميقة التي تتخبط فيها بلدان الساحل على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية الجمة.
وأعتقد أن ما آل له الوجود الفرنسي بالمنطقة من رفض شعبي وسياسي، وانسحاب عسكري من بوركينافاسو والنيجر ومالي وإلغاء اتفاقيات أو تقليص جوانب التعاون الاقتصادي، يؤكد الخيبة التي حصدتها المقاربة الاستغلالية والتدخلية في الشؤون الدول والشعوب الإفريقية، بما يوفر فرصة وأرضية خصبة لإعادة تشكيل هذا الفضاء الجيوسياسي الإقليمي الذي سيكون للمغرب فيه مكانة ريادية بفضل المبادرات الاستراتيجية الجادة التي أعلن عنها وباشر لتنزيلها الفعلي.
بموجب البيان الختامي للإجتماع الوزاري المنعقد في 23 دجنبر 2023 حول هذا الموضوع، سيتم إحداث فريق عمل وطني في كل بلد، لإعداد واقتراح سبل تفعيل هذه المبادرة الملكية. في رأيك، ما هي المجالات ذات الأولوية التي يجب أن تركز عليها فرق العمل هذه لجعل هذه المبادرة ممكنة؟
ينبغي تثمين فكرة إحداث فرق عمل وطنية في كل بلد، لأنها تعكس وتترجم عمليا المقاربة التشاركية المعمول بها في التصور الجماعي والبناء المشترك من أجل تفعيل أمثل لهذه المبادرة، وأيضا من أجل تقريب وجهات النظر وتوفير إطار للعمل والتواصل والتنسيق يراعي خصوصيات وأولويات وتصورات بلدان بوركينافاسو ومالي والنيجر وتشاد والمغرب، قبل أن تعرض نتائجه ومقترحاته على أنظار قادة الدول المنخرطة في المبادرة.
وبطبيعة الحال، فإن التركيز سيكون على تأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، وإنجاز مختلف أنواع الدراسات التقنية والاقتصادية والجغرافية لتحديد التكاليف وطبيعة الموارد المالية والبشرية المطلوب تعبئتها، سواء تعلق الأمر بإنشاء شبكة طرق مؤهلة ومتشابكة ومؤمنة بشكل جيد بمواصفات النقل الدولي، أو بالربط بين شبكات السكك الحديدية ضمن مسارات تراعي تسهيل تنقل البضائع والأشخاص وفي مقدمتها الموارد والمعادن والسلع الإستراتيجية بهدف التصدير أو بهدف الاستيراد، وأيضا تعزيز التقائية وجاهزية شبكة الكهرباء. وهذا التوزيع سيخض للتوزيع الجغرافي للمناجم وحقول الطاقة والمناطق الصناعية ومناطق الإستخراج والتحويل.
وسيتطلب إنجاح المبادرة، في مرحلة ثانية التنسيق مع بلدان إضافية مثل موريتانيا والسينغال تسهيلا للربط القاري.
في رأيكم، كم من الوقت قد يستغرق تحقيق هذه الرؤية الملكية المتمثلة في جعل المحيط الأطلسي متاحا بسهولة لدول الساحل الأربعة!
من أجل تقديم إجابة موضوعية لهذا السؤال، سيتعين انتظار نتائج وخلاصات عمل الفرق الوطنية التي سيتم تشكيلها في البلدان المعنية، وأيضا لنتائج الدراسات التقنية والاقتصادية والجغرافية والمالية التي تتطلب ميزانية زمنية غير هينة، ويتوقع أن يتطلب تنفيذ مشاريع المبادرة استثمارات مالية ضخمة، وبالتالي إمكانية الإنفتاح على انخراط مستثمرين وفرقاء آخرين. ولذلك، فإن المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي والدولي، تتطلب بشكل طبيعي سنوات من العمل تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات على سبيل التقريب.
* رئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية
أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية