عبد الرحيم زياد ـ 24 ساعة
تمكنت الدبلوماسية المغربية خلال سنة 2020 تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، من تحقيق عدد من الانتصارات الدبلوماسية الساحقة، وهي انجازات كانت ثمرة مسار تواصلي دقيق ومستمر مع المنتظم الدولي، استنادا على الحوار البناء، وعلى الواقعية في طرح القضايا أمام الهيئات الأممية، وعلى المصداقية في العلاقات الدولية، وعلى الحكمة في تدبير الخلافات، وعلى السمعة الطيبة التي يحظى بها المغرب.
وهكذا تمكنت المملكة المغربية يوم 10 دجنبر الماضي من انتزاع اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادتها على أقاليمها الجنوبية الصحراوية، وهو الاعتراف الذي لم يأتي من باب الصدفة، بل كان نتيجة لمسار ناجع في مجال التواصل الدبلوماسي، وهو مكسب دبلوماسي هام يعتبر بمثابة صفعة قوية على خد أعداء الوحدة الترابية المغربية، بالنظر إلى كون هذا الاعتراف جاء من دولة عظمى، تعتبر عضوا ضمن البلدان الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،لها كلمتها المسموعة في السياسة الدولية، ولها مكانتها السياسية والاقتصادية المرموقة، ولم تكتفي بذلك بل قررت فتح قنصلية عامة لها بمدينة الداخلة، وهو الأمر الذي له ما بعده، بحيث من المرتقب ان تكون المنطقة قبلة لاستثمارات الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية.
وتعززت مجهودات الدبلوماسية المغربية، بإعلان عدد من دول العالم، فتح قنصليات عامة لها بكل من مدينتي العيون والداخلة، لتتحول حاضرتي الأقاليم الصحراوية المغربية، إلى حاضرتين للدبلوماسية الدولية، من خلال احتضانهما لحوالي 18 قُنصلية لدول من جميع قارات العالم، كما أن وجود هذه القنصليات دليل على سيادة وطنية معترف بها من جانب المجتمع الدولي، ودعم للتوجه المغربي في جعل الأقاليم الجنوبية قنطرة نحو عمقه الأفريقي، وهمزة وصل بين الشمال والجنوب، رابطا بين أوروبا وأفريقيا.
كما تميز العام 2020 في المملكة المغربية، بالعملية النوعية التي قام بها الجيش المغربي بمنطقة الكركرات ، وإنهاء حالة الفوضى التي تسببت فيها مليشيات جبهة البوليساريو بمعبر الكركرات الرابط بين المملكة وجارتها الجنوبية موريتانيا، وهي العملية التي تمت بمهنية عالية، وفي احترام تام لاتفاق وقف إطلاق النار، وعلى مرأى من قوات المينورسو التابعة للأمم المتحدة، قامت القوات المسلحة الملكية المغربية بوضع حزام أمني، يضمن حركة تنقل البضائع والأشخاص بين حُدود البلدين، حيث قوبل التدخل الهادئ للجيش المغربي بإشادة ودعم دوليين واسعين وهي الخطوة مكنت المملكة من ضبط سيادتها بشكل أكبر على هذه النقطة الاستراتيجية من تُرابها، وصد الباب أمام أي تصرفات للبوليساريو.
المسار الرزين والمتميز الذي صنعته الديبلوماسية المغربية لنفسها، لم يقتصر على القضية الوطنية الأولى للمغاربة فقط، بل مكنت المملكة من تبوء مكانة رفيعة لدى المُجتمع الدولي، خاصة لتبنيها منطق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وقد بدا هذا جلياً في معالجة المملكة المغربية للملف الليبي، إذ أكد المغرب في أكثر من مناسبة أنه يرفض أي تدخل أجنبي في الملف الليبي، ويشدد على أن الحل الحقيقي يأتي من الليبيين أنفسهم ، وبالتالي أن يكون الحل يجب أن يكون ليبيا – ليبيا، وأن التدخل الوحيد الذي يجب أن يكون هو توفير الأجواء المناسبة لكسر الجليد وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.
ولم تكتف المملكة المغربية بالقول، بل ترجمت ذلك بالفعل، من خلال احتضان المغرب محطات ناجحة للحوار الليبي، تمت المرحلة الأولى في استقبال حوار بوزنيقة، طيلة ثلاث جولات، ليعقب ذلك اجتماع مجلس النواب الليبي، بحضور أكثر من 120 نائباً، التقوا بمدينة طنجة ، كل هذا تم بفضل الثقة العالية التي تحظى بها المملكة، بقيادة الملك محمد السادس، والتي اكتسبتها من خلال المواقف الواضحة، والمحايدة إيجابياً في الكثير من الملفات الدولية.
طويت صفحة عام 2020 ، لتخلد معها مرحلة مهمة من تاريخ الديبلوماسية المغربية، التي شكلت دروسا بليغة في التواصل الدبلوماسي،المبني على الانفتاح، في إطار من الدينامية والحيوية، ووفق رؤية سديدة ومتبصرة للملك محمد السادس، ذات بعدين سياسي واقتصادي مبني على الحكمة والعقلانية، وعلى رؤية تأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للبلاد، وهو أسلوب في التواصل الدبلوماسي الفعال، أظهر المغرب أنه يتقنه ويسخره لمصلحة قضاياه الكبرى، ومن المرتقب ان تكون سنة 2021 تتمتة واستكمالا لهذا المسار المتميز.