الرباط-أسامة بلفقير
هي سنة اجتماعية بامتياز، أشرف خلالها الملك محمد السادس على إطلاق برامج ومشاريع بمثابة ثورة حقيقية ستمكن فئات واسعة من المغاربة في وضعية فقر أو هشاشة من الولوج إلى خدمات مختلفة، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية أو الاجتماعية، أو الدعم المالي المباشر. وليس هذا فقط، بل إن الرؤية الملكية تؤسس اليوم لولوج عادل إلى السكن، من خلال المساعدات المالية التي ستخصصها الدولة لمن يمتلك سكنا لأول مرة.
اليوم نودع سنة 2023 بصرف أولى دفعات الدعم الاجتماعي المباشر في 28 دجنبر لفائدة مليون أسرة، أي ما يعادل 3,5 مليون مغربي، وهو دعم لن تقل قيمته عن 500 درهم للأسرة مهما كانت تركيبتها. وستتوصل باقي الأسر بدفعتي شهري دجنبر ويناير في نهاية الشهر القادم، في وقت يظل باب تقديم الطلبات مفتوحا أمام الأسر المستوفية لشرط العتبة.
دعم مباشر غير مسبوق
يعتبر الدعم الاجتماعي المباشر، الذي جاء بتوجيهات ملكية، نظاما للمساعدة المالية المباشرة للأسر التي توجد في وضعية فقر أو هشاشة. ويهدف هذا الدعم إلى مكافحة الفقر على المدى الطويل، من خلال الاستثمار المستدام في رأس المال البشري وفي أجيال المستقبل، وتحسين القدرة الشرائية للأسر الفقيرة والهشة، من خلال توسيع مجال الدعم ليشمل فئات واسعة من المواطنين.
وسيساهم هذا البرنامج، الذي سيتطلب تنزيله تعبئة ميزانية سنوية تنتقل من25 مليار درهم سنة 2024 إلى 29 مليار سنة 2026، بصفة خاصة، في تنزيل “دخل الكرامة لكبار السن”، و”التعويضات العائلية لجميع الأسر”، وكذا “دعم مدى الحياة للأشخاص في وضعية إعاقة”.
ولتحديد الأسر المؤهلة للاستفادة من هذا البرنامج، سيتم الاعتماد على السجل الاجتماعي الموحد؛ وهو آلية للاستهداف تمكن من تقييم مستوى معيشة الأسر عوض الاعتماد على الدخل الأسري. ويبقى تقديم الدعم الشهري مرتبطا، بشكل أساسي، بالتسجيل في السجل الاجتماعي الموحد، الذي يمكن من تحديد الأسر الفقيرة والهشة بشكل فعال في جميع أنحاء المملكة، سواء على مستوى المناطق الحضرية أو القروية أو الجبلية.
وبالنسبة للأسر التي لها أطفال، سيتم تقديم الدعم الاجتماعي المباشر للأسر الفقيرة والهشة، وتوسيع نطاق التعويضات العائلية لتشمل ملايين الأسر. وابتداء من دجنبر 2023، سيتم تقديم دعم 200 درهم شهريا عن كل طفل متمدرس، و150 درهما شهريا عن كل طفل غير متمدرس. وبحلول سنة 2026، سيبلغ هذا الدعم 300 درهم شهريا عن كل طفل متمدرس، و200 درهم شهريا عن كل طفل غير متمدرس. كما سيقدم الدعم لجميع الأطفال من 0 إلى 6 سنوات، دون شرط متابعة الدراسة.
من جهة ثانية، ستتوصل الأسر عن الطفل الرابع حتى السادس، بدعم شهري يقدر بـ 36 درهما شهريا عن كل طفل متمدرس، و24 درهم شهريا عن كل طفل غير متمدرس. ولا يقل الدعم الاجتماعي المباشر المقدم لكل أسرة شهريا، ابتداء من دجنبر 2023، عن مبلغ 500 درهم كحد أدنى. وسيكون مؤهلا للحصول على هذا الدعم جميع الأسر التي تضم أطفالا تقل أعمارهم عن 21 سنة، مع توفر شروط الأهلية للاستفادة .
أما بالنسبة للأسر بدون أطفال، فستتوصل ابتداء من دجنبر الجاري بدعم شهري جزافي يقدر بـ 500 درهم، بما في ذلك الأسر التي تضم أفرادا مسنين. وستحصل على هذا الدعم الجزافي جميع الأسر بدون أطفال تقل أعمارهم عن 21 سنة، واستوفت شروط الاستفادة.
وبخصوص الدعم الإضافي الموجه للأطفال في وضعية إعاقة، سيشمل ورش الدعم الاجتماعي المباشر تقديم دعم إضافي للأسر التي لديها أطفال في وضعية إعاقة عميقة. وسيتم ابتداء من دجنبر 2023، تقديم 100 درهم إضافية للدعم المخصص للأطفال تقل أعمارهم عن 21 سنة في وضعية إعاقة عميقة، في كل نهاية شهر. وستكون مؤهلة للاستفادة من هذه التعويضات الأسر التي لديها أطفال في وضعية إعاقة عميقة، والتي استوفت شروط الاستفادة.
كما سيتم تقديم دعم اجتماعي مباشر لكل الأسر التي توجد في وضعية فقر أو هشاشة عن الولادتين الأولى والثانية، حيث سيتم تقديم دعم مالي مباشر عن الولادة الأولى للأسرة بقيمة 2000 درهم، و1000 درهم عن الولادة الثانية للأسرة.
الحماية الاجتماعية..ثورة ملكية
على قدم وساق، تواصل الدولة تنزيل ورش الحماية الاجتماعية الذي يعكس حرص الملك محمد السادس على ولوج عادل للخدمات الطبية والاجتماعية، وذلك وفق تصور يشرك كافة الفرقاء في الجهود الحثيثة المبذولة على هذا المستوى. وويعد هذا المشروع المجتمعي إحدى دعامات نموذج الدولة الاجتماعية الذي باتت معالمه تتشكل منذ الأزمة الصحية العالمية. ويروم إرساء منظومة تضامنية إجبارية تحقق الحماية للجميع وتيسر ولوجهم إلى الخدمات الاجتماعية والصحية على نحو متكافئ، وتضمن رعاية صحية مستدامة للجميع ضد الأمراض والمخاطر الصحية بمختلف أنواعها.
ويسعى هذا المشروع الملكي الضخم، والذي يمثل ثورة حقيقية، إلى استدراك التأخر الهيكلي في هذا المجال، لاسيما ما يتعلق بالبنيات الاستشفائية والأطر الصحية وتطوير قدرات إنتاج الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية الأساسية، وذلك استنادا إلى مضامين القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية.
ويتم في هذا المسار الإصلاحي، الاعتماد على آليات الاحتياط الجماعي التي تتوخى تلافي التداعيات المالية المترتبة عن المخاطر الاجتماعية، لا سيما من خلال التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وتعميم التأمين الصحي الإجباري، إلى جانب تفعيل الآليات المتعلقة بتيسير الولوج إلى الدعم الاجتماعي.
وقد تسارعت وتيرة تفعيل المحاور الأساسية لهذا الورش على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية الإجبارية، أو AMO تضامن، أو السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، فضلا عن تعزيز البنيات التحتية الاستشفائية بعدة أقطاب طبية جهوية.
ومن ثمار هذا الإنجاز على مستوى التغطية الصحية، استفاد حوالي 5 ملايين شخص من المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء من التغطية الصحية إلى حدود أبريل المنصرم. أما بالنسبة للأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك والخاضعين سابقا إلى نظام المساعدة الطبية، فقد تم فتح باب الاستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بهذه الفئة ابتداء من فاتح دجنبر 2022 إلى غاية أبريل، وبلغ عدد المستفيدين 9.6 ملايين مؤمن، بما في ذلك ذوي الحقوق.
ويبلغ إجمالي تحملات الدولة لاشتراكات هذه الفئة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 9.5 مليار درهم.
وبخصوص الخدمات المقدمة لهذه الفئة بالقطاع الخاص، والتي تكفل بها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ انطلاق الاستفادة من هذا النظام في فاتح دجنبر 2022 وإلى غاية 10 أبريل من السنة الجارية، فقد بلغ عدد الملفات التي تم إيداعها 680 ألف ملف، منها 480 ألفا تتعلق بطلبات التعويض، و40 ألف ملف تهم طلبات التكفل بمصاريف العلاج التي تتعلق، أساسا، بالأمراض المكلفة والمزمنة، و160 ألف ملف للعلاج بالمستشفيات العمومية.
وعلاوة على ذلك، تم توسيع شبكة وكالات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي يبلغ عددها حاليا 156 وكالة، منها 47 جديدة، إضافة إلى 55 وكالة متنقلة، من بينها 45 وكالة جديدة، وكذا تطوير شراكات مع شبكات القرب حيث تتوفر حاليا 2006 نقط اتصال لاستقبال ملفات التأمين الإجباري عن المرض و6677 نقطة اتصال من أجل تسجيل العمال غير الأجراء.
من جهة أخرى، يأتي السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، وهما آليتين لتجميع أنظمة المساعدة الاجتماعية، والإجراءات العملية لتعميم نظام المساعدة الاجتماعية، من أجل ضمان الولوج السهل إلى برامج الدعم الاجتماعي وتعزيز فعاليتها، وتسهيل تحديد واستهداف المستفيدين.