الرباط-أسامة بلفقير
في لحظة كان الخوف يتسلل إلى قلوب المغاربة، وبينما كانت السلطات تسارع الزمن في ساعات الليل لاكتشاف ما وقع، قطع الملك محمد السادس زيارته إلى الخارج ليعود إلى أرض الوطن على وجه السرعة لمتابعة جهود الإنقاذ إثر الزلزال الأليم الذي ضرب مناطق واسعة في الأطلس الكبير، لتنطلق ملمحة أمة في تدبير كارثة طبيعية بصمت فيها جلالة الملك ومؤسسات الدولة والشعب المغربي على تلاحم كبير قدم درسا للعالم أجمع على استثنائية هذه الأمة.
مباشرة بعد هذه الفاجعة، أعطى الملك محمد السادس تعليماته لتعبئة كافة أجهزة الدولة، من قوات مسلحة ملكية، وقطاعات حكومية وسلطات محلية، وقوات عمومية وفرق الوقاية المدنية، لاتخاذ جميع الإجراءات الاستعجالية اللازمة قصد تسريع عمليات الإنقاذ، وإجلاء الجرحى وتقديم المساعدة للأسر المتضررة.
ولهذه الغاية، ترأس الملك، عدة جلسات عمل خصصت ﻟتدارس اﻟوﺿﻊ ﻓﻲ أﻋﻘﺎب زﻟزال الحوز، ولتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من هذا الزلزال، ولبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة.
وإلى جانب جلسات العمل هاته، قام الملك محمد السادس في 12 شتنبر، بزيارة إلى المركز الاستشفائي الجامعي “محمد السادس” بمراكش، حيث تفقد جلالته الحالة الصحية للمصابين، ضحايا الزلزال، كما استفسر جلالته عن الخدمات الصحية المقدمة لهم من طرف الفرق الطبية المعبأة على إثر هذه الكارثة الطبيعية. وبهذه المناسبة، تفضل صاحب جلالة الملك محمد السادس فتبرع بالدم، وهي التفاتة كريمة تجسد العناية الملكية السامية وتعبر عن تضامن جلالته الكامل وعطفه على الضحايا والعائلات المكلومة.
وتمكن المغرب، بإشراف ملكي مباشر، من تجاوز مرحلة الإنقاذ إلى مرحلة إعادة تأهيل وتعمير المناطق المتضررة، من خلال وضع برنامج مدروس، ومندمج وطموح، لمواجهة كل تداعيات هذا الزلزال بشكل قوي ومنسجم وسريع، بميزانية توقعية إجمالية تقدر بــ120 مليار درهم على مدى خمس سنوات.
وتغطي الصيغة الأولى من هذا البرنامج الأقاليم الستة والعمالة المتضررة من الزلزال (مراكش، الحوز، تارودانت، شيشاوة، أزيلال وورزازات)، وتستهدف ساكنة تبلغ 4,2 مليون نسمة. ويشمل هذا البرنامج، الذي تم وضعه بعد تشخيص دقيق للحاجيات، مشاريع تهدف إلى إعادة بناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية المتضررة وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المعنية.
ويتم تمويل هذا البرنامج انطلاقا من الاعتمادات المرصودة من الميزانية العامة للدولة، ومساهمات الجماعات الترابية والحساب الخاص للتضامن المخصص لتدبير آثار الزلزال، وكذا من خلال الدعم والتعاون الدولي. وأكد الملك، من جهة أخرى، على ضرورة انسجام عملية إعادة الإعمار مع تراث المنطقة وخصائصها المعمارية المتفردة واحترام كرامة الساكنة وعاداتها وأعرافها.
وموازاة مع هذه الإجراءات، انخرطت مختلف مكونات المجتمع المغربي، من داخل الوطن وخارجه، في المجهود الوطني لمساعدة السكان المتضررين، حيث أبانت عن روح التآزر الوطني القوي وروح التضامن الراسخة التي أبهرت العالم أجمع.
وكما أكد الملك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، “رغم هول الفاجعة، فإن ما يخفف من مشاعر الألم، ويبعث على الاعتزاز، ما أبانت عنه فعاليات المجتمع المدني، وعموم المغاربة، داخل الوطن وخارجه، من مظاهر التكافل الصادق، والتضامن التلقائي، مع إخوانهم المنكوبين”.