حوراء استيتو_الرباط
لاجؤون سوريون هربوا من الحرب الدموية بوطنهم سوريا، ليعلقوا بين الحدود المغربية-الجزائرية، في صحراء قاحلة، في انتظار استفاقة الضمير الدولي والعربي لإنهاء مأساتهم التي طال أمدها، و ايجاد حل لمعاناتهم.
شيوخ، شباب، نساء، رجال، وأطفال كلهم أجبرتهم الحرب للهجرة وطلب رحمة أشقائهم العرب، لا يعرفون من وطنهم إلا اسمه والذكريات التي تركوها تحت ركام الخراب. بلهجتهم الشامية يناشدون الرائح والقادم: “نِحنا سوريين ارحمونا يا عالم”.
عددهم بضع وعشرون، ولكن أكثره أطفال صغار في عمر الزهور، من المفترض أن يكونوا في المدارس، ولكنهم وجدوا أنفسهم في حدود برية مغلقة، بدون وطن ولا هوية ولا تعليم أو تطبيب.
وضعهم يسمح لهم بالتفكير في حاضرهم فقط، فحياتهم تتوقف على كيفية توفير لقمة سائغة تسد رمقهم وشربة ماء تُطفئ عطش الصحراء، للبقاء على قيد الحياة.
قضية وطن
بعد الحرب الدموية التي شهدتها بلاد الشام، هاجر الالاف من السوريين للبقاء على قيد الحياة، بعد ان عزّوا وطنهم و هويتهم، انطلقوا في رحلة طويلة وشاقة على الارجل، وكلهم أمل في استقبالهم بالدول العربية الشقيقة، الا أن بعضهم حوصروا في الصحراء المغربية-الجزائرية منذ يوم 17 أبريل 2017.
انطلقوا حين وصلوهم لدخول المغرب، معتمدين على تقنية “GPS”، ليصلوا الى فجيج المغربية، لتقوم السلطات بإيقافهمم، طالبة منهم العودة الى الجزائر، الا أنهم أصروا على دخول المغرب، لكن السلطات المغربية اعادتهم الى الحدود الجزائرية، فيما لم تسمح لهم هذه الاخيرة بدخول أراضيها.
حسرة هي اتسمت على محاياهم، حين اكتشفوا أن إخوانهم العرب لم يستطعوا استقبالهم في بلادهم، ناشدوا الملك محمد السادس و الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كلما أتيحت لهم الفرصة، لكي يعبروا عن المعاناة التي يتكبدونها على الحدود.
الانسانية.. أم الصراع السياسي؟
اللاجؤون السوريون، سقطوا في المكان الخطأ، فأصبحوا ضحايا الحساسية السياسية التي تشهدها الجزائر و المغرب، فوزارة الداخلية المغربية تتهم السلطات الجزائرية، بـ”عدم مراعاة أوضاع هؤلاء المهاجرين ودفعهم قسرا نحو التراب المغربي، وبترحيل عدد كبير منهم وأغلبهم أطفال و نساء وهم في وضع بالغ الهشاشة، في اتجاه المغرب”.
و من جهة أخرى استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير المغربي حسن عبد الخالق، مستغربة مما سمتها “ادعاءات المغرب التي لا ترمي سوى للإساءة إلى الجزائر التي اتهمت بفظاظة بممارسات غريبة عن أخلاقها وتقاليد الكرم والضيافة التي تتميز بها”.
فالجزائر تعتبر هذا الموضوع إنسانيا حساسا ودقيقا، ولا يجوز إطلاقاً المتاجرة بمأساة اللاجئين والأشقاء السوريين.
والمغرب تعتبر جمع الاجئين السوريين من طرف الجزائر ورميهم قرب منطقة فكيك المغربية محاولة الجزائر خلق توتر مع المغرب لتشتيت الأنظار عما يجري من صعوبات في تدبير مسلسل الإنتخابات التي أفرزت فوز حزب بوتفليقة، وكذا لصب الزيت على النار المؤججة بفعل صراع المغرب والبوليساريو.
أطفال يصرخون: بدنا نشرب مية
“24 ساعة”، انتقلت إلى النقطة الحدودية الجزائرية المغربية، لنقل معاناة الجالية السورية الصغيرة، التي لا تكل ولا تمل من ترديد عبارة واحدة في وجه كل زائر أو عابر ألا وهي “الرحمة، الرحمة”.
بالضبط في يوم 17 ماي الجاري، والنهار يشارف على الإنتصاف، بالحدود المغربية-الجزائرية، وفي مشهد مؤثر ظهرت البراءة والحزن يعتلن وجوه ثمانية أطفال، سبع فتيات وولد واحد، ولعل هناك أعدادا أخرى منهم في شبه المخيم، لايستطعون مناداة القلوب الرحيمة، ينادون بصوت تملؤه التعاسة وفقدان الوطن، نبراتهم تخلو من فرحة الاطفال، يقولون بصوت واحد: “بدنا مية نشرب”.
يظهر وراء الاطفال، خيام، صنعت من بقايا الاثثواب، مثبتة بأحجار كبيرة، لعلها تقيهم من برد الليل أو حشرات النهار، صحراء هي لا ماء فيها ولا أكل، سوى السراب ومطاردة الظل الذي قد يقي من لسعات الشمس الحارقة.
اضطر الاطفال لشرب الماء العكر، مختلط بالتربة و الحشرات و الازبال، فقط للبقاء على قيد الحياة، غير مباليين إن كان سيقتلهم، أو سيعيد لهم الحياة التي فقدوها في وطنهم سوريا.
شهادات صادمة
هم سوريون، لم يعد لهم وطن او حضن يضمهم، التجؤوا لحضن العرب، أوليس العرب اخوة؟، بعد لحظة تأمل في وضعية الاطفال، وفي مسيرهم، وهم عالقون في صحراء قاحلة بين المغرب والجزائر، ينتظرون من يمد لهم يد العون، ولو بشربة ماء قليلة. يقول شاب لـ”24ساعة” : “لقد خابت آمالنا، و فهمنا أن اشقائنا العرب لا يريدوننا في بلادهم، وخذلنا رؤساء الدول العربية، ولكن ما ذنب الاطفال الابرياء؟ ما ذنبهم ان يموتوا من العطش؟”، ثم يضيف بنبرة حزينة:” ارحموا من في الارض يرحمك من في السماء”.
تسائل وهو يحاول استفزاز قلوب الاشقاء العرب، لعلهم يحسون بمعاناتهم: “بدكن يانا نموت؟، فقط اخبرونا و نحن نؤمن بقضاء الله و قدره”، يئِن :”الرحمة ثم الرحمة ثم الرحمة”، كانت آخر عبارة استطاع ان يضيفها، هذا الشاب السوري الذي كلما تحدت الا وأشفق على الاطفال الصغار الذي لا يتعدى عمرهم السابعة.
سيدة أخرى من بين هؤلاء النازحين، تتحدث والدموع تغسل عينيها، “نحن نبيت وأعيننا مفتوحة خوفا على أبنائنا، ورغم توسلاتنا لا أحد التفت إلى وضعيتنا”، ثم تضيف مخاطبة مسؤولي المغرب والجزائر، “إذا لم تريدوا استقبالنا فأرسلوونا إلى بلد آخر او منطقة أخرى، لكن لا تتركونا في الصحراء القاحلة، وشهر رمضان على الابواب”.
ما ذنب الجنين؟
في زاوية أخرى، أم هي الاخرى تستعد لاستقبال جنينها، وهي لا تعرف مصيره ولا مصيرها، تعاني ألاما حادة في صمت، كصمت الصحراء التي علقت فيها، تحتاج لعملية قيصرية وتدخل طبي عاجل ، إنها الان لا تأبه للوطن، همها البقاء على قيد الحياة، وولادة جنينها، فمن سيتكلف برعايتها؟.
حقوق انسانية بسيطة هي حرموا منها، أذنب الام البقاء بلا وطن؟ أم ذنب الجنين البقاء بلا حضن؟ .. يبقى السؤال ذنب من؟