- محمد جواد ظريف
تمرّ منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا بظروف حساسة خطيرة. ففي الوقت الذي نری حالة عدم الاستقرار الناتجة عن التدخلات الخارجية في أفغانستان والعراق وليبيا مازالت مستمرة من دون أن تجد لها نهاية، يلاحظ أن الأزمات التي طال أمدها وباتت مزمنة في كل من سورية واليمن والبحرين تجعل أمام أعين العالم صورة رهيبة من واقع المسلمين المتمثل في معاناة الناس و”هلاك الحرث والنسل”. في مثل هذه الظروف، يأتي خبر وجود عدد من مسؤولي دول المنطقة في المملكة العربية السعودية، في أثناء زيارة الرئيس الأميركي لها، أمراً يثير الانتباه.
لقد عملت بعض الحكومات في منطقتنا خلال السنوات الأخيرة على جرّ المنطقة المحيطة بنا إلى حالة عدم الاستقرار، وذلك من خلال تصعيد سياسات وتصرفات تتلخص في نشر ودعم الأفكار المتطرّفة وتقديم وجه مشوّه عن الإسلام من جهة، وكذلك من خلال التضحية بمصالح شعوب المنطقة، وذلك عن طريق العمل على نشر حالة عدم الاستقرار وإراقة الدماء والتقاتل بين الأشقاء. وهذه السياسات التي تولّد التوتر لن تؤدي، في نهاية المطاف، إلا إلى خدمة ألدّ أعداء الأمة الإسلامية والعربية.
أحد وجوه هذه السياسة، يتمثل في المساهمة في مشروع التخويف من إيران، هذا المشروع الذي أبدعه وروّجه الكيان الصهيوني منذ سنين. دخلت إيران في المباحثات النووية الناجحة مع مجموعة 1+5، واثقة من أن مزاعم طلاب الحرب واهية لا أساس لها، مؤمنة بقدرة الحوار والدبلوماسية، فأسقطت بنيان الوهم المرعب المسمى “القنبلة النووية الإيرانية”. وبذلك حالت إيران دون التّذرع بذلك التهديد المفتعل لفرض حربٍ استنزافية جديدة علی المنطقة. إن نجاح هذا المسار، الذي سُجّل اليوم عبر وثيقة قوية دولية باسم “البرنامج الشامل للعمل المشترك” (المعروف بالاتفاق النووي الإيراني) تحظى بدعم جميع الأعضاء المسؤولين في المجتمع الدولي، يجعل أمام الجميع طريقاً واضحا وضّاءً لحلحلة سائر مشكلات المنطقة.
”
إيران على استعداد تام للتعاون، سواء مع القوى الإقليمية أو مع تلك التي خارج المنطقة بهدف مكافحة الإرهاب والتطرف وإعادة الاستقرار والأمن إلى سورية
”
في مثل هذا الظرف، تأمل إيران من جميع الدول الملتزمة بالسلام والتعاون الدولي، وكذلك من دول المنطقة والدول المجاورة، أن يقفوا بوجه السيناريوهات الخطرة التي يؤدي نجاحها إلى تعميق الكوارث الإنسانية في المنطقة أكثر فأكثر، ويزيد من ارتفاع جدار عدم الثقة بين الجيران. إن إيران المتمتعة بالاستقرار تريد اليوم استتباب الاستقرار في كل المنطقة بأسرها. لأنها تعلم أنه لا يمكن أصلا تحقيق الأمن في بيت بثمن غياب الأمن في بيت الجيران.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة دائماً للحوار البناء. وحكومة الرئيس روحاني التي سبق أن طرحت علی الصعيد العالمي “عالم خال من العنف” و”مشروع حل الأزمة السورية المؤلف من 4 مواد”، بالإضافة إلى أفكار مثل “تشكيل ملتقى الحوار الإقليمي”؛ لاتزال تری نفسها ملتزمةً بمتابعة هذه المشاريع والأفكار، كما أنها اتخذت خطواتٍ عملية نحو تحقيقها.
لقد شهد المواطنون والحكومات في كل من العراق وأفغانستان نماذج كثيرة من واقع التعاون الإيراني من أجل تحقيق السلام والأمن والمساعدة على إعادة البناء وتحسين الظروف المعيشية في كلا البلدين. حتى إن المسؤولين الأميركان الذين يشكلون السبب في مشكلات راهنة كثيرة في هذين البلدين، قد اعترفوا من جانبهم مرارا بدور إيران الإيجابي في مكافحة الإرهاب وإعادة بناء البنى التحتية، وإيجاد طرق ترانزيت البضائع والمساعدة علی تحقيق التنمية والتقدم في الدول المجاورة لها.
إيران، كدولة مسؤولة وكقوة ذات تأثير إقليمي، لم تقع يوما في شرك طلاب الحرب والمعتدين. فعراق صدام حسين الذي كان مسؤولا عن إزهاق أرواح الآلاف من الإيرانيين نساء ورجالا وأطفالا، عندما غزا دولة الكويت عام 1991، قرّرت إيران غضّ الطرف عما فعلت دول المنطقة الداعمة لصدّام في حربه ضد إيران. وعلى أساس سياستها المبدئية، سارعت إلى دعم الكويت في تلك الحرب، ليس هذا فحسب، وإنما ساهمت في عملية إعادة بناء الكويت بعد انتهاء الحرب، بما فيها العمل علی احتواء وإطفاء لهب الحريق الواسعة النطاق التي كانت قد طالت حقول النفط الكويتية. ونحن لانزال مصرّين على التزام سياستنا المبدئية على الرغم مما يرتكبه بعض دول الجوار من أخطاء. لقد هدّد أحد المسؤولين السعوديين، أخيراً، بأنه “سيجرّ الحرب إلى داخل إيران”. إنني أعلن اليوم رسمياً وباسم الحكومة الإيرانية بأننا مستعدون لأن نهدي السلام إلی كل المنطقة، وإلى المملكة العربية السعودية قبل غيرها.
”
إيران، كدولة مسؤولة وكقوة ذات تأثير إقليمي، لم تقع يوما في شرك طلاب الحرب والمعتدين
”
ولاشك أن تحقّق هذا الأمر منوطٌ بأن توقف الحكومة السعودية الحرب العبثية والهجمات المدمرة ضد الشعب اليمني، وتكفّ عن قمع الأغلبية التي تنشد الديمقراطية في الدول المجاورة. فاذا كان الرئيس الأميركي ملتزما بالشعارات التي أطلقها قبل انتخابه، ويعتبر نفسه صديقاً لحكومه الرياض، فعليه أن يدخل في الحوار معها حول الطرق الكفيلة بمنع الإرهابيين التكفيريين من الاستمرار في تأجيج النار على مستوی المنطقة وتكرار أمثال حادث “11 سبتمبر” من قبل رعاياها في الدول الغربية.
إن إيران على استعداد تام للتعاون، سواء مع القوی الإقليمية أو مع تلك التي خارج المنطقة بهدف مكافحة الإرهاب والتطرف وإعادة الاستقرار والأمن إلى سورية. إن السلوك الإيراني في مثل هذا التعاون سيكون تابعا للمبدأ الدائم الذي تلتزمه إيران في سياستها الخارجية، والمتمثل في رفض الهيمنة وعدم الخضوع لها. إننا إذ نحترم سلامة الأراضي والسيادة المستقلة لجميع دول المنطقة، ونؤكّد على ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا بعضاً، وضرورة معالجة كل الخلافات عبر الطرق السلمية، نعتبر أن المصالح طويلة الأمد، سواء لإيران أو لسائر شعوب المنطقة والعالم تتطلب مكافحة ظاهرتي التطرف والإرهاب، خصوصا عندما تأتيان تحت اسم الدين. ونحن لن ندّخر جهدا في هذا المضمار.
-
ينشر باتفاق مع وزير الخارجية الايراني