زهور كرام
المرحلة التي يجتازها المغرب اليوم مع الحراك الاجتماعي بالحسيمة، يمكن أن تتحول إلى قوة منتجة للمغرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتاريخ التحولات بالمغرب يعبر على هذه الإمكانية:
أولا: إذا تم استيعاب اللحظة بأسئلة جديدة ، ومعجم جديد، مع تعميق الرؤية، ووضع المرحلة ضمن مسار التحولات التي عرفها المغرب السياسي منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين. ذلك، لأن تجزيء اللحظة، يعني إخراجها من التاريخ، وبالتالي تُصبح اللحظة معرضة لكل الاحتمالات، والتأويلات والقراءات والخلافات بدل الاختلافات. أيضا وضع اللحظة ضمن السياق العالمي والعربي.
ثانيا: الكل مسؤول عن اللحظة، ومفهوم المسؤولية اليوم يختلف عن المفهوم السابق. منذ بداية الثورات والاحتجاجات العربية، تم اختصار مطالب الشعوب في خطاب” الشعب يريد”، هذا الخطاب أو هذه الجملة لم تكن عادية، إنما عبرت عن كون المرحلة اليوم لم تعد مرحلة المؤسسات والأحزاب والإطارات والنقابات التي كانت وسيطا بين مطالب الشعب و سلطة القرار. ولذلك انتقل فعل يطالب إلى يريد. هو انتقال في مستوى تدبير المرحلة، التي لم تعد تثق في مفهوم الوساطة التقليدية( أحزاب ، نقابات، إطارات، مجالس منتخبة…) دون أن يعني ذلك الدعوة إلى رفض هذه الوسائط، إنما التعبير المجتمعي عن كونها لم تعد صالحة للمرحلة بنظامها وشكلها وخطابها ومعجمها. مع الأسف، لم يتم استيعاب فلسفة” الشعب يريد” لأنها كانت تصورا أكثر منه خطابا مطلبيا اجتماعيا. ولم تستوعب الأحزاب كونها لم تعد تنتمي إلى زمن التحولات، ولم تقم بتقييم ذاتها، والسعي إلى الانتماء إلى زمن خطاب” الشعب يريد” بكل ما يتطلبه من ضرورة تغيير ثقافة المعجم والشعارات، وفتح المجال للشباب لكي يقود الأحزاب ، حتى الأحزاب التي كان الشعب يُعول عليها، انخرطت في لعبة اللامبالاة ، وخسرت تاريخا، ومعها خسرت ثقة الشعب، باختصار، لم تكن ذكية. ولعل أزمة بلوكاج الحكومة التي عاشها المغرب أكبر دليل على كون منطق التحالفات والتوافقات قد أبان عن فساده لكونه لم يكن توافقا برنامجيا إنما توافق حقب وزارية، وأمزجة أشخاص، وتوزيع الغنيمة باسم الديمقراطية والشعارات التي من كثرة استهلاكها باتت تدعو إلى التقيؤ بعد أن مرت من السخرية. ولهذا، عندما نفكر في اللحظة بنفس الشعارات بدون تغيير نظامها ومعجمها فقد نكون نستهلك نفس المنطق.
ثالثا: كيف يمكن تطوير الحراك باتجاه جعله قوة مُدبرة بشكل إيجابي لحاضر ومستقبل البلد. هذا يتأتى بالانخراط في اللحظة بوعي مزدوج: من جهة الوعي الوطني الذي لا أحد يحتكره، لأنه حالة وجودية ووجدانية وتاريخية للبلد، وباسم هذا الوعي نتقدم نحو الوعي الثاني وهو كيف يمكن خدمة الوطن بوعي مسؤول. والمسؤولية تكمن في بداية كل واحد من موقعه، حتى في التفكير قبل تركيب جملة، لأن التركيب قد يؤدي إلى فهم خاطئ، ولأن استعمال مفردة قد تُربك وجدانا، وتجعله ينتفض دون أن تكون أنت قد قصدت ذلك. أن أقوم بعملي بضميري لأني عندما أخون ضميري فأنا أمارس الفساد. ليس هناك فساد كبير وفساد صغير. الفساد يبدأ من عدم احترام وجود الآخر باعتباره شريكا لك في الوجود.
ثالثا: المواقع الاجتماعية هي وسائط خدماتية، عندما نتوقف عن استعمالها وسائط، نتحكم فيها بقرارات عقلنا، بما يعني ذلك قدرتنا على تحليل كل صورة وجملة وخطاب وملفوظ، فإنها تُحولنا إلى موضوعات تفعل بنا ما تشاء، وقد ترمي بنا في سلة مهملات التاريخ.
رابعا: إذا لم يتم احتواء الحراك اجتماعيا وحقوقيا بعين العقل والمسؤولية الجماعية ووضع اللحظة ضمن سياق من التحولات، فقد يكون مُدمرا لنا جميعا. لهذا، نحن أمام تحدي كبير أمام أنفسنا وأمام هذا الوطن الذي يجمعنا، وهو تحدي حتى في طبيعة اللغة التي نستعملها. أخيرا بدأنا نسمع ونقرأ مفردات بدأت تدخل إلى المعجم المغربي، ومن كثرة استعمالها قد تتحول إلى واقع مألوف، فيسهل بذلك تقبل أمرها. فاللغة عندما تتكرر بدون تأملها تصبح معطى جاهزا، وتدخل في تركيبة الوعي. بدأنا نسمع ونقرأ المفردات: الخونة، الشتات، نحن وأنت، احنا وانتم، كما بدأنا نسمع ونقرأ خطابات مشبعة بالعرقية والعشائرية والتصنيفية وقد نتج عنها خطاب مقابل تجلى في تحفيز الآخر إلى إحياء إحساسه بعشيرته وعرقه، و دفع البعض إلى الشتم والسب.
خامسا: الدفاع عن الرأي لا يتم بإقصاء الرأي المختلف. عندما ندافع عن الكرامة والعدالة فإن الرأي المختلف كرامته في احترامي لاختلافه، و العدالة في عدم إقصاء رأيه. الكل مسؤول بوعيه وتصوره. واللحظة تتحدانا كلنا.
سادسا: شخصيا، لا أنظر إلى الحراك الاجتماعي كمأساة ، إنما أقرأه في إطار مسار تحولات المغرب. إنها فرصة أمامنا لكي نتصالح مع تاريخنا بشكل عقلاني وطني، و نقف يدا واحدة أمام الفساد، و نحافظ على المكتسبات لأن بها نعقد التواصل مع النضالات السابقة.
*زهور كرام، روائية وناقدة أكاديمية