خلصت وسائل إعلام أمريكية وبريطانية، إلى أن جريمة قتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، تشكل “فرصة متاحة الآن” للإدارة الأمريكية وغيرها من الحكومات الغربية، من أجل الضغط على المملكة لإنهاء الحرب التي تقودها ضد الحوثيين في اليمن.
ويبدو أن وجهة النظر تلك بدأت تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع، فخلال أقل من 24 ساعة فقط، صدرت تصريحات قوية لمسؤولين كبار من واشنطن وباريس، تدعو المملكة إلى إنهاء الحرب في اليمن، ومن لندن تلوح فيها بوقف دعمها في تلك الحرب.
دعا وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، الثلاثاء، كافة أطراف الصراع اليمني إلى وقف إطلاق النار خلال 30 يوما، والدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب في البلاد.
وقال ماتيس خلال كلمة له في ندوة نظمها “معهد السلام الأمريكي” بالعاصمة واشنطن: “من أجل حل طويل الأجل للأزمة في اليمن نريد وقف إطلاق النار، والانسحاب من الحدود، ووقف الغارات الجوية، وأن يجلس الجميع إلى طاولة المفاوضات خلال 30 يوما”.
وبعد ذلك بساعات قليلة، صدرت عن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تصريحات مماثلة، دعا فيها إلى وقف جميع الأعمال القتالية في اليمن، والشروع في مفاوضات لتحقيق السلام بالبلاد.
وأكد في بيان ضرورة بدء مفاوضات بين أطراف الصراع في اليمن في بلد ثالث خلال نوفمبر / تشرين الثاني القادم، تحت رعاية المبعوث الأممي مارتن غريفيث.
وفي باريس، شددت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي على أنه “حان الوقت لكي تنتهي الحرب في اليمن”.
وأوضحت الوزيرة في تصريحات لإذاعة “BFMTV” الفرنسية، الثلاثاء، أن “فرنسا تمارس ضغوطا بالتعاون مع الأمم المتحدة لكي يتم التوصل إلى حل سياسي في اليمن، لأن الحل العسكري لن يؤدي إلى أي نتيجة”.
وفي لندن، قال وزير شؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة أليستر بيرت، الثلاثاء، إن نتائج التحقيق في مقتل خاشقجي “قد تؤثر على الدعم البريطاني” لتدخل السعودية في الحرب باليمن.
وأضاف الوزير في كلمة أمام مجلس العموم (الغرفة الأولى للبرلمان البريطاني)، أنه “من المشروع أن نسأل عما إذا كان التحقيق في مقتل خاشقجي سيكشف شيئا عن طبيعة النظام في الرياض، أو أنه سيكون له تأثير على الحرب في اليمن من عدمه”، التي دخلتها السعودية عام 2015.
ولم يصدر عن أطراف الصراع في اليمن تعقيب فوري على تصريحات المسؤولين في واشنطن وباريس ولندن حتى الساعة 9:30 ت.غ.
هذه الضغوط الصادرة من العواصم الغربية الثلاث على المملكة بخصوص الحرب في اليمن، ربطتها وسائل إعلام أمريكية وبريطانية بتصاعد الضغوط الغربية على المملكة في قضية قتل خاشقجي في قنصلية السعودية بإسطنبول.
إذ قالت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، الثلاثاء، نقلا عن 3 مسؤولين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، إن ضغوط واشنطن على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن زادت عقب قضية قتل خاشقجي.
كذلك ربطت صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية، الثلاثاء، بين تصعيد بومبيو وماتيس ضغوطهما على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن وقضية خاشقجي.
وقالت الصحيفة إن قضية قتل “خاشقجي” أضافت “زخما جديدا” لضغوط عدد متزايد من المشرعين في الكونغرس على إدارة ترامب، لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للحرب في اليمن.
الأمر ذاته توقعته صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها الأحد الماضي، إذ قالت إن “الغضب الناجم عن جريمة قتل خاشقجي يمكن أن تنجم عنه ضربات للحرب المزعجة التي تقودها السعودية في الجارة اليمن”.
وأوضحت نقلا عن محللين أن تداعيات جريمة قتل خاشقجي قد تعطي الحكومة الأمريكية وعددا متزايدا من منتقدي الحرب باليمن، فرصة للضغط على المملكة لتقليص صراعها مع المتمردين الحوثيين في اليمن.
ونقلت عن مسؤولين أمريكيين سابقين، أن “الفرصة الآن مهيأة لزيادة الضغوط الدولية على الجانب السعودي فيما يخص الحرب في اليمن”.
ومن هؤلاء المسؤولين السابقين مارتن إنديك، وهو مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى، الذي قال: “لدينا الفرصة.. للجلوس مع (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان ونقول له: لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال”.
وعلى النحو ذاته، قال بروس ريدل المسؤول السابق بمجلس الأمن القومي الأمريكي قوله: “حان الوقت لكي يتخذ الكونغرس الخطوة الكبرى ويضع نهاية لهذه الحرب”.
** ضغوط من الكونغرس
وأشارت “واشنطن بوست” في هذا الصدد، إلى أن المشرعين الأمريكيين الرافضين للحرب التي تقودها السعودية في اليمن لم يضيعوا الفرصة لزيادة الضغط على المملكة.
إذ كتب السيناتور الديمقراطي برنارد ساندرز عن ولاية فيرمونت، مقالة صحفية عنيفة في صحيفة “نيويورك تايمز”، طالب فيها بإنهاء الدعم الأمريكي للسعودية في حربها باليمن.
وأضاف قائلا: “الحرب تخلق المشكلة ذاتها التي تدعي الإدارة الأمريكية أنها تريد حلها، وتعد كارثة استراتيجية وأخلاقية بالنسبة إلى الولايات المتحدة”.
ووعد ساندرز بإعادة تقديم مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ لإجبار واشنطن على سحب دعمها العسكري لتلك الحرب.
وتقدم واشنطن للتحالف العربي في اليمن معلومات استخباراتية ودعما لوجستيا، فضلا عن تزويد الدول المشاركة فيه بالكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة.
النائب الديمقراطي جيمس ماكجفرن عن ولاية ماساتشوستس، أيضا، يقود حاليا جهود أكثر من عشرين نائبا من الحزب الجمهوري والديمقراطي لتعليق كل مبيعات الأسلحة والدعم العسكري للمملكة، بحسب ما أفادت صحيفة “ديفينس نيوز” الأمريكية الأسبوع الماضي.
وقال ماكجفرن في بيان: “مع مقتل جمال خاشقجي، حان الوقت للولايات المتحدة لوقف جميع مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى السعودية. إن قيمنا الديمقراطية على المحك، وعلينا أن نرتقي كبلد ونقوم بالشيء الصحيح”.
وبعد صمت دام 18 يوما، أقرت الرياض بمقتل خاشقجي داخل قنصليتها في 2 أكتوبر / تشرين الأول الجاري الجاري إثر ما قالت إنه “شجار”، وأعلنت توقيف 18 سعوديا للتحقيق معهم، فيما لم تكشف عن مكان الجثة.
وقوبلت هذه الرواية بتشكيك واسع، وتناقضت مع روايات سعودية غير رسمية، تحدثت إحداها عن أن “فريقا من 15 سعوديا تم إرسالهم للقاء خاشقجي وتخديره وخطفه، قبل أن يقتلوه بالخنق في شجار عندما قاوم”.
** دعم المحافظين “تضرر بشدة”
إعلام بريطاني ربط كذلك بين جريمة قتل “خاشقجي” وتصاعد ضغوط واشنطن ولندن على الرياض فيما يخص الحرب في اليمن.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة “إكسبرس” البريطانية: “قبل تصريحات بومبيو وماتيس تجنبت الولايات المتحدة إلى حد كبير التطرق إلى الصراع في اليمن”، لكن “التصعيد الجديد من قبل المسؤولين الأمريكيين الاثنين جاء بعد قضية مقتل خاشقجي”.
فيما تطرقت صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى تصريحات وزير شؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة أليستر بيرت، التي قال فيها إن نتائج التحقيق في مقتل خاشقجي قد تؤثر على الدعم البريطاني لتدخل السعودية في حرب اليمن.
وقالت إن دعم المحافظين للتدخل السعودي في الحرب باليمن “تضرر بشدة” بسبب مقتل خاشقجي.
ويعاني اليمن منذ قرابة 4 سنوات، حربا بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي من جهة، والحوثيين الذين يسيطرون على محافظات بينها صنعاء منذ 2014 من جهة أخرى.
وخلفت الحرب المستمرة أوضاعا معيشية وصحية متردية للغاية، وبات معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية.