وصل ملف الشهيد بنعيسى آيت الجيد إلى تفاعلات جديدة من تطوره بتوجيه اتهام واضح لأحد الفاعلين الأساسيين في تنفيذ عملية الاغتيال “بالمشاركة في جريمة القتل مع سبق الإصرار والترصد”. وللتصحيح ، فالملف بقي مفتوحا منذ اقتراف الجريمة ولم يتم إعادة فتحه كما يقول أنصار المتورط في الجريمة. المسطرة الجنائية الجديدة واضحة في هذا الاطار. ماذا تقول المادة 6 في هذه النازلة : “ينقطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به”…..” يسري أجل جديد للتقادم ابتداء من تاريخ آخر إجراء انقطع به أمده، وتكون مدته مساوية للمدة المحددة في المادة السابقة”….” يبدأ التقادم من جديد ابتداء من اليوم الذي ترتفع فيه الاستحالة لمدة تساوي ما بقي من أمده في وقت توقفه”. كيف للسيد الرميد وزير الدولة في حقوق الانسان (وما أدراك من حقوق الانسان يا وزير؟؟؟)، وهو الذي أشرف، حين كان وزيرا للعدل، على إصلاح القضاء، والمسطرة الجنائية إحدى مخرجاته الأساس. ليس عيبا مراجعة الدروس يا أستاذ المحامي ومواكبة القوانين الجديدة، خاصة وأنك في مواقع القرار في الحكومة. وعلى ذكر الحكومة، لم أعد أفهم هل الحكومة من المفروض فيها رعاية مصالح كل المواطنين والمواطنات والسهر على إنفاذ القانون وفق المساطر والتوجيهات القضائية أم أنها حكومة لفصيل سياسي، وعلى المغاربة أن يبحثوا عن كيفية حماية حقوقهم وحقوقهن. من حق الحزب الذي ينتمي إليه الجاني أن يناقشوا الموضوع ويصدروا مواقفهم. الجاني (حسب اتهام القضاء) له دين على إخوانه فهو لم يطبق إلا توجيهاتهم في ذلك الوقت، ولعل الأمين العام السابق بنكيران يذكر رسالته الواضحة لوزير الداخلية المخلوع إدريس البصري حين يناشده بمنح تنظيمهم وصل الايداع للقضاء على اليساريين في الجامعة. ولعله يذكر كذلك “غابة باب الغول” بفاس حيث كان ينسق هجوم جحافل ظلامه على الطلبة اليساريين في الجامعة, هذه الهجمة التي راح ضحيتها جرير نورالدين وعوينتي بنسالم سنة 1991 . أعضاء الحزب في الحكومة انخرطوا في آليات مواجهة القضاء وإسناد أخاهم، كما سبق لبنكيران أن قال “لن نسلمكم أخانا”. هؤلاء الوزراء بما فيهم رئيس الحكومة الذي هو بالمناسبة أمينا عاما للحزب وقعوا في تناقض صارخ مع المهمة الأساس للحكومة، التي هي تدبير الشأن العام دون تمييز بين المواطنين، واحترام القرارات القضائية في انفاذ القوانين. إننا حاليا في وضعية نزاع واضح بين الهيئة التنفيذية والسلطة القضائية التي تدافع عن استقلالها، وعلى أعضاء الحكومة المنتمين لحزب العدالة والتنمية والمنخرطين في الحملة على القضاء الذي يدافع عن استقلاله أن يختاروا بين الحكومة أو الحزب. الحاجة الى حكومة جديدة دون حزب رئيس الحكومة الحالي أصبحت مطروحة، ومن يخول له الدستور التدخل في ذلك عليه التصرف.
أما الذين من خارج الحزب الأغلبي لا يشكلون إلا نشازا في المشهد، فهم كقارورات البلاستيك الفارغة التي تتلاعب بها الأمواج حتى إذا امتلؤوا بالمياه سحبتهم التيارات المائية الى قاع البحر، فنسيهم المشهد. المهمة الآن هي الدفاع عن استقلالية القضاء وإجلاء الحقيقة، كل ملابسات الحقيقة. والمتهم كيفما كان نوعه فهو بريء إلى أن تثبت إدانته. وبالمناسبة أذكر ببيان للجمعية المغربية لحقوق الانسان أصدرناه في 1 مارس 1993، وكنت ساعتها كاتبا عاما في الجمعية وكان الأخ عبد الرحمان بنعمرو رئيسا والأخ أمين عبد الحميد نائبا للرئيس. بيان أصبحت له قيمة تاريخية في الملف. مما جاء فيه:
“علمنا بحزن شديد نبأ وفاة الطالب آيت الجيد محمد يوم الاثنين 1 مارس 1993 صباحا، وقد جاء ذلك على اثر الاعتداء الذي تعرض له يوم الخميس 25 فبراير الاخير هو واحد رفاقه الطلاب بعد مغادرتهما للحي الجامعي على متن سيارة أجرة صغيرة التي تم توقيفها بالقوة من طرف مجموعة من الأشخاص الملتحين الذين قاموا بإنزالهما بالعنف من السيارة وانهالوا عليهما بالضرب مستعملين في ذلك الهراوات وغيرها من الأساليب العنيفة التي أدت الى تكسير رؤوسهما والاغماء عليهما ونقلهما في حالة خطيرة الى المستشفى.
ان هذا الاغتيال الشنيع الذي يجب الكشف عن مدبريه يذكرنا بالاغتيال الذي تعرض له الطالب بوملي المعطي بجامعة وجدة سنة 1991 .
أن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الانسان، اذ يعبر عن ادانته الشديدة لهذه الجريمة النكراء ويطالب بفتح تحقيق قضائي للكشف عن المجرمين ومن يقف وراءهم، يتقدم بتعازيه الحارة الى عائلة الفقيد آيت الجيد محمد والى منظمته الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والى كافة أعضاء جمعيتنا التي كان ينتمي اليها .
كما توجه الجمعية نداء إلى كافة القوى الحقوقية والديمقراطية ببلادنا من أجل التعبير عن إدانتها لهذه الجريمة والعمل الجماعي من أجل تفادي مثل هذه الاعتداءات المنافية لحقول الانسان ولاي سلوك ديمقراطي وحضاري .”
موقف الجمعية المغربية لحقوق الانسان واضح وثابت مبدئيا وأي خروج وتحول لجهة أنصار الجاني فهو خروج عن مبادئ حقوق الانسان وفقدان شرعية الكلام بمبادئها. ولنا عودة في كتابات أخرى لتوضيح الملابسات السياسية لكل هذا الصراع الذي له عمق كبير في سياق النضال الديمقراطي من أجل دولة الحق والقانون. ولعل الموقف الذي اتخذه القضاء والجمعيات المختلفة للقضاة في الدفاع عن استقلالية القضاء في ندوتهم الصحفية، يستدعي منا تحية عالية لمناصرتهم وحماية خطواتهم نحو التأسيس للأسس الجوهرية في دولة الحق والقانون، ألا وهي استقلالية القضاء. نداؤنا لكل شرفاء الوطن وكل المناضلين والمناضلات في الطيف الديمقراطي واليساري والحقوقي وهيئات المحامين للتجند من أجل الدفاع عن استقلالية القضاء ومناصرة القضاة النزهاء من أجل التأسيس لدولة الحق والقانون والوصول الى الحقيقة.
بقي لي أن أوضح مسألتين في الملف بصفتي متتبع ومطلع على وقائع وحيثيات الملف من موقع الفاعل السياسي والحقوقي في الساحة (ولعل طلبة الثمانينات والتسعينات يذكرون ذلك جيدا)، ومن موقع منسق سابق للجنة الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى:
أولا: لم يقع الملف تحت طائلة التقادم انطلاقا من الوقائع الواضحة، وهو لازال مفتوحا وفق منطوق المادة 6 من المسطرة الجنائية المشار اليها أعلاه. فبعد محاكمة 1993 بقي الملف مفتوحا إلى غاية انتهاء مسطرة النقض سنة 1998، وفي 2002 فتح التحقيق من جديد على اثر شكاية العائلة، وفي 2006 اعتقل عمر محب (من العدل والاحسان) وأدين بتهمة جريمة القتل مع سبق الاصرار والترصد وبقي الملف مفتوحا في الاستئناف ثم النقض ثم اعادة المحاكمة. وفي نفس الملف لازال التحقيق جاريا عند قاضي التحقيق في شأن أربعة مشاركين في الجريمة (2 من العدالة والتنمية و2 من العدل والاحسان) منذ 2013 ولازالت مسطرة النقض جارية الى الآن. متى حصل التقادم وفق المسطرة الجنائية. بقي الملف مفتوحا لدى القضاء منذ 1993 إلى الآن.
ثانيا: الدفع بمحاكمة سابقة للجاني في الملف. لابد من التوضيح بأن اعتقال حامي الدين من طرف الشرطة كان في مسرح الجريمة وهو متلبسا مما أربك الجهات الأمنية التي وظفت الظلاميين للقضاء على اليساريين في الجامعة، فوقع التحايل بتنسيب حامي الدين الى القاعديين وهم الطرف المعتدى عليه، وتكيفت التهمة “بالاشتباك المفضي الى الموت” وانطلقت مسطرة البحث عن الجناة. فالتهمة الحالية ملف آخر فيه شاهد اثبات و اتهام واضح بالمشاركة في القتل مع سبق الاصرار والترصد.
ثالثا: تعويض هيئة الانصاف والمصالحة، 1- قرار الهيئة ليس حكما قضائيا ولا يمكن الاستناد عليه في حيثيات الحكم. 2- التعويض تعلق أساسا في مدة الحراسة النظرية وليس في الحكم.
أعتقد أن المعركة في صلب النضال الديمقراطي من أجل حقوق الانسان والمساواة والكرامة والانصاف الاجتماعي وهذا ما سأحاول توضيحه في القادم من المقالات.