عياد أبلال
تم منع حفل تقديم كتاب المترجم والصحفي محمد جليد بمدينة سطات بدعوة من فرع جمعية الشعلة والمقهى الأدبي بالمدينة، والذي كان مبرمجا يوم الجمعة 16يوتيو 2017؛ ومن دواعي المنع أن الكتاب المترجم ” مملكة الكراهية” يسيء إلى العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والعربية السعودية، والكتاب في العمق يدرس مؤسسة محمد بن عبدة الوهاب ويتتبع الوهابية وتأثيرها في التشدد الديني والارهاب.
كتاب “مملكة الكراهية؛كيف دعمت العربية السعودية الإرهاب العالمي الجديد ” هو أطروحة للكاتب الأمريكي دور غولد، يعالج تأثير المذهل الوهابي في انتشار الإرهاب عبر العالم. يعود الكاتب، في معالجة هذا الموضوع إلى نشأة هذا المذهب ويسلط الضوء على مؤسسه محمد بن الوهاب، وكذا العوامل التي ساعدت على انتشاره في شبه الجزيرة العربية. كما يقدم المحطات الأساسية في تاريخ هذا المذهب، دعاواه، وصراعاته، وحروبه، امتداداته الدينية والإيديولوجية، الخ. ويصل في النهاية إلى آفة العصر (الإرهاب) ومدى علاقة هذا المذهب بانتشار ظواهر التطرف والتشدد الدينيين عبر العالم. إذ يركز في فصوله الأخيرة على شخصيات عرفت بتوجهاتها الدينية المتطرفة أمثال عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظاوهري وغيرهم، وكذا الجماعات الإرهابية كالقاعدة وأنصار الإسلام وجبهة النصرة، الخ. على العموم، فالكتاب يربط الإرهاب بهذا المذهب، وينفي أن يكون الدين الإسلامي الحنيف أي صلة بأشكال التشدد التي يشهدها العالم اليوم.
إن المنع والرقابة في زمن العولمة، إن كان سيؤدي إلى شيء فسيؤدي حتما إلى عكس ما تبتغيه الثقافة والفكر النقديين.
على افتراض أن الكاتب دور غولد لم يكن محايداً، وحاول تشويه الاسلام، فأفضل حل أمامنا هو رد الحجة بالجة وكشف تهافت خطابه، ومن ثم تقوية المناعة الداخلية للمثقف العربي والمسلم عموماً.
إن العلاقات الدبلوماسية، وعلى رغم من أهميتها القصوى، فأنا أعتقد أنها لا يجب أن تنفصل عن الحريات، وخاصة الفكر والتعبير والثقافة، ولا يمكن بناء مجتمعات قوية ودبلوماسية قوية إذا لم تنطلق أساسا من الثقافة والفكر.
إن الفجوة المعرفية التي تفصلنا عن الغرب تجعلنا في موقف لا يحسد عليه، وهذا الموقف راجع إلى فجوة الترجمة من جهة، وفجوة التلقي والتداول من جهة ثانية، وأن الصورة التي ألصقت بالاسلام وإن كانت لا تعكس صورة الاسلام المحمدي الحقيقية، لا يمكن تصحيحها إلا بترجمة الكتابات الغربية التي نجحت إلى حد ما في بلورة إطار استشراقي للاسلام الذي انقسم حسبهم إلى اسلام كرنفالي أو اسلام دموي، وهو ما يجافي الحقيقة.
إن الاسلام الوهابي هو وجه من الوجوه المتعددة للتدين، وإذا كان الباحثون العرب والغربيين يدرسون القرآن ذاته، فما المانع من دراسة الوهابية وترجمة هذه الدراسات وتداولها بالنقد والتحليل.
وإذا كانت الوهابية ومن ثم العربية السعودية سوف تتأثر ايجابا بالنقد الايجابي في أفق العصرنة والحداثة والفكر والتقدم، فليس هذه أجمل وأروع دبلوماسية يمكن تقديمها لبلد عربي ؟
ثم ما الجديد الذي أتى به الكتاب غير ما هو معروف عند العادي والبادي وعند عامة الناس من العالم.؟ خاصة وأن العربية السعودية اقتنعت بضرورة مراجعة المنهج الوهابي في تدبير شؤون المؤمنين بالبلد، وهو ما يدل عليه السماح لعدد كبير من الكتب التي كان مثلها ممنوعا في السابق في معرض الرياض الدولي للكتاب، ومن بينها كتاب “العطاونة محمد ،الإسلام الوهابي في مواجهة تحديات الحداثة”،الذي صدر بالانجليزية ، وتمت ترجمته للعربية في 2014.
وفي سياق الاتفاق الأمريكي السعودي حول مسألة الإرهاب والمد الوهابي، أكد حسب موقع الجسر ، وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون أنه تم تأسيس مركز بالعربية السعودية، وأن “المركز له عدد من العناصر لمهاجمة التطرف حول العالم، وأحد العناصر، هي أن ينشروا كتبا دراسية جديدة تدرس في مدارس مساجد حول العالم، هذه الكتب بديلة عن الكتب الدراسية الموجودة هناك، التي تبرر للفكر الوهابي المتطرف الذي يبرر العنف، وقد طالبناهم أيضا بسحب الكتب القديمة.
وتابع تيلرسون “هذا المركز سوف يغطي نطاقا واسعا جدا من وسائل الاتصال الاجتماعي إلى الإعلام، وكذلك كيفية تدريب الأئمة الشباب بمراكز التعليم الإسلامية، ونحن نعمل معهم اليوم على تأسيس هذا المركز الجديد، بما في ذلك المعايير التي سنحاسب عليها”. وهذا يعني أن السعودية نفسها منخرطة في هذا البعد الفكري الجديد. فما الداعي لمنع كتاب ستعمل العربية العسودية من هنا فصاعدا على طبع أمثاله وتقديمها للقراء محليا، واقلياً وعربيا.
تأسيساً على ما سبق، وبالنظر إلى التقاليد الكبيرة التي راكمها المغرب فيما يخص حرية التفكير والتعبير، خاصة في العهد الجديد، فإن منع تقديم كتاب يجعلنا في وضع سيء، خاصة وأن الكتاب لا يرد عليه ولا يدحض إلا بالكتاب، ولا يفل الفكرة غير الفكرة، خاصة في زمن الأنترنيت، الذي جعل مفهوم الدولة الوطنية نفسها مفهوما سائلا(Fluide) ، ومفهوم المنع مفهوما متجاوزاً بالنظر إلى ما يكتب ومنا ينشر بشكل فائق السرعة.
إن الدبلوماسية التي تعتمد المنع الثقافي والرقابة الفكرة هي من دون شك دبلوماسية منفصلة عن دولة الحق والقانون.
منع نشاط ثقافي وممارسة الرقابة الفكرية على كتاب باسم الدبلوماسية شيء محزن ومفجع.