يهيمن موضوع الفساد، الذي يعد آفة لا زالت مستشرية في جنوب إفريقيا بعد مرور 25 سنة على نهاية نظام الفصل العنصري، على النقاش في البلاد، في إطار الحملة الممهدة للانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 8 ماي المقبل.
ويتعامل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الحزب التاريخي للأيقونة مانديلا الذي يحكم البلاد منذ عام 1994، مع هذا الاستحقاق الهام، الذي يبدو أنه سيكون الأكثر احتداما في تاريخ دولة قوس قزح بأكمله ، في سياق صعب. فالعديد من أعضائه المؤثرين متورطون في قضايا فساد كبيرة عرفتها ولاية الرئيس السابق جاكوب زوما .
وفي الأسبوع الماضي، اتخذ النقاش حول هذه القضية منعطفا جديدا مع إدراج مسؤولين مرتبطين بهذه الفضائح في القوائم الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
وعلق محللون على إدراج هؤلاء المسؤولين، بمن فيهم وزير الداخلية والمالية السابق مالوسي جيغابا ، بكونها مبادرة تشكك في رغبة هذا الحزب في تحرير البلاد من ظاهرة تمس صورته بشكل خطير، خاصة لدى المستثمرين.
وذهب المحللون إلى حد الإشارة إلى بعض الفصائل داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، التي تحاول، برأيهم، تخريب أجندة الإصلاح التي قدمها الرئيس سيريل رامابوزا منذ توليه الحكم في فبراير 2018، خلفا لزوما.
وقال المحلل السياسي رالف ماتيكغا إن “قوائم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي دالة بوضوح”، مضيفا أنها “تكشف أن بعض الفصائل لا تلتزم بالأجندة الإصلاحية لرامابوزا، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الفساد”.
ولم يلتزم عدد من رموز حزب مانديلا الصمت، بل نشر أحد عشر من قدامى المناضلين في الحزب ، منهم غولام أبو بكر ، وشيلا سيسولو ، ونيشان بالتون ، وشيريل كارولوس ، رسالة مفتوحة، يؤكدون فيها أن إدراج قادة “فاسدين” في قوائم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ” يثير أسئلة جادة”.
وبعد تذكيرها بـ”قيم النزاهة” التي استند إليها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لا سيما خلال معركة التحرير من نير الفصل العنصري، لاحظت هذه الشخصيات أنه أصبح واضحا للجنوب إفريقيين الذين أعجبوا وصوتوا لصالح الحزب بأن بعض الأعضاء المؤثرين فيه متورطون في قضايا فساد.
كما أبرزوا وجود تعيينات مثيرة للشكوك في مناصب عليا ، وهو وضع “قوض الحكامة الرشيدة” في البلاد، في إشارة إلى “الاستيلاء على الدولة” ، وهو تعبير يشير إلى التواطؤ بين إدارة الرئيس السابق زوما و(غوبتا) ، وهي عائلة من أصل هندي تضم رجال أعمال أثرياء كانت تتدخل حتى في التعيينات في المناصب الحكومية الحساسة مقابل الحصول على مزايا ومصالح مالية.
وناقش قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أيضا الوضعية الصعبة التي تقبع فيها معظم المقاولات العامة في البلاد، والتي توجد على حافة الإفلاس بسبب الفساد وسوء الإدارة.
وبعد تشخيص شامل للوضع في البلاد ، حذروا من أن استمرار الفساد يدفع مؤيدي هذا الحزب إلى تغيير موقفهم خلال الانتخابات.
كما حذروا من تكرار سيناريو الانتخابات البلدية لعام 2016 ، عندما دفع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ضريبة انقسامه ، وفقد السيطرة على المدن الكبرى كجوهانسبورغ وبريتوريا ونيلسون مانديلا باي لصالح المعارضة ، بقيادة التحالف الديمقراطي.
ولم يكف الرئيس رامابوزا، المدعو إلى إنقاذ الحزب في أعقاب إقالة زوما، عن التأكيد على بذله كل ما بوسعه في سبيل مكافحة الفساد.
وقال في أول خطاب له عن حالة الأمة ألقاه في مارس 2018 بالبرلمان (مقره في كيب تاون)، “إننا عاقدون العزم على تطهير بلادنا من الآثار الخطيرة للفساد وعلى استعادة نزاهة مؤسساتنا”.
وقام رئيس جنوب إفريقيا، في وقت لاحق، بتشكيل لجان تحقيق لتسليط الضوء على قضية تثير اهتمام الرأي العام الجنوب إفريقي، الذي يعاني من مشاكل اجتماعية خطيرة، يمكن تلخيصها في البطالة التي تمس أكثر من 27 في المائة من السكان النشطين، والفقر الذي يؤثر على أكثر من نصف السكان البالغ عددهم حوالي 58 مليون نسمة، وفي الفوارق الاجتماعية التي تعد من بين الأسوء في العالم.
ووفقا للمعارضة، فيجب انتظار اقتراع الثامن من ماي للاستفادة من نكسات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وقد أكد التحالف الديمقراطي، بشكل خاص، رغبته الأكيدة في مكافحة الفساد، ووعد الناخبين باتخاذ إجراءات ملموسة وقوية ضد “أولئك الذين نهبوا موارد البلاد”.
وفي أعقاب نشر القوائم الانتخابية، سارع المقربون من رامابوزا إلى التأكيد على أن هذا الأخير عازم على تنفيذ برنامجه لمكافحة الفساد بعد الانتخابات.
وقبيل حوالي الشهر من موعد الاقتراع، يبدو أن النقاش سيحتدم حول هذه القضية، على غرار النقاش الدائر حول إصلاح الأراضي وكذا حول الانتعاش الاقتصادي. ومما لا شك فيه أن المنافسة خلال هذا الاقتراع ستكون الأكثر حدة منذ عام 1994، حيث يتوقع المراقبون أن تتراجع شعبية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
ووفقا لاستطلاع الرأي الأخير الذي أجراه معهد العلاقات بين الأعراق، فمن المتوقع أن يفوز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأقل من 55 في المائة من المقاعد في البرلمان المقبل، وهي نتيجة ستضمن بالتأكيد حصول حزب مانديلا على أغلبية مريحة، لكن ذلك سيترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام تغيير عميق على المديين القصير والمتوسط، بالنظر إلى المكانة المتزايدة للشباب، الذين يعتبرون الضحايا الأوائل للإخفاقات المتراكمة منذ عام 1994.