إذا كانت هناك من نصيحة نسديها للسلفي حماد القباج، فهي نصيحة الصمت باعتباره حكمة. فقد كتب الرجل تدوينة قال فيها : “توحيد الخالق مبدأ إيماني، وشعيرة الأذان عنوانه المعلن؛ هذا المبدأ العظيم لا يجوز خلطه بمعاني الوثنية التي تسللت إلى دين سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما الصلاة والسلام “. وأضاف “أدعو المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف إلى تحمل مسؤوليتهم أمام الله تعالى وأمام أمير المؤمنين وأمام التاريخ..وبيان هذه الحقيقة للشعب المغربي وأن ترحيبنا بفخامة بابا الفاتيكان لا يعني أبدا إقرار شيء من الوثنيات المعتمدة في الديانة النصرانية بأي وجه من الوجوه”.
الواقع يؤكد أن الوصلة الفنية-الروحية التي تم تقديمها أمام الملك محمد السادس والبابا فرنسيس، تعكس على خلاف ما ذهب إليه القباج، تمازجا حضاريا وتعايشا دينيا لا يمس عقيدة المغاربة في شيء، بل في ذلك رسالة واضحة على أن المغرب أرض لجميع الديانات السماوية ولجميع المؤمنين مهما اختلفت ثقافاتهم، وهنا يبرز دور الملك بصفته أميرا للمؤمنين في الحفاظ على هذه الخصوصية المغربية وحماية حق المؤمنين في ممارسة شعائرهم.
لقد كان من الأفضل برجل دين مثل القباج أن يبرز البعد الحقيقي لهذه الزيارة، والتي تمثل في إحدى أوجهها رسالة واضحة لمن يشك في أن المغرب ملتقى الحضارات. صحيح أن الإسلام هو دين المملكة، لكن ذلك لا يمنع غير المسلمين في ممارسة حرياتهم العقدية دون أي عرقلة أو حرج، سواء تعلق الأمر باليهود باعتبارهم جزء من الهوية المغربية أو بالمسحيين الذين اختاروا المغرب أرضا للاستقرار أو وجهة سياحية..هنا تتعايش جميع الديانات. في هذه الأرض يرفع الآذان، وتمارس الكنائس وظيفتها بكل حرية.