كان بالأمس من أبرز الوجوه التي ناضلت لإنهاء الاستعمار الفرنسي في الجزائر. أما اليوم فيرى فيه العديد من الجزائريين خاصة الشباب، أحد وجوه الأزمة التي تمر منها البلاد.
حاول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (82 عاما)، أحد أبطال حرب التحرير، صدّ موجة المعارضة غير المسبوقة التي زلزلت الجزائر منذ الـ22 فبراير/ شباط 2019 رافعة شعار “فليتنحوا جميعا!”. لكن هذه المحاولات، سرعان ما اصطدمت بقوة الشارع أولا، ثم بتخلي محيطه عنه، خاصة رئيس الجيش الذي طالب بالعودة الى المرجعية الدستورية واعتبار منصب الرئيس “شاغرا”.
التراجع عن السعي لنيل ولاية خامسة في رئاسة البلاد، كانت أولى الخطوات الفعلية التي صدرت عن رئاسة الجمهورية لاحتواء الأزمة. تلى ذلك بيان صدر مساء الاثنين (الأول من أبريل/ نيسان)، جاء فيه أنّ “استقالة رئيس الجمهورية ستتمّ قبل نهاية عهدته الانتخابيّة في يوم الأحد 28 أبريل / نيسان 2019”.
لم يشر هذا البيان إلى تاريخ محدّد للاستقالة، إلا أن تقارير إعلامية متطابقة ألمحت أن بوتفليقة قد يتنحى هذا الأسبوع. ما يعني أن تنبأت به المعارضة الجزائرية فيما قبل بأن عهد بوتفليقة “قد انتهى”، بات على أرض الواقع.
صوت الثوار
يسود اختلاف بين المؤرخين حول مسقط رأس عبد العزيز بوتفليقة. فهناك من يقول إنه ولد في تلمسان غرب الجزائر، بينما يدعي آخرون أن وجدة المدينة المتواجدة شرق الجارة المغرب، هي مسقط رأسه.
في سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسي تحت حماية هواري بومدين القائد الثوري الذي أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد.
وبعد الاستقلال عيّن وزيرا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. ثم، في العام التالي عُين وزيرا للخارجية. وأصبح أحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية.
أصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة والنظارات الشمسية التي راجت في الستينيات، متحدثا باسم الدول التي خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري. ومنحته السمعة التي اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية.
طالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة. وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
أثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة. فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء في الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ رهائن وقتلوهم.
وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات وهو يخاطب الجمعية العامة في نيويورك متمنطقا بجراب مسدس.
وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية وزراء نفط من اجتماع لأوبك في فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر. والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس في المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.
بوتفليقة يخضع للتحقيق
بنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة. فبوفاة بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده وسنده، تمّ عزله من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه في مخالفات مالية. وهو ما اعتبره بوتفليقة آنذاك اتهامات ملفقة في إطار مؤامرة سياسية.
غادر بوتفليقة الجزائر في أوائل الثمانينيات واستقر في دبي حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. عاد إلى وطنه في عام 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية.
موازاة مع ذلك كانت الأوضاع قد بدأت في التدهور في الجزائر. ودخلت الأحداث في منعطف دموي عرفت بـ”العشرية السوداء”. وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 1992، والتي كان فيها الإسلاميون على وشك الفوز، فوقعت مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها وتعرض المدنيون في شوارع المدن الى الذبح.
بينما قدرت حصيلة الصراع بنحو 200 ألف قتيل.
عودة الاستقرار
وسط هذا المشهد، عاد بوتفليقة إلى الحياة السياسية بدعم من الجيش، وانتخب رئيسا للبلاد في 1999 متعهدا بوقف القتال.
أصدر عفوا عن المتشددين الذين ألقوا السلاح، رغم معارضة ضارية من مؤسسة الحكم.
في عهدته الثانية، خاض بوتفليقة معارك قوية على النفوذ مع قوى الأمن وراء الكواليس. ومع بداية فترة ولايته الثالثة بات أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما. ساعده في ذلك إيرادات النفط والغاز، والحماية التي وفرتها احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة.
ورغم أن الشارع الجزائري راقب عن بعد أحداث “الربيع العربي”، متخوفا من أي اضطرابات قد تعيد تجربة الحرب الأهلية المريرة، إلا أن تفشي الفساد والفقر وسوء مستويات المعيشة ونقص فرص العمل والخدمات، وفي ذات الوقت إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة، جميعها أمور أججت غضب الجزائريين ليخرجوا في مختلف أنهاء المدن في مظاهرات كانت فاصلة، أرغمت أطراف النظام للبحث عن حلول.
كبر السن والمرض
ولا يعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة. فلا تذكر السجلات الرسمية له زوجة رغم أن البعض يقولون إنه تزوج عام 1990. وعاش بوتفليقة مع والدته منصورية في شقة بمدينة الجزائر حيث اعتادت أن تعد له الطعام.
وحل به كبر السن والمرض. وأجرى أطباء فرنسيون جراحة له في عام 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة في المعدة. غير أن برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة تحدث عن إصابته بالسرطان.
نال منه الضعف بعد أن توفيت والدته في 2009، كما أنه تعرض لجلطة في الدماغ عام 2013، تدهورت صحته على إثرها بشكل بالغ فابتعد عن الأضواء إلا نادرا، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات وأجج غضب الشارع الجزائري حول حقيقة الوضع الصحي لرئيس الجمهورية.
التراجع عن السعي لنيل ولاية خامسة في رئاسة البلاد، كانت أولى الخطوات الفعلية التي صدرت عن رئاسة الجمهورية لاحتواء الأزمة. تلى ذلك بيان صدر مساء الاثنين (الأول من أبريل/ نيسان)، جاء فيه أنّ “استقالة رئيس الجمهورية ستتمّ قبل نهاية عهدته الانتخابيّة في يوم الأحد 28 أبريل / نيسان 2019”.
لم يشر هذا البيان إلى تاريخ محدّد للاستقالة، إلا أن تقارير إعلامية متطابقة ألمحت أن بوتفليقة قد يتنحى هذا الأسبوع. ما يعني أن تنبأت به المعارضة الجزائرية فيما قبل بأن عهد بوتفليقة “قد انتهى”، بات على أرض الواقع.
صوت الثوار
يسود اختلاف بين المؤرخين حول مسقط رأس عبد العزيز بوتفليقة. فهناك من يقول إنه ولد في تلمسان غرب الجزائر، بينما يدعي آخرون أن وجدة المدينة المتواجدة شرق الجارة المغرب، هي مسقط رأسه.
في سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسي تحت حماية هواري بومدين القائد الثوري الذي أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد.
وبعد الاستقلال عيّن وزيرا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. ثم، في العام التالي عُين وزيرا للخارجية. وأصبح أحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية.
أصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة والنظارات الشمسية التي راجت في الستينيات، متحدثا باسم الدول التي خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري. ومنحته السمعة التي اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية.
طالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة. وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
أثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة. فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء في الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ رهائن وقتلوهم.
وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات وهو يخاطب الجمعية العامة في نيويورك متمنطقا بجراب مسدس.
وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية وزراء نفط من اجتماع لأوبك في فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر. والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس في المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.
بوتفليقة يخضع للتحقيق
بنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة. فبوفاة بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده وسنده، تمّ عزله من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه في مخالفات مالية. وهو ما اعتبره بوتفليقة آنذاك اتهامات ملفقة في إطار مؤامرة سياسية.
غادر بوتفليقة الجزائر في أوائل الثمانينيات واستقر في دبي حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. عاد إلى وطنه في عام 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية.
موازاة مع ذلك كانت الأوضاع قد بدأت في التدهور في الجزائر. ودخلت الأحداث في منعطف دموي عرفت بـ”العشرية السوداء”. وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 1992، والتي كان فيها الإسلاميون على وشك الفوز، فوقعت مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها وتعرض المدنيون في شوارع المدن الى الذبح.
بينما قدرت حصيلة الصراع بنحو 200 ألف قتيل.
عودة الاستقرار
وسط هذا المشهد، عاد بوتفليقة إلى الحياة السياسية بدعم من الجيش، وانتخب رئيسا للبلاد في 1999 متعهدا بوقف القتال.
أصدر عفوا عن المتشددين الذين ألقوا السلاح، رغم معارضة ضارية من مؤسسة الحكم.
في عهدته الثانية، خاض بوتفليقة معارك قوية على النفوذ مع قوى الأمن وراء الكواليس. ومع بداية فترة ولايته الثالثة بات أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما. ساعده في ذلك إيرادات النفط والغاز، والحماية التي وفرتها احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة.
ورغم أن الشارع الجزائري راقب عن بعد أحداث “الربيع العربي”، متخوفا من أي اضطرابات قد تعيد تجربة الحرب الأهلية المريرة، إلا أن تفشي الفساد والفقر وسوء مستويات المعيشة ونقص فرص العمل والخدمات، وفي ذات الوقت إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة، جميعها أمور أججت غضب الجزائريين ليخرجوا في مختلف أنهاء المدن في مظاهرات كانت فاصلة، أرغمت أطراف النظام للبحث عن حلول.
كبر السن والمرض
ولا يعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة. فلا تذكر السجلات الرسمية له زوجة رغم أن البعض يقولون إنه تزوج عام 1990. وعاش بوتفليقة مع والدته منصورية في شقة بمدينة الجزائر حيث اعتادت أن تعد له الطعام.
وحل به كبر السن والمرض. وأجرى أطباء فرنسيون جراحة له في عام 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة في المعدة. غير أن برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة تحدث عن إصابته بالسرطان.
نال منه الضعف بعد أن توفيت والدته في 2009، كما أنه تعرض لجلطة في الدماغ عام 2013، تدهورت صحته على إثرها بشكل بالغ فابتعد عن الأضواء إلا نادرا، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات وأجج غضب الشارع الجزائري حول حقيقة الوضع الصحي لرئيس الجمهورية.