يتحدّث عياد أبلال، الأستاذ الأنثروبولوجي، في هذا الحوار مع “24 ساعة” عن السياق العام الذي جاء فيه خطاب العرش لهذه السنة وعن علاقة مضمون الخطاب الملكي بتقديم إلياس العماري استقالته من منصبه كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة.
وفي نص الحوار ما يلي:
كيف تقرأ سياق المرحلة التي جاء فيها الخطاب الملكي، والتي برر بها إلياس العماري تقديم استقالته؟
جاء خطاب العرش لهذه السنة في ظل وضع سياسي يكتسب أهمية كبيرة نظرا إلى ما يعرفه المغرب من حراك، خاصة بعد أن اتضح بالملموس فشلُ كل مؤسسات الوساطة بين الدولة والمجتمع، وخاصة الأحزاب السياسية، التي فقدت دورها ووظيفتها وأصبحت مجرد دكاكين سياسية مرتبطة بالانتخابات فقط. إذن فالخطاب الملكي في ما يخص الحياة الحزبية لم يفعل سوى أنه أعلن رسميا موتها، وهو ما كان واضحا منذ 2007 من خلال الانخفاض المستمر في المشاركة الانتخابية رغم محاولات الدولة الرفع من نسب المشاركة.
إن الخطاب الملكي الذي كان من المفروض أن يثير السؤال والحوار بين فعاليات الأحزاب السياسية من خلال تشخيص واقع الحال والمآل والتعرض بالتحليل للأسباب الحقيقية الداخلية والخارجية لضعف الأداء الحزبي وارتفاع عجزها الديموقراطي لم يثر سوى ردة فعل آنية وسطحية لا تخلو من نفاق وبؤس سياسي. وهو ما يتضح من تعليق الأمناء العامين للأحزاب، خاصة التحالف الحكومي، وكأن الخطاب الملكي لا يعنيهم.
من هنا يبدو أن حراك الريف وانتشار ثقافة الاحتجاج في الكثير من المناطق نتيجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي الذي يعيشه المغرب جعلا الخطاب يركز على وصف الوضع السياسي والحزبي تحديدا، وهو ما كان يتطلب من السياسيين جرأة في تناوله وتشخيص العطب الحزبي من منظور شجاع ومسؤول، خاصة أن الحراك قد أسقط كل الاقنعة عن الأحزاب وكافة مؤسسات الوساطة على حد سواء.
لنتحدث عن تداعيات حراك الريف داخل البام؟
لقد جاءت استقالة الياس العماري عقب الخطاب الملكي كرد فعل على إحساسه بفشله في عدد من القضايا، وعلى رأسها نتائج انتخابات شتنبر 2015 وأكتوبر2016. وقد سبق له أن وعد الناخبين وعموم مناضلي حزبه بأنه سيقدم استقالته إذا لم يتصدر نتائج الانتخابات.. من هنا أظن أن الأصالة والمعاصرة قد أخذ المبادرة، من خلال قرار إلياس العماري، لتفعيل مضامين الخطاب الملكي في ربط المسؤولية بالمحاسبة..
في هذا السياق كان من اللازم قبل العماري أن يقدم أمناء أحزاب التحالف الحكومي استقالاتهم، خاصة أن العجز الديمقراطي في الحياة الحزبية مرتبط بشكل كبير، قبل تدخل المخزن، بالزعماء الذين شاخوا في مناصبهم، مثلما هو حال القيادات المحيطة بهم،وربطوا مسؤولياتهم السياسية بعالم المال والأعمال. وبات الفساد وسوء التدبير والحكومة من عوارض العجز الديمقراطي في المغرب.
إن المخزن تحالفٌ للمصالح والمنافع، وهو إفراز في العمق للحياة السياسية وموازين القوى، ولهذا فمسؤولية الأحزاب السياسية قائمة في كل التراجعات الحقوقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المغرب، وهو ما كشف عنه حراك الريف بقوة.
لنتحدث عن تداعيات حراك الريف على المؤسسات السياسية بعد الخطاب الملكي؟
أظن أن حراك الريف، وخاصة بعد الخطاب الملكي واستقالة إلياس العماري سيكون له مزيد من التأثير على المشهد السياسي المغربي، خاصة أن ملك البلاد أعلن مسؤوليته في تفعيل دوره الدستوري في ضمان السير الأمثل لمؤسسات الدولة والحفاظ على الأمن وتفعيل مقتضيات الدستور إذا لم يبادر السياسيون والمسؤولون لتحمل مسؤولياتهم.. بمعنى أن المرحلة المقبلة مرحلة ستتّسم بربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يجعل البلاد مقبلة على تحولات كبيرة يحب أن تفرز حياة سياسية سليمة مبنية على حياة حزبية ديموقراطية، وهو ما يجعل جميع الفرقاء والفاعلين في كل المجالات مسؤولين تاريخيا عن المرحلة المقبلة. وهنا يجب التفكير في تحقيق حلم الراحل عابد الجابري في الوحدة التاريخية من أجل الوطن، لأن حجم التراجعات الحقوقية يشرح إلى حد ما حجم التخوفات التي تنتاب المجتمع المدني في هذه الفترة الدقيقة من تاريخ المغرب المعاصر.