المفارقة وسط الأقلية المسيحية في المغرب هي أن المتحدث باسمهما، مصطفى السوسي، تحول من ديانة الأغلبية، الإسلام، ليكون واحدا من أكثر المدافعين عن حقوقها.
ترتبيته الدينية ودراسته للعلوم الشرعية، بدل الدراسة العادية، وانضمامه إلى جماعة إسلامية مغربية هي ما دفع السوسي -حسب قوله- إلى “طرح أسئلة وجودية”، ومن ثم دراسة المسيحية على مدار عام، قبل أن يقرر تغيير دينه في 1995. وبشكل أو آخر، فإن تجربة المتحدث الرسمي باسم تنسيقية المسيحيين المغاربة (غير حكومية) لعبت دورا في خروجهم من الظل إلى العلن، رغم نظرات المجتمع وتحديات الإدارة.
لم يكن السوسي (46 سنة) يظن أنه سيقدم يوما على تغيير عقيدته ولا حتى مجرد التفكير في التقصير إزاء واجباته التعبدية، بالنظر إلى التربية الإسلامية الصارمة وسط المجتمع الذي ترعرع فيه. والحال كذلك، أخفى السوسي هويته الدينية الجديدة، تفاديا لغضب محيطه الاجتماعي، لاسيما بعدما قاطعه أربعة من إخوانه منذ عشر سنوات.
وما يخفف هذه القطيعة الأسرية أن اثنين من إخوان السوسي اعتبرا خطوته حرية فردية، ليس لهما حق التدخل فيها، فضلا عن وفاة والده قبل الإفصاح عن دينه الجديد، في 2007. وأمام هذا الوضع، لم يعلن الرجل دينه الجديد إلا في دجنبر الماضي، عندما ظهر برفقة أصدقائه المسيحيين، خلال الاحتفال بميلاد المسيح.
وكان دافع السوسي إلى هذه المجاهرة هو أن “روح ثقافة الاختلاف بدأت تدب، نسبيا، في المنظومة الثقافية للمجتمع المغربي”، طبقا لما قاله للأناضول.
من الظل إلى العلن
إعلان المسيحيون المغاربة عن أنفسهم رسميا لم يكن عفويا ولا حماسيا، بل كان وفق برنامج مخطط له، بشكل مسبق، بدأ بتأسيس إطار قانوني، في مارس 2016، تحت اسم “تنسيقية المسيحيين المغاربة”. ويعود الإعلان إلى سببين، أولهما، كما يشير المتحدث باسم التنسيقية، “آية في الإنجيل تُحرّم إنكار المسيحي هويته الدينية”.
والسبب الثاني أن عدد المسيحيين في المغرب، وإن بقي ضئيلا جدا، “أصبح يناسب الخروج العلني”، لكن السوسي رفض تقديم رقم محدد. وبالرغم من تأسيس المسيحيين المغاربة إطارا قانونيا، حتى يتسنى لهم المطالبة بحقوقهم كمواطنين، في إطار القانون، فإن ذلك لم يمنع من تعرضهم لبعض الصعوبات.
ودفع ذلك المسيحيين المغاربة إلى تقديم رسالة “مستعجلة” لمحمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) في 3 أبريل الماضي. وتطالب الرسالة بـ”الزواج المدني، والسماح بإقامة الطقوس المسيحية في الكنائس ومقابر مسيحية (…) وأن يكون التعليم الديني للمغاربة المسيحيين اخياريا في المدراس المغربية”. وأفاد المتحدث باسم المسيحيين المغاربة بأن الصبار تفاعل مع مطالبهم بـ”إيجابية”، ورفع المذكرة إلى رئاسة الحكومة، في انتظار الرد عليها.
مضايقات وحقوق
خلال الأشهر القليلة الماضية، ارتفع خروج المسيحيين إلى العلن، سواء عبر الصحافة المحلية والدولية، أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، مطالبين بحقوقهم. وكانت التنسيقية قد بعثت رسالة، اطلعت عليها الأناضول، إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وبعض وزرائه، تطالب بـ”منح الوثائق الإدارية لهذه الشريحة، خصوصا بعد تسجيل عراقيل لبعضهم”.
ويظن السوسي أن “المضايقات التي تطال المسيحيين المغاربة لا تعدو كونها اجتهادات شخصية، يتحمل مسؤوليتها رجال الأمن وموظفو الإدارات العمومية، بشكل فردي”. ودعا السوسي رئيس الحكومة والمؤسسات الحقوقية والأمنية إلى حماية المسيحيين المغاربة، بما يحفظ حقوقهم الدينية والمدنية، دون تعرضهم لـ”استفزازات ومضايقات في حياتهم اليومية”.
وكان مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، قد قال، خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، إنه “ليس في القانون الجنائي أي تجريم لتغيير العقيدة، ولا يمكن متابعة أي شخص لمجرد تغيير دينه”.
ونبه الرميد إلى أن حرية المعتقَد محسومة من الناحية الحقوقية، وكذلك من الناحية الدينية. ولا توجد إحصاءات رسمية لعدد المسيحيين، ولا الطائفة الشيعية، إلا أن تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية لعام 2016 قدّر المسيحيين بألفين إلى 6 آلاف شخص في مختلف أنحاء البلاد، من أصل 34 مليون مغربي.
وأفاد التقرير بأن ما بين ألف إلى 3 آلاف مسيحي يترددون بانتظام على “كنائيس منزلية”، بينما يقيم في المغرب نحو 40 ألف مسيحي أجنبي، 75% منهم كاثوليك، والبقية بروتستانت. وفي المقابل، يمثل المسلمون السنة 99% من المغاربة، حسب التقرير الأمريكي.