ربما لم يعد بمقدور الدوحة وهي تعاني ” فوبيا الحصار” أن تدرك أنها فقدت ما تبقى من عقلها السياسي عندما تبنت مطلب الفُرس الصفويين بتسييس وتدويل الحج. غير أن الأمر برمته يمكن أن يبدو منطقيا حين نضعه في سياق الخبرة التي اكتسبتها قطر في مجال التدويل، الذي حوّلته إلى علم خالص قائم بذاته.
فعندما فتحت هذه الدولة الخليجية أبوابها في وجه طالبان وتنظيم الإخوان ومتمردي دارفور والجماعة الليبية المقاتلة ومن لا نعرفهم من الموسومين بتهمة ممارسة الإرهاب وصناعة الموت، بدا واضحا أنها تعمل على “تدويل” الإرهاب، بحيث لا يعود مقصورا على رقعة واحدة قد لا تقدم لنا من الموت والدمار ما يكفي لقتل وقتنا، الميت أصلا.
وعندما تحول قطر أرضها إلى “بازار” عسكري تعرض فيه أزياء وأسلحة المارينز والحرس الثوري الإيراني وجنود القوات الخاصة التركية، تصبح الحصيلة المؤسفة تدويلا لسيادة الدولة واختطافا غاصبا لإرادتها الحرة.
ويبدو أن هذه الخبرة المكتسبة على امتداد العقدين الماضيين قد أفقدت الدوحة قدرتها على مقاومة إغراء التدويل بعد إعلان قرار المقاطعة المشفوع بقرائن وأدلة قاطعة تضع الدوحة في مهبّ إعصار الإرهاب والهرطقة السياسية. فقبل أن تتأكد قطر مما إذا كان الأمر محكوما بخلاف داخل البيت الخليجي، سارعت إلى إطلاق النيران الصديقة وطالبت العالم بأن يصبح طرفا وحكما وشاهد زور.
وإذا كان الرهان القطري على التدويل يستهدف بالأساس تغيير السياقات المنطقية وتغيير أدوار اللاعبين والمشاهدين، فإن دعوتها الى تدويل الحج، مداهنة وموالاة لآيات طهران، لا تشهد على انفلات عقلها السياسي فحسب، بل إنها تزج بها في نفق مظلم لن تتبين بعده معالم الطريق السوي.