يمكننا أن نصدّق أن على وجه البسيطة هناك صحافة في خدمة الحقيقة فقط، ولكن هذا لا يشمل دولة الاحتلال إسرائيل، فالصحافة في هذه الأخيرة هي في خدمة المشروع الصهيوني أولاً، ثم بعد هذا الخط الأحمر يبقى للحديث بقية. وحديث الصحافة الإسرائيلية هذه المرة مُسلط ضد المملكة المغربية، التي لبست لها وسائل الإعلام الإسرائيلية ثوب الواعظ الحكيم الناصح الذي لا يبتغي للمغرب إلا الأمان والاستقرار، ولهذا قررت الصحافة الإسرائيلية تسليط الضوء على أحداث الحسيمة المغربية عبر تقديم تقرير مفصل عما يجري هناك، بدءا من حادثة وفاة محسن فكري، وصولاً إلى ما قبل الخطاب الملكي في عيد العرش.
وقد حاولت الصحافة الإسرائيلية وصف ما يجري في الحسيمة بأنه شبيه ببداية “الربيع العربي” في عدة بلدان عربية. واختارت صحافة هذا الكيان ما وقع في مصر وتونس لتقريب وجه التشابه في الأحداث، حتى أنها ذهبت بعيداً في رسم خارطة “رموز” كما سمّتهم الصحافة الإسرائيلية، رموز الثورات العربية، وهم “محمد البوعزيزى في تونس وخالد سعيد في مصر ومحسن فكري في المغرب”.
وهنا خلاصة ما تريد الصحافة الإسرائيلية إيصاله إلى المملكة المغربية بسبب موقفها وفعاليتها ضد انعقاد القمة الإفريقية -الإسرائيلية في لومي، عاصمة الدولة الإفريقية طوغو، في الأيام القليلة المقبلة. هذه القمة التي تعدّ بمثابة القنبلة الانشطارية التي ستلقى في قلب إفريقيا؛ وبالتالي ستصبح هذه القارة على شاكلة عدة أقسام واتجاهات وتوجهات، ما سيكون له تأثير سلبي مباشر على مصالح جميع الدول الإفريقية وغير الإفريقية أيضاً. وهذا ما سيُحْدث في المنطقة اختلالاً على المستوى الاقتصادي من جانب؛ ومن جانب آخر، سيُدخل المنطقة في حالة سباق تسلح، بالإضافة إلى التغير الذي سيطرأ على الدول التي ستشارك فعليا في القمة تجاه موقفها من القضية العربية -الفلسطينية المطروحة في المحافل الدولية وعلى طاولة النظر في الأمم المتحدة، والذي سيكون إيجابيا لصالح اسرائيل ومتأرجحا سلباً تجاه الموقف العربي -الإسلامي، ما سيُدخل المنطقة برمتها في أتون تغيّرات تستدعي تحركاً دوليا لمواجهة أخطار المشروع الإسرائيلي في القارة السمراء.
وقد تنبّهت المملكة المغربية للأطماع الإسرائيلية، ما جعلها تتصدى لهذا المشروع بإعلانها رفض المشاركة في القمة المذكورة وأنها ستعمل جاهدة على حماية حقوقها ومصالحها وتطلعاتها من خلال بذل كل الجهود على المستوى الدولي لإجهاض انعقاد قمة طوغو. من هذا المنطلق، تتعامل الصحافة الإسرائيلية مع أحداث الحسيمة، فهي تريد إيصال تلك الرسالة غير البريئة ومفادها أنها تذكّر أصحاب القرار بأن إسرائيل تمتلك ورقة “ضغط” يمكنها استخدامها وترويجها إعلاميا ضد المغرب ومصالحه، وأن ما وقع في تونس ومصر يمكن أن يقع هنا في المغرب في حال بقي الموقف تجاه القمة الإفريقية -الإسرائيلية كما هو عليه، رافضا انعقادها، وليس فقط عدم المشاركة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أنه بين جميع الدول الإسلامية والعربية ليس هناك حتى الآن غير المملكة المغربية وفلسطين في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي في القارة الإفريقية. ومما أجّج غضب الصحافة الإسرائيلية الموقفُ الذي أعلنت عنه جنوب إفريقيا برفضها انعقاد القمة، ما عزز موقف وتوجه المغرب وفلسطين. ولأننا نرفض أن نكون متشائمين، سنترك القافلة مفتوحة، فلا بد أن يكون لها بقية، كما للحديث بقية. ولربما تكون هذه الرسالة الإسرائيلية التي تحاول تمريرها عبر وسائل إعلامها بمثابة ناقوس الخطر لدى بعض الدول التي أصبحت تقترب من حكومات إسرائيل، معتقدة أن الثعلب يمكن أن يكون له رفيق من غير “ماركته”.