أحلام، هبة، سارة، إيمان، علي، محمد، جلال، فاطمة… والقافلة طويلة جدا، وأخيرا وليس أخيرا، إنصاف.. والحبل مازال على الجرار، قاسمهم المشترك أنهم رحلوا عن هذا العالم بسبب لسعات العقارب السامة اللعينة بطريقة دراماتيكية. هذه الحشرة الصغيرة، التي أبت إلا أن تذكرنا كل مرة بأنه رغم كل الشعارات الكبرى والقوانين والدساتير والإصلاحات والاوراش المفتوحة، التي يبدو أنها لن تغلق أبدا، فإننا لم نتعدّ بعدُ القرون الوسطى، خصوصا في مجال الصحة. ففي تلك الحقبة الغابرة من الزمان، حيث لم يكن هناك وجود للدولة ولا لوزارة الصحة ولا لبرلمان ولا لحكومة، كان مفهوما أن يموت البشر بسبب لسعات العقارب، لكنْ ونحن في القرن الواحد والعشرين، وفي زمن العلم والتكنولوجيا ووصول البشر إلى القمر وزمن “التي جي في” والحكومة ووزارة الصحة والديمقراطية وحقوق الانسان والدساتير والمواثيق الدولية.. لم يعد مقبولا على الإطلاق أن يموت الانسان بهذه الكيفية المهينة، وخصوصا الأطفال وهم في عمر الزهور. والقاسم الشترك الثاني أن جل الضحايا هم من البوادي والقرى ومن أسر فقيرة ويتحدّرون من “المغرب غير النافع”.
إن هؤلاء مجرد أرقام في سجلات وزارة الصحة، يعدّون بالآلاف، بينما هم “شهداء” في قاموسنا الإنساني. أما أسرهم فتتذكر لحظاتهم الجميلة بأحاسيس ومشاعر جياشة، متحسّرةً بأحلامهم وطموحاتهم التي وُئدت في مهدها بسبب حشرات تافهة.
إن هؤلاء الأطفال، ومنهم فاطمة وإنصاف وغيرهما، عندما استسلموا للنوم في تلك الأمسية الهادئة وهم يتطلعون بكل فرح وأمل إلى فجر يوم جديد بكل أمانيه الجميلة وأحلامه الوردية، لم يدركون أن حشرة صغيرة قد قررت إنهاء مسيرة حياتهم القصيرة دون سابق إنذار، لأن العقرب كانت تعرف أن الأمصال المضادة لسمومها غير متوفرة في مستشفيات الوطن، وأنْ لا وجود لقاعات الإنعاش ولا لأطر طبية كافية، وتعرف أيضا أن الحق في الحياة مدون على الورق فقط. وأكثر من ذلك، تعرف أن هناك من هو مستعد للدفاع عن إجرامها بكل جرأة ووقاحة منقطعتَي النظير.
أما هؤلاء الأطفال فقد صدقوا كل تلك الشعارات والوعود بالحق في الصحة والكرامة والحق في الحياة وقصة “الهيلوكوبتر”. وأكثر من ذلك، أنهم يعيشون في “أجمل بلد في العالم” دون أن يعرفوا أن صاحب هذه العبارة الشهيرة كان في حالة سكر طافح، وأن العقرب كانت أدرى بحالنا منا جميعا وكانت متيقنة من أنْ لا أحد يستطيع إيقاف إجرامها البشع.
إن رحلة المعاناة مع لسعة العقرب الحقيرة طويلة وشاقة ومؤلمة، إذ يتعين على الشخص أن يقطع مئات الكيلومترات بحثا عن العلاج، تبدأ أولا بحجز تذكرة من مستشفى إلى آخر، ثم إلى ثالث فرابع، وصولا إلى دار الآخرة، حيث الراحة الأبدية من هذا العالم القاسي، لترقد روحهم البريئة بهدوء، بعد أن منحتهم العقرب فرصة أخيرة ليكتشفوا حقيقة “أجمل بلد في العالَم”، تاركين أسئلة محرجة تؤنّب كل ضمير حي في هذا الوطن: أين هي الدولة والحكومة ووزارة الصحة والبرلمان والمجتمع المدني؟! إلى متى سنستمر في تشييع جثامين أطفالنا؟ ومن يوقف أنهار من دموع الأمهات الثكالى!؟.
إن وزارة الصحة عندنا تشكك في كل شيء وتكذّب الكل، وتردد تلك الأسطوانة المشروخة، أنها أوقفت صنع تلك الأمصال لعدم فعاليتها ومضاعفاتها الخطيرة على الإنسان، دون تفسير علميّ دقيق، وأنها اتخذت تدابير وقائية، مع توفير غرف الإنعاش، عفوا غرف الموت.. ونحن نقول لهم إنكم فاشلون وكذابون، وسنكشف -آجلا أو عاجلا- حقيقتكم ونعرّي عوراتكم أمام الشعب المغربي قاطبة، والأيام بيننا!
° حقوقي