عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
يتأكد اليوم ونحن كلنا أمل في المستقبل توالي الإنخفاض الملموس لعدد الاصابات بمرض كوفيد 19، ويتأكد معها كل ما قلناه سابقا من كون الاستراتيجية المغربية التي يشرف عليها جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، وهي التي حظيت بتنويه دولي، بسبب إشراكها جميع مؤسسات ومكونات المجتمع المغربي، وبث تعبئة شاملة، قوامها روح عالية في التضامن والتآزر والتماسك، بفضل سن إجراءات صارمة لمحاربة الجائحة التي تشكل اليوم تحديا حقيقيا أمام العالم، وليس لنا لوحدنا، نظرا لتداعياتها الصحية والاقتصادية الكبيرة.
كشف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، اليوم في اجتماع للبرلمان بغرفتيه، أن الحكومة وضعت استراتيجية للتخفيف من الحجر الصحي في المستقبل، وذلك وفق مبادئ محددة وشروط واضحة تعمل على توفيرها بتدابير قطاعية وعامة مضبوطة. وقال، إن الاستعدادات للرفع التدريجي للحجر الصحي في المستقبل، بعد أن تقرر الحجر الصحي لثلاثة أسابيع إضافية، انطلقت بالفعل وبشروط وبائية ولوجيستيكية
الحكومة وضعت 4 شروط للرفع التدريجي من الحجر الصحي، وذلك بناء على تقارير أعدتها لجنة خاصة من الخبراء المكونة من فريق منسجم، مع التوصيات الدولية.
ووفقا لهذه الرؤية، فإن الشرط الأول، هو قدرة المنظومة الصحية على الانتقال إلى مرحلة تخفيف الحجر الصحي، وذلك عن طريق تخصيص طاقة استيعابية مؤهلة لاستقبال ارتفاع حالات الإصابة المحتملة والناتجة عن إجراءات الحجر الصحي، فجهود الدولة مستمرة لتخصيص مجموعة من المستشفيات ثلثها هو الآن مخصص لمرضى كوفيد- 19.
أما بخصوص الشرط الثاني، فهو تعزيز القدرة على إجراء الإختبارات للذين يعانون من الفيروس بطريقة سريعة، وتتبع مخالطيهم بطريقة فعالة، وذلك للتمكن من حصر الفيروس والحد من انتشاره في فترة رفع الحجر الصحي، وهو الرقم الذي يفترض أن يصل إلى 10 آلاف تحليلة، بعدما كان عدد الاختبارات في بداية ظهور الوباء، لا يتجاوز 1000 وبمركزين للاختبارات فقط، وبعد ذلك تم مد المستشفيات الجامعية بالمعدات للقيام بالإختبارات فأصبحت الاختبارات لمرضى فيروس كورونا تنجز في 13 مختبر تابع للصحة العمومية تستعمل تقنية الجزيئية وهو أكثر الاختبارات ضبطا، وأول أمس تم إجراء 6666 اختبارا، بالإضافة إلى الاختبارات تقوم بها 5 مستشفيات للقوات المسلحة، و3 أخرى تابعة القطاع الخاص، الأمر الذي مكن من إنجاز أكثر من 8000 اختبار.
وحسب الخطة التي اعتمدتها الدولة المغربية، خلال الأيام القادمة، فمن المحتمل في الأسبوع المقبل بإذن الله، أن يتم افتتاح 3 مختبرات أخرى عمومية، بكل من الراشيدية، والناظور، والداخلة، بالإضافة إلى مختبر متنقل تعده وزارة الصحة، والهدف هو 10 آلاف اختبار يوميا على الأقل ليرفع العدد بعدها عدد الاختبارات.
أما الشرط الثالث، لرفع الحجر الصحي، فهو القدرة على المراقبة الفعالة، وتتبع جميع الحالات المصابة، وأيضا المشكوك في إصابتها بفيروس كورونا المستجد، والتحكم في الوباء ومراقبة المخالطين، الأمر الذي استلزم إطلاق تطبيق “وقايتنا” من طرف وزارتي الداخلية والصحة، والذي سوف يدعم جهود الوقاية والحد من انتشار هذا الوباء الخطير.
أما الشرط الرابع، فحسب رؤية بلادنا التي عرضها السيد رئيس الحكومة، اليوم، فإنه يستلزم ضرورة التوفر على المخزون الكافي من المستلزمات الطبية ومواجهة الارتفاع المحتمل لحالات الإصابة في المستقبل من مختلف الأدوات، من بينها توفير 150 مليون كمامة لمواجهة أي طوارئ ممكنة.
وكما أكدنا على ذلك، في جملة من مقالاتنا ومقترحاتنا، فإن رفع الحجر الصحي يجب أن يتم وفق مبادئ، أولها التدرج وفق مراحل محددة سلفا، ومنظومة الاستشعار، والتعرف على الحالات، والبعد الترابي والتفاوت الكبير في الوضعية الوبائية، وهو الأمر الذي يفرض أن عملية رفع الحجر الصحي مستقبلا ستتم عبر المرونة وإمكانية التراجع عنها في حال ظهور بؤرة أو ارتفاع الحالات، مع استمرار التدابير الصارمة على رأسها التباعد الاجتماعي والالتزام بالنظافة والالتزام بارتداء الكمامات في الفضاء العامة، ورهن استئناف أي نشاط اقتصادي أو اجتماعي بالتدابير التي يحددها كل قطاع وزاري.
إن حديث رئيس الحكومة، وإن لم يحمل لنا جديدا في الكشف عن تصور واضح، فإنه في المقابل من ذلك، يؤكد على الحاجة في استمرار التضامن والتلاحم الوطني الذي ميز مجتمعنا المتعاضد في هذه المراحل الأخيرة، ليتأكد لنا هذه المعركة ضد الجائحة، سوف تتطلب النفس الطويل، والاستمرار متحلين بمبادىء التماسك والتفاؤل بأن القادم كله خير، بعد أن نجحنا في ملحمة التضامن الذي دشنا الملك محمد السادس حفظه، بإحداثه صندوق كوفيد لجمع التبرعات.
وللحفاظ على قوة التلاحم والتعاون، فإنه يتعين إسناد وحدة الصف وتقوية الثقة في المؤسسات، والترفع عن الحسابات الضيقة، وتفادي كل ما من شأنه أن يفت في عضد الوطن في هذه الظرفية الصعبة، إسناد وحدة الصف وتقوية الثقة أولا، وهذا الأمر لن ننجح فيه إلا إذا تحرر رئيس حكومتنا، من الخوف ومن صنع لأزمة العالم لا يملك تصورا لمواجهة ما يجري، فهذا أمر مجانب للصواب.
إنه وفقا لطبيعة هذا الفيروس، الذي لم تصل بعد الإنسانية إلى كشف أغلب أسراره، وايجاد لقاح له، ووجب علينا التكيف مع هذا الوضع، وجعل جميع إمكانيات الدولة، رهن إشارة جهود التعبئة، مع إبقاء الترقب والحذر. مما يتعين معه الاستمرار في تطوير قدراتنا البشرية والصحية، للتكيف مع الوضع، ومعه الالتزام الصارم بقواعد النظافة والتباعد الاجتماعي وباقي الإجراءات الاحترازية الفردية والجماعية، التي تعتبر جدار منيعا للصد الأساسي للفيروس في غياب لقاح أو علاج له، ولو أدى ذلك إلى إدخال تغييرات في عدد من عاداتنا الاجتماعية.
خطاب السيد رئيس الحكومة، اليوم، الذي كان طويلا، لم يحمل إجابات مقنعة، على قضايا عالقة والتي تستدعي تدخلا عاجلا، كحل أزمة من أزيد من 27 ألف من المغاربةالعالقين بالخارج، الذين سقطوا سهوا من خطابه لا تعلم لماذا!!، فخطابه الطويل، لم يتضمن سوى معلومة وحيدة هي أن حالة الطوارئ والحجر الصحي سيتم تمديدها لثلاثة أسابيع إضافية، أما التصور والسيناريوهات الذي انتقدناه من أجلها بعد مروره في لقاء تلفزي مباشر قبل أسبوع، فلم نسمع عنها شيئا، مع العلم أنه كان عليه أن يخصص لها الحيز الأكبر، ويكون مثوله اليوم طبقا لاختصاصات الدستور، مناسبة للكشف عن تفاصيلها، طمأنة للرأي العام الوطني، مكتفيا بالابتعاد عن الحقيقة التي باتت تتطلب من المسؤولين جرأة أكبر قبل أي وقت مضى، فزمن كورونا وبعده ليس كما قبله، بأي حال من الأحوال، وهو ما يقتضي مزيدا من تحمل المسؤولية، القدرة على القيادة، وتسيير دواليب البلاد، وفق سياسة استقباقية، لا مجال فيها لتضييع مزيد من الوقت.
لقد بدا السيد رئيس الحكومة ومنذ بداية خطابه المطول، مدافعا شرسا على فكرة أن العالم لا يتوفر على خطة محسومة، لمواجهة المرض، لينقض ما بدأ به حديثه، من نجاح الخطة المغربية، ويطيل في الانتظارات، من خلال تكرار لازمة غريبة، من كون العالم كله ليست له معطيات يقينية سواء حول الفيروس أو فتح الاقتصاد وآثار الجائحة على الاقتصادات الوطنية وعلى الإقتصاد العالمي، وهو أمر غير صحيح، يتطلب من السيد العثماني، رفقة فريق عمله، إن وجد، أن يخرج فكره وطريقة تدبيره، ولا يرهن مستقبل البلاد والعباد، فالعالم اليوم بدأ يتحرك رغما عنه، ويواجه كل الاحتمالات الممكنة لتداعيات هذه الجائحة، متسحلا بالعزبمة والإصرار، والطموح، والتفكير الخلاق والمبدع، بعيدا عن لغة كلها خوف من اتخاذ قرار أو تنفيذ خطة وتصور، رغم أن السيد العثماني، طلع علينا وهو يفتخر بأنه طبيب وشارك في عز الأزمات، ونقول له اليوم إنك طبيب نفسي، تفهم معنى عودة الاستقرار والتوازن للنفس البشرية، لكن على ما يبدو خطابك المصر على الخوف من المستقبل، لن يدعك تنجح في إنقاذ سفينة البلاد بسلام، لأن أي قرار حكومي كيفما كان يحتاج إلى الشجاعة السياسية، وإلى مسؤول قوي.
إننا مع إعلان حجر صحي ثالث، ومع ما له من تكلفة اقتصادية، تحملها بلادنا، حفاظا على سلامة شعبنا كما قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منذ الوهلة الأولى، إننا بحاجة كدولة، أن تحسم حكومتنا اليوم مع كل الغموض وتقول لنا كيف سيكون الوضع بعد الحجر!!؟، حتى ننجح في تدبير المرحلة القادمة، بنجاح، وتعود الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها، ونقضي على انتشار هذا الوباء أو الحد منه.
في اعتقادنا، فإن بزوغ شمس الأمل والخروج من الصورة الضبابية، يحتاج الى كثير من الانوار والإضاءات، ولا يحتاج منا إلى التردد أو الخوف، صحيح أن الوباء فتاك، لكن مواجهته متسلحين بالقوة والفكر السديد، يبقى من اهم القرارات، التي تدبر بها المرحلة، تحديات المرحلة، والتي لن ننجح فيها إلا متسلحين بخطاب الأمل والتفاؤل، والروح المهاراتية للقيادة، التي اجملها الكشف عن تصورات عملية، وخطة إنقاذ ملموسة، فمزيدا من الصبر والالتزام بالاحتياطات الصحية، لكن نقول لحكومتنا مزيدا من القرارات الشجاعة والقوية، التي تنطلق من معطيات الفكر الاستشرافي والاستراتيجي، التي تؤكد أن لا خيار لنا إلا العزيمة والإصرار على النجاح مهما واجهتنا المصاعب.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية