24 ساعة – متابعة
شهدت سفوح جبال هيمالايا الحدودية بين الصين والهند، مناوشات جديدة لحرس حدود، في الأسبوع الأول من مايو الماضي، على خلفية اعتراض الجيش الصيني على دورية للقوات الهندية في منطقة “لاداخ” الحدودية.
هذه الشرارة لم تكن الأولى بين عملاقي قارة آسيا على مر التاريخ، إلا أنها استدعت انتباه العالم، إثر التطورات التي أعقبتها، بمقتل 20 جنديا هنديا في 15 يونيو.
المخاوف العالمية من نشوب حرب شاملة بين البلدين، لم تبقَ أسيرة توقعات المحللين الاستراتيجيين، لا سيما بعد إعلان وكالة أنباء آسيا الدولية “ANI” الهندية، إيقاع 43 جنديا صينيا بين قتيل وجريح.
ينصب الاهتمام العالمي عل النزاع الحدودي بين الصين والهند لكونهما جارتين نوويتين، وتضمان أكبر خزانين بشريين على وجه المعمورة، وكونهما من أكبر اقتصادات العالم.
جذور الخلاف
بحسب دويغو تشاغلا بيرم، الباحثة الاستراتيجية في مركز دراسات جامعة البحر الأسود التقنية، تعود جذور الخلاف بين بكين ونيودلهي إلى نزاعات حدودية، سببها غياب تعريف مشترك حول مفهوم “خط السيطرة الفعلي” الذي يرسم حدود البلدين.
وتوضح بيرم في حديثها للأناضول، أن “خط السيطرة الفعلي بين البلدين يمتد على طول 4 آلاف و57 كيلومترا، وأن الهند تعتبره 3 آلاف و488 كيلومترا، فيما تراه الصين ألفي كيلومتر”.
وتلفت إلى أن هذا الخط الحدودي تم ترسيمه وتحديده عام 1959 من قبل الصين، وجرى فرضه على الهند.
وتتابع أن “الهند اعترفت بهذا الخط بعد مفاوضات تمت بين نيودلهي وبكين عام 1993، إثر اندلاع حرب بينهما في 1962”.
وتشير أن الغموض ما زال يلف ما يسمى الحد الفاصل بين البلدين، وأن الوضع الراهن أكسب الصين المرونة والمماطلة من الناحية السياسية.
الصين وسياسة النفس الطويل
تقول بيرم إن الصين، “تلكأت في تحديد مفهوم خط السيطرة الفعلي، وذلك بالتوازي مع اتباعها سياسة الحفاظ على الوضع الراهن، والمماطلة، مستفيدة عبر العقود الماضية من ميل ميزان القوة لمصلحتها”.
وتستدرك بأن “الوضع اليوم ليس كما هو بالأمس، من ناحية ميزان القوى المتكافئ بين البلدين، بعد تعزيز الهند أعمال البنية التحتية وتطويرها على الحدود مع الصين، ومراجعة شاملة لخطها السياسي، بإقامة تحالفات إقليمية ودولية جديدة”.
وتضيف أن “الصين اليوم باتت تدرك أن الوضع لم يكن كما هو عليه عام 1962، حينا كانت صاحبة الكلمة العليا على الحدود”.
استعراض قوة وليست طبول حرب
وتستبعد بيرم، أن تكون التطورات الحدودية الأخيرة، “قرعا لطبول الحرب”، بل تعتبرها بمثابة استعراض للقوة.
وتلفت إلى أن الصين سرّعت من وتيرة مطالباتها بالأراضي الحدودية لأنها ترى نفسها الطرف الأقوى في نزاعها مع الهند، بالوقت الراهن.
وترجع الموقف العدائي للصين في المناطق الحدودية، إلى أنها باتت تلحظ بشكل واضح تنامي البنية التحتية الاستراتيجية للهند، والأهمية الاستراتيجية لمنطقة “لاداخ” الحدودية.
وتقول بيرم، “لا شك أن مشروعات البنية التحتية المتطورة التي تقيمها الصين والهند، تؤجّج التوتر في المناطق الرمادية”.
وفي حال نشوب حرب بين البلدين، تشير بيرم إلى أن “قدرات الهند على حمل الجنود والقوى البشرية والإمدادات اللازمة إلى المنطقة تتطور بشكل ملحوظ”.
وتتوقع أن “تشهد مناطق حدودية أخرى بين البلدين، تطورات كالتي حصلت في لاداخ، وخاصة المناطق الواقعة شرقها، ووادي جالوان وبحيرة بانجونج”.
وتوضح بيرم، أن “الهند غيرت من وضع جامو كشمير في أغسطس/ آب الماضي، بإلغاء الحكم الذاتي في الجزء الذي تسيطر عليه من منطقة كشمير الحدودية، مشيرة إلى أنه من بين نتائج هذا التغيير، تشكل إقليم لاداخ الاتحادي”.
وتبيّن أن “هذا التغيير سيفتح الباب أمام الهند للمطالبة بمنطقتين تتبعان للإقليم هما منطقة، آكساي تسين الخاضعة لسيطرة الصين وغلغت بالتستان، تحت السيطرة الباكستانية”.
خيار الحرب
وتشير بيرم إلى أن “جمهورية نيبال أعربت عن انزعاجها من أنشطة الهند في تعزيز بنيتها التحتية على حدودها الشمالية”.
وتضيف أن “المناوشات التي حدثت بين نيبال والهند بالتزامن مع اشتباكات الأخيرة مع الصين، دفعت نيودلهي إلى الادعاء بأن بكين هي من حرضت نيبال على ذلك”.
وتعتبر بيرم، أن “الهند والصين ستخسران الكثير في أي صراع عسكري محتمل قد يحدث بينهما على نطاق واسع”.
وتتوقع بالقول: “ما يحدث الآن سيستمر في حلقة مفرغة دون نهاية”.
وتشير إلى أزمة “دوكلام” (هضبة ضيقة متنازع عليها، تقع في نقطة تلاقي بوتان والصين والهند) التي حدثت في 2017 واستمرت 73 يوما، دون إحداث تقدم ملحوظ في النزاع.
وتلفت بيرم، إلى أن النزاعات الحدودية بين نيودلهي والصين حافظت على وضعها ولم تتغير منذ نشوئها.
وتقول “عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الهندية الصينية، يتبادر إلى الذهن المشكلات والصراعات الحدودية الأولى التي لا يمكن الفرار أو المناص منها”، معتبرة أن “هذه المشكلة مزمنة وستستمر وتتجدد من وقت لآخر”.
وتخلص بيرم إلى أن الحرب يبقى الخيار الأخير لكلا البلدين، وأنهما لا يرغبان في العودة مرة أخرى إلى حرب عام 1962 التي استغرقت 31 يوما، لما تترتب عليه من نتائج كارثية في وقتنا الراهن.