عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
لم يمر على الموقف البطولي المتميز، الذي سجله جلالة الملك محمد السادس، بمداد من الفخر والاعتزاز في تاريخ افريقيا، كموقف إنساني وتاريخي من المملكة المغربية، تجاه القارة الافريقية، وهو يقترح إطلاق مبادرة بين رؤساء الدول الإفريقية، تروم إرساء إطار عملياتي بهدف مواكبة هذه البلدان في مختلف مراحل تدبيرها لجائحة كورونا، لتقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لوباء كوفيد 19، حتى سارع جلالته قبل أيام قليلة، وأصدر تعليمات بإرسال مساعدات طبية إلى عدة دول إفريقية، من أجل دعم تدابيرها الرامية إلى النجاح في التصدي لجائحة كورونا، ومواكبتها في ما تقوم به من جهود ضد “كوفيد-19″.
إن هذا الدور الجديد، هو قرار حكيم يضطلع به المغرب، كصوت للوحدة والتضامن والسلام داخل قارة إفريقية في حاجة، كما قال جلالته خلال واحدة من جولاته الإفريقية العديدة السابقة، إلى تحمل المسؤولية السياسية بالنظر لدور المغرب الهام في القارة السمراء، على اعتبار أن عودة المملكة إلى أسرتها الإفريقية تكرس الصورة الحقيقية والجوهرية للمغرب كقوة للتغيير وكبلد يحدوه التزام ثابت لفائدة تنمية وازدهار إفريقيا، وهو المكان الذي يحبه جلالته كما عبر عن ذلك في الخطاب الذي ألقاه خلال قمة العودة الكبرى.
إن شحنات المساعدات التي أمر بها جلالة الملك همت 15 دولة في القارة السمراء، منها موريتانيا والسنغال وجزر القمر والنيجر وتشاد، وبوركينافاسو والكامرون والكونغو وإسواتيني، وغينيا وملاوي والكونغو الديمقراطية، وغينيا بيساو وتنزانيا وزامبيا.
خطوة ملكية سامية، بنفس جيو استراتيجي واستشرافي، تسعى إلى تمتين روح التعاون والتضامن والأخوة بالدرجة الأولى مع بلدان القارة، لأن جلالته يعتبر أن” المغرب هو إفريقيا وإفريقيا هي المغرب”، فهي دعوة ملكية تحمل أكثر من دلالة وترسخ لديبلوماسية جديدة لما بعد كورونا، لأن تحدياتها الاقتصادية والاجتماعية تفرض على الجميع تكريس أخلاق ديبلوماسية تقوي من متانة العلاقات الجيوسياسية، تعتمد بالأساس على الاعتماد المتبادل للمصالح، في إطار تضامني عالمي جديد، والتركيز على المشترك للتغلب عن الأزمات في القارة السمراء.
هذه المبادرة لاقت ردود فعل إيجابية، تلقتها هذه الدول بفرح كبير، لأنها برأي هذه الدول الإفريقية الشقيقة، تجسد أكثر التضامن الإفريقي وتعزز التعاون المتميز بينها وبين المملكة المغربية والذي من أهم مرتكزاته تقاسم نموذج مشترك في التضامن الحقيقي والسلم العالمي والعيش الافريقي المشترك والتطور نحو مصير مشترك”.
حسب جل المتتبعين، للخطوة الملكية الاستشرافية، فإن ما قام به المغرب في هذه الفترة الصعبة من تاريخ البشرية، سيجني ثماره مستقبلا، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي وهي أهداف تروم فتح أسواق جديدة وخلق اتفاقات جديدة للتبادل الحر وخلق فرص للاستثمار وتعزيز النظرة الملكية الإستراتيجية العمق الافريقي، على الرغم من كل محاولات الخصوم المتربصين بمصالح وطننا العزيز، وهم يحاولون فاشلين الحد من إشعاعه التضامني المبني على أسس ديبلوماسية متينة، وتعميق روابط تاريخية مع القارة الإفريقية، وهو الأمر الذي سيُشكل براي المهتمين، فرصة لفتح جسور شراكات لاحقة مع بلدان القارة، وهو ما سيترجمه إلى مكاسب جيواستراتيجية لاحقاً، لا سيما أن هذه الإمدادات الطبية مسألة بالغة الأهمية في قارة تعد الحلقة الأضعف في مواجهة كورونا.
إن هذا التحرك الديبلوماسي المغربي نحو عمقه الافريقي، تؤطره نظرة ملكية ثاقبة، منذ شرع جلالته في القيام قبل أربعة سنوات، بزيارات مكوكية إلى العديد من الدول الإفريقية الشقيقية، أكد على إثرها جلالته على اعتزاز بلادنا بالانتماء لقارة أفريقيا، معتبرا أنهما كيان واحد، وقال إن كل زيارة لأحد البلدان الأفريقية تشكل مناسبة لتوطيد الأواصر وتعلمه “الغنى الحقيقي، ألا وهو غنى القلب”.
وقال جلالته أيضا، إن المغرب يسعى إلى نموذج للتعاون في القارة يرقى إلى الشراكة وتعزيز التعاون والتفاهم، مؤكدا على مقولة سابقة له “أفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في أفريقيا”، ومشددا على أنه في إطار تعاون خالٍ من العقد يمكن لجميع أبناء القارة المساهمة في بناء المستقبل”.
فحسب الرؤية الملكية، فإن توجه المغرب نحو أفريقيا يشكل “منعطفا دبلوماسيا هاما في السياسة الخارجية المغربية، وثمرة تفكير عميق وبعيد المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق، لأن عودة الرباط إلى مؤسسة القارة الأفريقية لن يغير من مواقفها، ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية، فهذا التوجه نحو أفريقيا تحكمه رؤية إستراتيجية ترتكز على معرفة دقيقة بالواقع الأفريقي، التي تطلبت من جلالته أكثر من 50 زيارة لأكثر من 29 دولة منها 14 دولة منذ أكتوبر 2016.
فعودة بلادنا إلى الاتحاد الأفريقي حسب الرؤية الملكية السامية، ليست غاية في حد ذاتها، فجلالته يؤكد أن ما يهمنا هو تقدم القارة وخدمة المواطن الأفريقي.
وقال حينها إن الرجوع إلى المنظمة ليس إلا بداية لمرحلة جديدة من العمل مع جميع الدول، من أجل تحقيق شراكة تضامنية حقيقية والنهوض الجماعي بتنمية قارتنا والاستجابة لحاجيات المواطن الأفريقي.
وردا على كل المنتقدين الحاقدين، فإن جلالة الملك، يحسم كل الادعاءات المغرضة، لمن يقولون إن المغرب يصرف أموالا باهظة على أفريقيا بدل صرفها على المغاربة، ليعتبر أن هؤلاء لا يريدون مصلحة البلاد، لأن المغرب لم ينهج يوما سياسة تقديم الأموال، وإنما اختار وضع خبرته وتجربته رهن إشارة إخواننا الأفارقة، لأننا نؤمن بأن المال لا يدوم، وأن المعرفة باقية لا تزول، وهي التي تنفع الشعوب.
فوفقا لهذه الرؤية الملكية السديدة، فإننا نتطلع لكي يلعب المغرب دورا رائدا في تعزيز موقعه الجيواستراتيجي، الذي يمنحه موقعا متقدما، يفرض عليه المزيد من التضامن الافريقي، ايمانا منه بالمصير المشترك لأبناء القارة الافريقية، وهم يواجهون كباقي دول العالم تداعيات ليست بالهينة، وتحتاج لمزيد من الخطط المستقبلية من أجل دعم ديبلوماسية جديدة، تركز على بناء المشترك الانساني، في ظل التحولات الجارية للنظام العالمي بعد جائحة كورونا الأليمة والصعبة.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية