نشر بشراكة مع DW العربية
تعيش الجاليات المغاربية في أوروبا، خصوصاً المغربية والجزائرية والتونسية، ترقباً كبيراً فيما يتعلّق بالعطلة الصيفية، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي عن قائمة بـ15 دولة يحقّ للقادمين منها دخول بلدان الاتحاد، وتوجد في هذه القائمة المغرب والجزائر وتونس، رغم أن البلد الأوّل لم يعلن لحدّ الآن عن موقفه من فتح الأجواء الدولية، بينما كان الثاني صريحًا وأعلن أن الحدود لا تزال مغلقة، في وقت اتخذت فيه تونس خطوة متقدمة بفتح الحدود منذ 27 يونيو الجاري.
وتعدّ العطلة الصيفية في دول الأصل، من أشهر العادات التي دأبت عليها الجاليات المغاربية، فالمغرب مثلاً استقبل في صيف 2019 حوالي ثلاثة ملايين مغربي مقيمين خارج البلاد، فيما زار تونس خلال عام 2019 حوالي مليون ونصف مليون تونسي مقيمين بالخارج، بينما يقترب عدد الجزائريين في فرنسا لوحدها من رقم 6 ملايين، جزء منهم يقضون العطلة الصيفية في الجزائر بشكل دائم. غير أنه رغم كل الحجم الكبير للجاليات في الخارج، ورغم وجود أسماء الدول في القائمة الأوروبية لفتح الحدود، إلّا أن كل دولة مغاربية أخذت طريقها الخاص.
ترّقب مغربي
لم تنتظر شركات الرحلات الدولية قرار الرباط حتى تبدأ بيع الرحلات في اتجاه المغرب، فشركة “ريان إير” لرحلات الطيران الرخيصة تتيح لزبائنها شراء رحلات إلى المغرب ابتداءً من 10 يوليو وهو التاريخ الذي تنتهي فيه حالة الطوارئ الصحية في المغرب. هذا الوضع دفع بعض المغاربة إلى شراء رحلات بشكل مسبق، خاصة أن الأسعار مرّشحة للارتفاع حال تأكيد المغرب فتح أجوائه الدولية.
غير أن هناك مغاربة يتخوّفون من السفر للمغرب. أمينة، مقيمة في بلجيكا، تقول لـDW عربية إنها تتمنى زيارة عائلتها، ولكنها في الوقت نفسه تتخوّف من إعادة غلق الحدود بعد فتحها في حالة ارتفاع معدل الإصابات بكوررونا، ما يجعلها عالقة في المغرب. كما تتخوّف أمينة من احتمال تنفيذ أخبار غير مؤكدة حول إلزام القادمين من أوروبا بالبقاء في الحجر الصحي لأسبوعين، وهو احتمال سيجعلها تقضي عطلتها في فنادق الحجر الصحي الإلزامي، لذلك تفكّر أمينة في تحويل خططها للسفر إلى إسبانيا بدل المغرب.
ويظهر أن المغرب من أكثر البلدان عبر العالم التي طبقت إغلاق الحدود بشكل صارم، فمنذ إعلانه حالة الطوارئ الصحية شهر مارس وحدوده مغلقة بشكل شبه كامل،حتى بالنسبة لحوالي 20 ألف مغربي عالقين خارج المملكة، عدد منهم عانوا ظروفًا جد صعبة ولم تنجح مناشداتهم للدولة إلّا في شهر يونيو الذي شهد تنظيم رحلات لإعادتهم.
غير أن المملكة بدأت إجراءات واسعة لتخفيف الحجر الصحي منذ مدة، وسمحت لجلّ المناطق بحرية التنقل المحلّي وباستئناف غالبية الأنشطة الاقتصادية ومنها قطاع السياحة الداخلية. وتشكل السياحة حوالي 7 بالمئة من الناتج الداخلي الخام في البلد الذي استقبل عام 2019 قرابة 13 مليون سائح (بينهم مغاربة الخارج)، ما قد يشكّل عاملًا يدفع المغرب إلى محاولة إنقاذ جزئية للسياحة في فصل الصيف، وبالتالي فتح حدوده الجوية، خاصة مع تراجع انتشار كورونا.
جرأة تونسية
فتحت تونس السياحة الدولية بعد إعلانها السيطرة على الوباء، وهي أول دولة عربية تتخذ هذا الإجراء، ولم تسجل تونس إجمالاً سوى 1174 إصابة، شُفيت أكثر من 80 في المئة منها، برقم وفيات جد ضعيف لم يتجاوز 50 حالة.
وقسمت تونس دول العالم إلى ثلاثة أقسام: مجموعة أولى تضّم الدول التي انتشر فيها الوباء بشكل ضعيف، ومنها ألمانيا والنرويج وإيطاليا والنمسا، لا يخضع القادمون منها لأيّ إجراءات خاصة. وهناك مجموعة ثانية يحتاج فيها المسافر إلى تقديم تحليل مخبري حديث للكشف عن كورونا، ويُلزم فيها التونسي المتوفر على محلّ إقامة بتونس بحجر ذاتي لأسبوعين، وهناك مجموعة ثالثة يقتصر فيها فتح الحدود على الوافدين التونسيين شريطة تقديم التحليل المخبري والالتزام بحجر صحي إجباري (في مؤسسات معينة).
“الإجراءات تبقى مقبولة، وأعتقد أن وضع ألمانيا وإيطاليا في المجموعة الأولى أملاه الوجود الكبير للجالية التونسية فيهما، فهناك حاجيات اقتصادية لتونس، وهي بحاجة لعودة السياح التونسيين لما يمثله ذلك من توفير للعملة الصعبة” يقول محمد العثماني، ناشط بالمجتمع المدني التونسي بألمانيا لـDW عربية، مستدركًا القول إن تونس استحضرت كذلك الوضع الوبائي في أوروبا، لذلك وضعت فرنسا في المجموعة الثانية.
ويتابع العثماني أن السفر إلى تونس بدأ متعثرًا، خاصة من طرف الناقلات الألمانية على سبيل المثال التي ارتأت أخذ آراء أطراف على حساب السلطات الرسمية التونسية، لكن عمومًا، خلّف فتح الحدود ارتياحا كبيرا وسط الجالية. ويضيف: “نرغب بالسفر إلى تونس للقاء عائلاتنا ولدعم اقتصاد بلدنا، لكن من ناحية أخرى لا نريد الضرر لأبناء بلدنا، لذلك من واجبنا الالتزام بالإجراءات الوقائية ومن ذلك الحجر الصحي الاختياري”.
غير أن القرار التونسي بتقسيم بلدان السياح إلى ثلاث مناطق خلّف جدلًا واسعًا، فهولندا مثلًا وُضعت في المجموعة الثالثة “السوداء”، وهو ما رفضته الجالية التونسية بهولندا، إذ إن “عائلة متكونة من خمسة أفراد ستكون ملزمة بدفع 179 يورو كلفة التحليل لكل شخص، أي حوالي 895 يورو للعائلة بأكملها” حسب ما جاء في بيان لفيدرالية الجمعيات التونسية بهولندا، متابعةً أن “على العائلة الإقامة في الحجر الإجباري لمدة أسبوع في نزل قد تصل تكلفة الإقامة فيه إلى 3500 دينار تونسي (حوالي 1100 يورو)”.
رفض جزائري
وفي الجزائر، أكثر البلدان المغاربية تضرّرا من فيروس كورونا، بعدد وفيات يزيد عن 900 حالة، فالقرار كان واضحًا بعدم فتح الحدود دون إعطاء أيّ موعد قريب، خاصة أن البلاد سجلت مستويات مرتفعة من الإصابات في الأيام الماضية، ولم يتم تسجيل أيّ تقدم بهذا الصدد، فحتى الحدود مع تونس، حيث يمضي الكثير من الجزائريين عطلتهم الصيفية، لا تزال مغلقة، ولم يعلن بعد عن تاريخ لفتحها.
وخففت الجزائر من قيود كورونا على الحياة العامة بدءًا من شهر يونيو وسمحت باستئناف 70 في المئة من أنشطتها الاقتصادية، إلّا أن الجزائر لم تتخذ خطوات تخفيفية كبيرة كما جرى مع جيرانها، ومن ذلك عدم فتح الشواطئ. وشأن المغاربة، يمكن للجزائريين في أوروبا شراء تذاكر سفر للسفر في الأيام القادمة، إلّا أن الإشارات الإيجابية حول فتح الحدود قليلة جدا، ما يحتّم عليهم إلغاء الحجوزات أو التشبث بخيط أمل، في حال ما تراجعت الإصابات بكورونا في البلاد.