نجيب الأضادي
منذ سقوط جدار برلين و هيمنة آليات اقتصاد السوق الليبرالي عبر العالم، بدأت العلاقات بين الدول و التكتلات الكبرى في اللعب على المكشوف و استغلال كل الامكانات العلمية و البشرية، و الوسائل التكنولوجية المتاحة من أجل ضمان مكان آمن وسط زحام العولمة و الانفلات من شرور التنافس الحاد و تداعيات الحروب الاقتصادية و المالية، التي أصبح عالم اليوم مسرحا لها.
وفي سياق ارادة التموقع والتأقلم مع المعطيات الجديدة و الصادمة التي يفرزها زمن العولمة يوميا من أزمات مالية و خراب اجتماعي، ظهرت مفاهيم و نظريات و تدابير جديدة تتوخى الحد من النتائج السلبية و الآثار الجانبية لمختلف التجاذبات و السباقات المحمومة بين الدول في سبيل البحث عن الموارد الاولية و الأسواق و الأرباح، حتى و لو تطلب ذلك نهج اسلوب الإخضاع و الابتزاز و الضغوطات المتنوعة، خاصة اتجاه دول الجنوب التواقة إلى تحقيق نمو اقتصادي سيادي ومستقل نسبيا عن الميتروبول في الغرب. و من جملة هذه المفاهيم الجديدة نجد مفهوم الأمن الإقتصادي، الذي أصبح شرطا ملازما لكل السياسات الاقتصادية و التعاملات المالية، سواء الوطنية أو العابرة للحدود. و هذا معناه أن جميع الدول اليوم باتت تولي أهمية قصوى لحماية انظمتها الاقتصادية و استثماراتها وأسواقها و حتى شركائها من جميع محاولات التخريب و التدميرو التنافس الغير مشروع.
و المغرب ليس في منآى عن مثل هذه النزاعات و التحرشات و الحروب التي تخاض ضد مصالحه الاقتصادية من طرف اكثر من جهة. و نحن نلاحظ أنه كلما حقق المغرب بعض النجاحات الاقتصادية والتنموية، سواء الداخلية أو في علاقاته الإفريقية أو الأوروبية أو غيرهما، إلا و تتحرك الأطراف المنافسة أو اللوبيات المعادية و الضاغطة لإفشال جميع الصفقات الاستثمارية أو الاتفاقيات التجارية. و لنا في ذلك مثال النزاع القضائي الأوروبي حول الاتفاقيات الفلاحية و الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، أو مثال قرصنة جنوب إفريقيا للباخرة المحملة بشحنة الفوسفاط أو محاولات عرقلة انضمام المغرب للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (سيدياو )…إلخ.
لذلك، و أمام مختلف المخاطر التي تتهدد اقتصاد المغرب و علاقاته التجارية الدولية، و من اجل تحصين وحماية طموحه المشروع في احتلال مكانة بين الاقتصاديات الصاعدة في العالم، فإنه لا مفر له من حماية أمنه الإقتصادي من الاختراق و التخريب، و ذلك عبر:
-اعتماد سياسات استباقية رادعة مبنية على عنصر المفاجئة في امتلاك المعلومة الاقتصادية و المالية، و النفاذ إلى مصادرها الأساسية.
– حماية الاستثمارات المغربية في الخارج و خاصة في إفريقيا، من مخاطر التنافس الغير المشروع و من الفساد و مختلف أشكال التلاعبات.
– اعتماد شرط الخبرة الاقتصادية و الاستشارة المالية في العمل الديبلوماسي في تعيين ملحقين متخصصين في السفارات و والقنصليات بالخارج.
-اعادة هيكلة المصالح الإدارية بسفارات المملكة بالخارج في اتجاه التركيز على جلب الاستثمارات و استقطاب رؤوس اموال جديدة لضخها في الاقتصاد الوطني.
– اعتماد الذكاء الاقتصادي في التعامل مع الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج باعتبارهم قوة اقتصادية وطنية حقيقية.
إن الدول التي تشق طريقها نحو النجاح التنموي، لا تكف عن اتخاذ جميع الاحتياطات لحماية أمنها الاقتصادي و مصالحها عبر العالم. و لا يكفي لذلك أن يتم التعبير عن حسن النوايا، لأن الذكاء الديبلوماسي نفسه أعيد تعريفه ليصبح مشروطا بالذكاء الاقتصادي بالدرجة الأولى.
نجيب الأضادي: باحث ومدون