سعيد الكحل
منظمة العفو الدولية التي حظيت باحترام دولي واسع لأهمية دفاعها عن حقوق الإنسان منذ تأسيسها سنة 1961، باتت تزيغ عن أهدافها السامية لفائدة أجندات سياسية يضعها لوبيات التمويل أو العملاء لقوى أجنبية. ذلك أن تعرض المنظمة للاختراق ليس وليد اللحظة، بل رافقها منذ تأسيسها وكان سبب استقالة مؤسسها بيتر بيننسون من منصبه، سنة 1967، حيث أثبت تحقيق مستقل اختراقها من طرف عملاء بريطانيين وبدعم من وكالة الاستخبارات المركزية.
ولعل التقارير الأخيرة التي أصدرتها المنظمة ضد المغرب تقوي فرضية تحولها إلى أداة لخدمة أجندات أجنبية تستهدف أمن المغرب واستقراره.
وفي هذا السياق يمكن إدراج مثالين ليسا جزءا من الدولة ولا ناطقين باسمها، للوقوف على انخراط المنظمة في الحرب الدبلوماسية والسياسية ضد المغرب.
1ــ الحوار الذي أجراه موقع “Atlasinfo.fr“ مع الأخصائي الفرنسي في “الذكاء الاقتصادي” (Christian Harbulot) بتاريخ 17 يوليوز 2020، والذي سلط فيه الضوء على انحرافات أمنيستي وتحولها إلى أداة لإضعاف المغرب خدمة لأجندات أجنبية لا تريد الاستقرار لهذا البلد بحكم خصوصياته التاريخية والدينية والأدوار التي يلعبها إقليميا ودوليا.
ومن المستغلين والمتحكمين الرئيسيين بمنظمة العفو الدولية، حسب (Christian Harbulot)، الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي “بات يتبنى برنامجا سياسيا يقوم بالأساس على نموذج مجتمعي حيث يمكن له الدفاع عن الأقليات أو سياسة الهجرة أو الحركات الاجتماعية مثل “الربيع العربي” وكلها وسائل لبلوغ الغاية وهي تدمير المجتمعات التقليدية”.
إن إستراتيجية التفكيك والتدمير هذه تقوم على إحداث الانقسامات والتصدعات داخل المجتمعات المستهدفة بما فيها المغرب. لهذا يؤكد (Christian Harbulot) على أن “هدف أمنيستي هو إضعاف المغرب من الداخل”.
فالمغرب مستهدف من أمنيستي ومن دول أخرى لأنه “قوة اقتصادية وسياسية جهوية مؤثرة في القارة الأفريقية.. يخلق مشكلا أساسيا للدول المنافسة”، و”كلما زادت قوة بلد زادت مساعي إضعافه بغرض الهيمنة عليه”، ويبقى إحداث شروخ داخل المجتمع أهم عوامل الإضعاف.
وفي هذا الإطار، تدخل تقارير أمنيستي ضد المغرب في السنوات الأخيرة. من هنا حذّر (Christian Harbulot) عموم المغاربة والمسؤولين من خطط التفكيك التي تنهجها المنظمة؛ فاليوم حقوق الإنسان وحماية الصحافيين وغدا الدفاع عن حقوق المثليين. وبهذا تحدث شرخا عميقا في المجتمع لأنها تعرف مسبقا ردة الفعل العنيفة للقوى المحافظة، من جهة، ومن أخرى تصب الماء في طاحونة التنظيمات المتطرفة.
2 ــ تدوينة الأستاذ لحبيب حاجي، المحامي والناشط الحقوقي، بعنوان “امنستي وصناعة الموقف الحقوقي (قضية ضحايا بوعشرين نموذجا)، وهي شهادة مناضل حقوقي مشهود له بمواقفه الجريئة ومحامي عاش أطوار المحاكمات المتعلقة بجرائم الاغتصاب والاتجار بالبشر، وهما صفتان تضفيان المصداقية على تدوينته لتكون مرجعا وحجة لإثبات استهداف المنظمة للمغرب انطلاقا من موقفها من قضية ضحايا بوعشرين؛ إذ أكد صدمته الحقيقية منها” وهي القضية التي حولتها مع إطارات أخرى وعلى رأسها إطارات الإسلام السياسي إلى قضية توفيق بوعشرين وليس قضية ضحاياه اللواتي هن نساء ياحسرة. إطارات موجهة من التمويل الخارجي ذو الصلة بالتنسيق مع الإسلام السياسي..”. وهذا ما شدد عليه (Christian Harbulot) في حواره وأثبته الأستاذ حجي من خلال الانتقادات التي وجهها لبيان أمنيستي في القضية التي لم يعد يهمها فيها المبدأ بل المكسب.
لهذا “امنستي بعدما كانت سندا حقوقيا للقوى التقدمية بتقاريرها الموضوعية… هدمت العمل الحقوقي المغربي”. ومن الأمثلة التي برهن بها الأستاذ حجي عن انحراف أمنيستي: “التقرير السنوي لامنستي لسنة 2019 نجد ما يلي :”وظل توفيق بوعشرين محتجزا رهن الحبس الانفرادي المطول في سجن عين برجة حيث يحتجز على هذا النحو منذ فبراير 2018″؛ ثم تصريحات بعض أعضائها منهم فاطمة ياسين: ” قالت فاطمة ياسين رئيسة منظمة العفو الدولية في المغرب أن محاكمة توفيق بوعشرين هي العنوان البشع لسياسة المغرب التي تعادي الأصوات الحرة” ، ثم السكتاوي الكاتب العام لفرع المنظمة الذي “قال إذا كان خبراء الأمم المتحدة الذين لا نشك في موضوع يتهم ونزاهتهم أبدوا رأيا واضحا وباتا وقاطعا في المسألة حينما اعتبروا أن اعتقال بوعشرين تعسفيا، فإن ما يترتب على ذلك هو إطلاق سراحه فورا” .
ومما استند إليه الأستاذ حجي في كون تقرير أمنستي مليء بالمغالطات، أن السيد السكتاوي تبنى موقف الإسلاميين ومناصريهم من اليساريين دون أن يطلع على الملف “أجزم أنه لم يقرأه. لأنه لا أحد جاء ليأخذ الملف برمته… لو قرأه لاطلع على تصريحات الضحايا في محاضر الشرطة القضائية وقرأ تصريحاتهن أمام المحكمة التي جاءت مؤثرة أكثر مما سجل على لسانهن لدى الشرطة القضائية.. ولاطلع على تصريحات المتهم أمام المحكمة التي جاءت مورطة له بالاعترافات بعلاقة مع الفيديوهات المصورة من طرفه والمؤكدة بخبرة الدرك الملكي”. اذن كيف عرف أنه حوكم على حرية التعبير. هل مضمون الأفعال والمتابعة فيها محاسبة على القول والفكر والرسم والرقص ووو؟ طبعا حتى ولو أخذ الأستاذ حجي ملف ضحايا بوعشرين إلى مكتب السيد السكتاوي فلن يقرأه ولن يسمع بكاءهن أو يرى دموعهن هو والإسلاميين ومن يناصرهم من المتايسرين . فجميعهم ينخرطون في مشاريع سياسية تخدم أهداف الإسلاميين ولوبيات الاتجار بحقوق الإنسان.
أمنيستي، بهذه الشهادة وشهادة ضحايا بوعشرين، تثبت أنها صارت أداة بيد جهات ولوبيات تتحكم فيها عبر التمويل، تستغلها ضد المغرب لتنفيذ مخطط التفكيك والإضعاف.
لقد انحرفت عن الأهداف النبيلة التي أسسها عليها المحامي والكاتب بيتر بينيسن، وانخرطت في خدمة تجار حقوق الإنسان وسماسرتها. وليس أمام المغرب حسب (Christian Harbulot)، سوى”خوض حرب المعلومات”، بهدف تنبيه الرأي العام إلى حقيقة عمل هذه المنظمات غير الحكومية”، ومن ثم تقوية الجبهة الداخلية ضد كل محاولات الاختراق وإثارة الصراعات الداخلية عبر توظيف ملفات حقوق الإنسان مما يضعف الدولة عن مقاومة الهيمنة الخارجي.