عبد الله بوصوف
شكلت حملات الانتخابات الرئاسية الامريكية موعدا سياسيا فريدا و حدثا إعلاميا قويا ، ليست داخل الولايات المتحدة الامريكية فحسب ، بل على مستوى العالم كله ..لان نتائجها لها انعكاسات على السياسات العالمية و على التوجهات الاقتصادية و التحالفات السياسية..فهي الأقوى اقتصاديا و عسكريا و اسطولها البحري يجوب بحار و محيطات العالم ، و لها قواعد عسكرية في كل دول المعمور، كما ان أسعار الذهب و البترول و التداول داخل البورصات يتم بالعملة الامريكية أي الدولار.
و قد ساهم الاعلام الأمريكي في إضافة جرعات كبيرة من الاثارة و التشويق حتى باتت العديد من المنصات الإعلامية و معاهد الاستقراء الامريكية… متخصصة فقط في تتبع و تقييم كل ما يتعلق بالانتخابات الامريكية و دون إهمال تفاصيل الحملات الانتخابية و شعاراتها و أيضا مُدراء الحملات و دراسة شخصياتهم و غير ذلك ..مما جعل من الانتخابات الامريكية موعدا مع الجديد في تقنيات الاقناع و التواصل السياسي ، و في شكل ” مَاكِينة ” للانتخابات و إدارة الحملات الانتخابية بشكل علمي و عملي.
و القيام بمقارنة خاطفة لحملتيْ الرئاسيات الأمريكية لسنة 2020 مع تلك لسنة 2016 سنقف على حالات التشابه و التتقاطع و في نفس الآن الإختلاف… فهي تتشابه من حيث الأجواء ، خاصة في أروقة المنصات الإعلامية و صالونات السياسة الامريكية ، كما انها تتشابه من حيث التوقعات سواء من خلال الارتسامات أو من خلال ارقام معاهد إستقراء الرأي ، فكلها كانت في صالح هيلاي كلينتون سنة 2016 ، الوحيد الذي لم يصدق نتائج الاستقراءات هو دونالد ترامب…الذي حافظ على أسلوبه العنيف و الصراحة المبالغ فيها و القريبة من التجريح…في خرجاته الإعلامية بمناسبة الحملة الانتخابية سواء مع هيلاري كلينتون سنة 2016 ، أو مع المرشح الديمقراطي الجديد جُو بايْدن سنة 2020.
كما ان حالات التقاطع حملت معها حالات الاختلاف هذه المرة ، تجلت أولا في انتقال دونالد ترامب من موقع ” مرشح رئاسي ” الي ” مدافع عن الكرسي الرئاسي” للبيت الأبيض… وهو ما يجعل من حملة المرشح الديمقراطي ” جو بايدن ” عبارة عن حلقات لكشف سوء التسيير و نقط الضعف في سوء تدبير الملفات الكبرى للولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب… مع كل ما يتطلب من كشف الفضائح سواء الغرامية أو المالية و الضريبية و كل ما يشوه سمعة المرشح الآخر.
فالمقارنة بين حملات الانتخابات لسنتي 2016 و 2020 تجعلنا نتريث كثيرا قبل إصدار أي حكم أو توقع لنتائج رئاسيات يوم الثالث 3 من نوفمبر 2020..اعتمادا فقط على استقراءات الرأي او ما يروج في أروقة الصالونات السياسية او المكاتب الإعلامية… لكن بعد المناظرة التلفزيونية الأولى ليوم 30 شتنبر بين كل من المرشح الديمقراطي جو بايدن ( 77 سنة ) و الرئيس الجمهوري دونالد ترامب (74 سنة ) ..وهي المناظرة التي وصفتها اغلب المنابر الإعلامية الامريكية ” بالكارثة ” نظرا لما عرفته من تراشق و تبادل التهم و استعمال مصطلحات قوية ، كعندما نعت جو بايدن ترامب ب” البهلوان أو المهرج” .. كما قاطع ترامب المرشح الديمقراطي ” جو بَاديْن ” حوالي 73 مرة طيلة 90 دقيقة وهي عُمْر المناظرة و التي خرج منها الديمقراطي بايدن فائزا حسب أغلب المراقبين.
العديد من المحللين السياسيين و المنابر الإعلامية و مجموعات التفكير ” تينك تانك ” و غيرهم…رصدوا مساحات الاختلاف بين انتخابات 2016 و 2020…لعبت فيها جائحة كورونا دورا قويا ، حيث تحتل الولايات المتحدة المرتبة الاولي في العالم سواء من حيث عدد المصابين اكثر من 5ملايين او من حيث عدد الوفيات اكثر من 180 ألف…الى جانب المسيرات القوية الرافضة للميز العنصري بامريكا خاصة بعد مقتل جورج فلويد في ماي 2020 فيما يعرف ب Black live Matter …اضف الي ذلك التراجع الاقتصادي و ارتفاع البطالة الي مستويات قياسية حوالي 11 في المائة…و رغبة الرئيس ترامب في تغيير النظام الصحي الموروث عن باراك أوباما او ما يُعرف ب Obama care …اما مسألة التهرب الضريبي فهي ورقة لعبت بها هيلاري كلينتون سنة 2016..و أعادها ” جو بايدن ” بعد السبق الصحفي لجريدة نيويورك تايمز بقولها ان الرئيس ترامب أدى فقط 750 دولار في سنتي 2016 و2017.
” الطايكون ” او ترامب كان كل مرة يحاول تشتيت انتباه الناخب الأمريكي بعد كل زوبعة ، سواء تعلقت بتوقيت إنتاج لقاح ضد الكوفيد 19 ، أو عند إصدار بعض الكتب أو التحقيقات التي تدين طريقة تسييره لازمة الكوفيد 19 ، و كذا علمه المسبق بخطورة الجائحة…حيث كان يتعلل بعدم رغبته في خلق حالة من ” الارتباك الجماعي ” ، او الرغبة في تأجيل الانتخابات بسبب الكورونا ..او التلويح بعدم تسليم السلطة في حالة هزيمته تحت فرضية قيام الديمقراطيين بتزوير التصويت عن بعد…أو شغل الرأي العام الأمريكي بتعيين القاضية ” آمي باريت ” (48 سنة كاثوليكية محافظة ) في المحكمة العليا الامريكية بعد وفاة القاضية ” رُوثْ غينسبيرغ “…وهو ما يعني التحكم في توازنات المحكمة العليا حيث سيصبح عدد القضاة الجمهوريين ستة مقابل ثلاثة من الديمقراطيين..
وهو ما يدعو من جهة أخرى للتفكير في مآلات كل من النظام الصحي Obama Care و الإجهاض و أيضا قرارت المحكمة في حالة الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية.
و ليس خافيا على أحد أن السياسة الأمريكية بالخارج ، هي أحد أهم المحددات الأساسية في الانتخابات الرئاسية و في التأثير في نتائجها…لذلك نلاحظ الاهتمام الكبير للعديد من المحللين في تقييم السياسة الامريكية الخارجية في عهد الرئيس ترامب باعتبارها موجها مهما للناخب الأمريكي.. و نقصد بذلك ملفات تتعلق بالهجرة و اللجوء و تأمين الحدود ( السور الحدودي مع المكسيك) و أيضا ملفات الناتو و مطالبة الولايات المتحدة الامريكية الدول الأعضاء في الرفع من ميزانيات التسلح ومشكل القاعدة العسكرية الأمريكية في ألمانيا ، و العلاقة مع أوروبا و الاتحاد الأوروبي و بريطانيا بعد البريكسيت… و التواجد العسكري في كل من العراق و أفغانستان و الملف النووي الإيراني و فينزويلا و كوريا الشمالية.
و تبقى الحرب التجارية مع الصين هي اهم ما ميز فترة ترامب ، حيث تم الاشتغال على أكثر من محور ..كعرقلة مبادرة طريق الحرير الجديدة بأوروبا و الجيل الخامس G5 و كذا تطبيق Tik Tok … بالإضافة الى الاشتغال على حالة هونغ كونغ…أو إقحام الشأن الديني سواءا في الحرب التجارية مع الصين أو أثناء الحملة الانتخابية حيث تزامنت المناظرة الأولى ليوم 30 شتنبر مع زيارة ” مايك بومبيو ” وزير الخارجية الأمريكي الي إيطاليا و تحديدا الى الفاتيكان لعرقلة تجديد اتفاق الفاتيكان و الصين بشأن تعيين الأساقفة.
و من جهة أخرى ” فالطايكون ترامب ” سيستعمل بكل تأكيد للتأثير على المعادلات الانتخابية ، كل من ورقة إعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل ، و كذا “اتفاق أبراهام ” و ذلك بتوقيع كل من دولتيْ الامارات العربية المتحدة و البحرين لاتفاق السلام و التعاون و التبادل الديبلوماسي مع إسرائيل في غشت 2020 ، بعد اتفاق مصر سنة 1979 و الأردن 1994..
هذا بالإضافة الي عودة رُفات 200جندي امريكي من كوريا الشمالية بعد اختفاء زهاء 65 سنة، و عودة المواطنة الامريكية ذات الأصل المصري ريم دسوقي الى أمريكا بعد احتجاز دام 300 يوم ، و المساهمة في لقاء زعيميْ كوريا الشمالية و الجنوبية و تجنيب العالم حربا نووية…كل هذا دفع ببعض الساسة النرويجيين بترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام لسنة 2021.
لذلك لا يُمكن التسرع و القول بفوز الديمقراطي جو بايدن أو الجمهوري ترامب اعتمادا على استقراءات الرأي فقط…فلازال يوم الاقتراع أي 3نوفمبر بعيدا ، وهو ما يعني انتظار تغيير في استراتيجيات التواصل و قلب الأوراق الانتخابية…كما ان كل الفرضيات تبقى مفتوحة حتى بعد إعلان النتائج ، ومنها مثلا اللجوء الى المحكمة العليا أو إعادة الفرز أو اللجوء الى مواد الدستور الأمريكي في حالة عدم تسليم السلط بشكل عادي..وهو ما سنعود له لا محالة عندما يَجٍدُ جديد في معادلات الرئاسيات الأمريكية التي تشد أنفاس العالم.
عبد الله بوصوف: الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج