عبد الله بوصوف
ليس خافيا علي أحد أن الخطابات الملكية تتم وِفْق مواعيد دستورية، وليس خافيا على أحد الأهمية السياسية والتشريعية والدينية لخُطب أمير المؤمنين كما انه ليس خافيا على أحد ما تتميز به كل خطب الملك محمد السادس من قوة في التشخيص والواقعية والمكاشفة مع طرح البرامج و الاستراتيجيات.
لكن الجديد في الخطابات الملكية في زمن جائحة كورونا أي خطابات العرش ( 30 يوليوز ) و ثورة الملك و الشعب ( 20 غشت ) و افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة للبرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر و قبل انتخابات 2021 كان الجديد هو الرفع من قوة الواقعية و تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية لان جلالة الملك يُخاطبنا جميعا كأفراد من العائلة الكبيرة للمغرب، وهو ما يفرض الكثير من المكاشفة و الصراحة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية و الاجتماعية و النفسية بشكل جماعي مسؤولين و مؤسسات و مجتمع مدني و أفراد.
فلسنا في حاجة للتذكير بالقرارات الملكية الحاسمة و الحكيمة التي حملتها الخطابات الملكية قبل الجائحة و كَشْفِها للعديد من الاختلالات الاجتماعية و الاقتصادية و الإدارية و خلق لجنة خاصة للنموذج التنموي الجديد لكن جائحة كورونـا ساعدتنا ” مَجَازا ” على كشف العديد من الاختلالات العميقة خاصة على المستوى الاجتماعي و التغطية الصحية و القطاع الغير مهيكل وغير ذلك.
لذلك خصصت الخطابات الملكية الأخيرة في زمن كورونا مساحات واسعة للمجال الاجتماعي سواء على المستوى الاستعجالي كخلق صندوق خاص لمواجهة تداعيات جائحة كورونا خُصصت موارده لشراء المعدات الطبية الضرورية و تقديم مساعدات مالية للفئات الهشة التي فقدت مصدر عيشها بالاضافة الى قرارات التآجيل أو الإعفاء من بعض الاداءات أو الالتزامات هدفها هو تخفيف كاهل بعض الأسر و مساعدتهم في زمن الحرب على كورونا.
أو على مستوى المتوسط و البعيد كتعميم برنامج التغطية الصحية الإلزامية لجميع المغاربة و إطلاق خطة الإنعاش الاقتصادي للرفع من القدرة التنافسية و الحفاظ على مناصب الشغل وأيضا احداث وكالة وطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة و مواكبة أداء المؤسسات العمومية في إطار الحكامة الجيدة.
و قد استحضرت تلك الخطابات الأهمية القوية للجانب النفسي في ربح أي رهان و ربح أي حرب لذلك فقد دعى خطاب ثورة الملك و الشعب الى استلهام قيم و مبادئ ملحمة ثورة الملك و الشعب التاريخية في جهود التصدي لجائحة كورونا وهو ما يعني التحلي بالسلوك الوطني و الرفع من التعبئة و اليقظة و المساهمة في تأطير فئات المجتمع و الالتزام الجماعي للنضال من أجل الانتصار في الحرب على كوفيد 19 كما انتصرنا في معركة الاستقلال و ذلك بعد أن لُوحظ شيء من التراخي في الالتزام بالتدابير الوقائية في زمن كورونا لذلك فقد نبه خطاب ثورة الملك و الشعب ” ان المعركة لم تَنْتَهِ بعد” وقد حملت هذه العبارة توصيفا عميقا للمرحلة و عنوانا كبيرا لقراءة واقعية في حرب المغرب ضد كوفيد 19.
جلالة الملك وهو يخاطب أفراد أسرته الكبيرة كان أول المُلتزمين بالتدابير الوقائية باعتباره رئيس الدولة و أمير المؤمنين و القدوة لجميع المواطنين لذلك فقد كان يُظْهر ذلك سواء من خلال حمل كل من ولي العهد الملكي الأمير مولاي الحسن و الأمير الملكي المولى رشيد للواقيات الصحية ( الكمامات ) اثناء الخطابات الملكية أو من خلال القاء خطاب افتتاح البرلمان يوم 9 أكتوبر 2020 ليس من مقر البرلمان و لكن عن بُعْد انطلاقا من القصر الملكي في إشارة دالة على أهمية الالزام بالتدابير الصحية و ان المعركة لم تنته بالفعل.
وكالعادة فقد تضمن خطاب الجمعة الثانية لشهر أكتوبر من سنة 2020 درسا جديدا في التواصل ، و كان امتدادا طبيعيا لفلسفة و روح خطابات زمن كورونا بمعنى أوضح انه رسخ التوجهات الإستراتيجية في جانبها الاجتماعي أي الوصول الى التغطية الاجتماعية في افق سنة 2022 و تعميم التعويضات العائلية و توسيع الانخراط في نظام التقاعد و تعميم الاستفادة من التأمين على فقدان الشغل.
أو في جانبها الاقتصادي من خلال خطة إنعاش الاقتصاد و صندوق الاستثمار الاستراتيجي أي ” صندوق محمد السادس للاستثمار ” و الذي سيلعب دورا رياديا في مجالات النهوض بالاستثمار و الرفع من قدرات الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الإنتاجية و تمويل و مواكبة المشاريع الكبرى في اطار شراكات بين القطاعين العام و الخاص بالاضافة الى دوره في مجال إعادة هيكلة الصناعة والابتكار و القطاعات الواعدة و المقاولات الصغرى والمتوسطة و البنيات التحتية و الفلاحة و السياحة.
و لأن الحرب على كوفيد 19 تتطلب تعبئة وطنية شاملة فان ذات الخطاب تضمن دعوة لكل المؤسسات والفعاليات الوطنية و في مقدمتها البرلمان الى الارتقاء الي مستوى تحديات المرحلة وتطلعات المواطنين وقبله دعى الحكومة الى مراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا معايير تحتكم الى الكفاءة و تجعل الوظيفة العمومية اكثر جاذبية في إطار الحكامة الجيدة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ورغم صعوبة الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية و النفسية التي يمر بها المغرب في حربه على الكوفيد 19 فان الخطابات الملكية لم تخلو من جرعات الأمل في مستقبل واعد وفي الأمل بإمكانية الانتصار الجماعي و التحدي الجماعي في اطار الوحدة الوطنية و التضامن الاجتماعي لان النجاح إما أن يكون جماعيا لصالح الوطن و المواطنين أو لا يكون.
مسؤولية القائد في الحرب ليست فقط وضع الخطط و التصورات و الاستراتيجيات لكن أيضا حشد الهمم و التحفيز و التبشير بالنصر القادم وهو ما تضمنته كل الخطابات الملكية في زمن كورونا فقد تضمنت التشريح و التشخيص الواقعي و المكاشفة بالمعوقات ثم طرحت خُطط النصر و استراتيجيات ما بعد الحرب و دون نسيان التبشير بالنصر القادم و نُور الأمل في مغرب ما بعد زمن كورونا لذلك فقد كانت خاتمة كل تلك الخطابات الملكية آيات قرآنية عميقة و دالة كأن ” سيجعل الله بعد عسر يُسْر” و ” لا تيأسوا من روح الله”.
الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج