محمد الشمسي
بشكل فجائي وغير مبرر ولا منتظر، هاجم ماكرون الإسلام، ولم يكتف بنشر صور تحقيرية للرسول صلى الله عليه وسلم في جريدة أو مجلة، بل قرر عرضها على واجهات مبان عمومية مبتهجا كطفل صغير يتلذذ بتعذيب فراشة، وهكذا أخرج ماكرون فرنسا من “الأنوار” إلى ظلمات الفاشية، لكن دعونا نتوقف عند هذه المحطات:
أولا: دعونا نتفق على أنه من حق الرئيس الفرنسي أن يشرع في بلده كل قانون يراه مناسبا لدولته في إطار تعاهده مع ناخبيه، فوحده الشعب الفرنسي بواسطة مؤسساته من له الحق في قبول أورفض قانون يهم الأمة الفرنسية، ويعتبر تدخلنا من إفريقيا وآسيا في القوانين الفرنسية مسا بسيادة الدولة، فليسن ماكرون ما يشاء من القوانين، وأمره عند شعبه، فالمسلمون الفرنسيون هم جزء من الشعب الفرنسي، وهم من انتخب ماكرون وأدخله إلى الإليزيه، وعليهم التصدي لرئيس جاهر بمعاداته لجزء من شعبه على أساس ديني، وهو شكل من أشكال العنصرية.
ثانيا: دعونا نتفق أن الإساءة الحقيقية للإسلام لم تأته فقط من ماكرون ولا من لوبين الأب أو البنت، ولا من ترامب ولا من جونسون ولا من اليمين المتطرف، بل تأتيه كذلك من بعض المسلمين أنفسهم، عن طريق سوء الفهم الكبير بين المسلمين ودينهم، فالكثير منهم خاصموا مصدر الدين الحقيقي، وتكاسلوا عن البحث والمعرفة، ورهنوا عقولهم لدى رجال الدين الذين غلفوا وجهات نظرهم الشخصية ذات أبعاد سياسية أو فئوية أو مصلحية بأغلفة دينية وقدموها للناس تعاليم دينية مطلقة، حتى أن من هؤلاء “العلماء” من يعتبر هذا العالم لا يليق إلا بالمسلمين وما دونهم مجرد كفار في قتلهم خير عميم …
ودعونا نتفق أنه في جل الدول العربية لا يمارس المسيحيون واليهود عقيدتهم بحرية إلا سرا أو تحت حراسة أمنية مشددة…
ثم دعونا نتفق أن بعض الأنظمة التي تحكم عددا من الدول العربية لاسيما مصر و دول الخليج، باتت تدفع نحو دعم كل إساءة للإسلام لشيطنته، فهذه الأنظمة ومن فرط كرهها للإسلام السياسي الذي يمثل معارضة قوية لها بقدرته على الحشد و التحريض ضدها، هي مستعدة أن تتخلى ليس فقط عن فلسطين بل وعن الإسلام نفسه، وأن ماكرون استطلع القلوب وتبين له أن تلك الأنظمة عرضت الدين و القيم و التاريخ للبيع لعل الغرب يُربِّتُ عليها ويصون عروشها، لذلك لا نستبعد أن يكون سيناريو الإساءة كُتِب هناك، واكتفى الغلام ماكرون بأداء مشهد سخيف منه…
ثالثا: دعونا نناقش سلوك السياسي الصغير ماكرون، ونَصِفُ ماكرون بالصغير لصغر سنه (43 سنة)، وصغر درجته العلمية الأكاديمية، فهو بالكاد موظف ووزير سابق، ونهج سيرته خال من كل مكانة ثقافية فكرية تؤهله للحديث عن الأديان، بما في ذلك المسيحية التي يفترض أنه من أتباعها، فهو مجرد سياسي تسلق شجرة السياسة بسرعة كما تفعل سلالة بعض القردة.
ودعونا نسأل الصغير ماكرون، إذا كانت الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم تبدو لفرنسا وجها من أوجه حرية التعبير، وهي مزهوة لتعليقها نياشين فوق بناياتها، فلماذا غضبت فرنسا حين انتقد الرئيس التركي خطاب ماكرون؟، ألا تدخل تلك الانتقادات في خانة حرية التعبير؟، لماذا يضيق قلب باريس من تصريحات أردوغان، ولا تسمح باريس للمسلمين من أن تضيق قلوبهم من الإساءة لنبيهم الذي يؤكد التاريخ أنه كان نبي الرحمة، لم يقتل أحدا، ولم يستعمر أمة، ولم يستنزف خيرات شعب، ولم يعدم مناضلي وطن، ولم يسن ظهيرا بربريا، ولم يتاجر في بشر، ولم …ولم…؟.
رابعا: دعونا نناقش ردة فعل المسلمين وهم ينبرون للدفاع عن عقيدتهم وعن نبيهم، فهناك كمية غير مقبولة من الطيش والرعونة والحمق والسفاهة لدى بعضهم ممزوجة بسيل من الوحشية التي تجلب للمسلمين مآسي جديدة، فلا يمكن تبرير جريمة قطع رأس ذلك المدرس التافه، لأن الدفاع عن دين الحكمة ودين القيم العليا لا يتحقق إلا بذات الحكمة وذات المُثل، ولن يتحقق بالقتل والدعوة لسفك الدماء، ومثلا فكرة مقاطعة مسلمي وأحرار العالم السلع الفرنسية هي حركة حضارية ومشروعة وذكية ستكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر بالملايير، وستعيد تربية الصغير ماكرون وتلقنه درسا في اللعب بنار العنصرية، وهي تضمن حق المستهلك في الاختيار، ألا يقولون في فرنسا أن”الزبون مَلِك”؟، على أن تليها ندوات ومؤتمرات ونقاشات علمية تنفض الغبار عن النسخة الأصلية للإسلام، الذي هو دين الحياة والسلام والمودة والعلم والمعرفة، ومن يقول عكس ذلك فهو يدين بنسخة غير مطابقة للإسلام الحقيقي.
أخيرا: سبق و نال خير الأنام صلى الله عليه وسلم شهادة من رب العالمين تقول “وإنك لعلى خلق عظيم” تغنيه عن كل مدح وترفع عنه كل ذم، ومثل الإسلام ورسوله في مقارنتهما مع الغلام ماكرون كمثل جناح بعوضة يابس في مَجَرَّة، ودعونا نختم ببيت شعري للأخطل قال فيه: وما يضير البحر أمسى زاخرا….أن رمى فيه غلام بحجر.