إذا كان عيد الأضحى لدى المسلمين هو يوم نحر الأضحية، فإنه لا يزاحم هذه الشعيرة “المقدسة” في عرف الشعب المغربي إلا التزين بالزي التقليدي.
فما أن تشرق شمس العاشر من ذي الحجة بقليل، وتظهر تباشير الصباح، حتى تتراءى لك جموع من الناس رجال ونساء وأطفال يوحدهم لباسهم التقليدي المغربي، ومقصدهم المصلى حيث تقام صلاة عيد الأضحى.. إنه “العيد الكبير” عن المغاربة.
تبدو العاصمة المغربية الرباط، في صباح يوم العيد قليلة الحركة، فقد غادرها أغلب الوافدين عليها من غير أبنائها من الموظفين والطلبة والتجار والعمال، إلى مدنهم وقراهم حيث العيد مع الأهل في ربع الصبا.
يتوافد الناس على مساجد المدينة لأداء صلاة العيد في الرباط، فيما سكان جارتها مدينة سلا، التي لا يفصلها معها سوى نهر “أبي رقراق”، يحجون إلى مصليات المدينة.
في الطريق إلى مصلى “قرية سيدي موسى” بسلا، أفواج من الناس يحملون سجاداتهم ويسرعون إلى حجز أماكنهم إلى جانب المصلين.
الجميع تقريبا يتزينون باللباس التقليدي، الكبار والصغار، النساء والرجال. أغلبيتهم الساحقة بجلابيهم الرجالية والنسائية، الأبناء الذكور يتشبهون بآبائهم، والإناث يتعقبن خطو أمهاتهن.
يعم بياض اللباس الأصيل المغربي المصلى، خصوصا في الشق الخاص بالرجال وهو الأكبر، فيما تأثث شق النساء بأزياء مختلفة ألوانها، لا تقل عراقة، ولا تخرج في عمومها عن الجلباب التقليدي النسائي.
بعدما أخذوا أماكنهم في المصلى يبدأون في التكبير والتحميد انتظارا لظهور الإمام، الذي لا يختلف عن الرجال في لباسه إلا بتلحفه بسلهام أبيض خفيف (يشبه البرنوس)، فوق جلبابه الأبيض كذلك.
في هذا المشهد المقتطع من التاريخ أم الإمام جموع المصلين في صلاة العيد وخطب فيهم مذكرا إياهم بدروس نسك “الأضحية” و”الافتداء”، ومركزا بصفة أخص على الجانب الاجتماعي للعيد، حاثا المصلين على التراحم والعطاء والتضامن والتوسعة على الفقراء والمحتاجين.
ينحر الإمام خروف العيد بالمصلى، قبل أن ينفض الجمع بعدما يحرص الجميع على مصافحة من لقيهم ممن عرف ومن لم يعرف ومعايدتهم، والانصراف إلى بيوتهم حيث لهم موعد آخر لا يخلف في هذا العيد.. إنه “الحولي” (الخروف الذي مر عليه الحول).
المشهد هنا لا يختلف كثيرا عن باقي مناطق المغرب، اللهم ما كان من عدم شهود النساء صلاة العيد في الكثير من قرى البلاد.
وتتنافس النساء، وحتى الرجال، في اختيار أجود الأثواب وآخرها وقصد أمهر الخياطين التقليديين الذين يحولونها بأناملهم إلى جلابيب مغربية مختلفة التطريزات استعدادا للعيد الكبير كما باقي المناسبات الدينية.
ويحتل عيد الأضحى مكانة كبيرة في أعياد واحتفالات ومواسم الشعب المغربي، لذلك اختاروا أن يطقوا عليه “العيد الكبير”.
ولأنه “العيد الكبير” فإن الاحتفال به والقيام بشعائره تكبر بكبره، كما تكبر نفقاته التي تثقل كاهل الكثير من الأسر، لكنهم يقبلون عليها رغم كل شيء، ما يجعل عددا من الأسر المتوسطة في المغرب إلى الاقتراض من البنوك أو الأقارب لشراء “الحولي”.
ولأن “حولي” العيد، يكاد يكون مقدسا عند الغالبية الساحقة من السكان، فإن المعوزين منهم يضطرون في الكثير من الأحيان إلى بيع أثاث بيوتهم القليل، لشراء أضحية العيد مهما كانت فوق طاقتهم المادية، تحت إلحاح أطفالهم، الذي يريدون أن التباهي أمام أقرانهم بكبر خروفهم وطول قرنيه، لحظة لا يستطيع الآباء أن يحرموا أبناءهم منها، رغم أن جيوبهم لا تسعفهم لذلك.