ثمة أحداث كثيرة تجعلني لا محالة أرغب في العودة مرة أخرى إلى موضوع صورة المرأة في الخطابات المختلفة للإعلام، فقد كنت كتبت منذ يومين تدوينة على صفحتي الخاصة بالفايسبوك تخص موضوع إعلان عن منتوج خدماتي دخل الأسواق المغربية، اختار لنفسه لغة تسويقية تعتمد على مكونين ثقافيين مغرقين في النمطية. يتعلق الأول بعقدة الأجنبي التي تجعلنا دوما نمجد ونثق في كل ما يمكتب بلغته أو يحمل إشارة “مايد إن جرماني أو فرنسي أو أمريكي” أو غيرها من جنسيات العالم الأول ، وبالطبع باستثناء ” المايد” الصيني الذي خلق ثورة جديدة في عالم التصنيع والتسويق، بنهجه فلسفة “الديمقراطية الاستهلاكية”، شكلا ومضمونا، حتى وإن كانت توحي بكل ماهو رخيص وفاقد للجودة.
وبخصوص الأمر الثاني، فيعني أسباب إثارة ذلك الإعلان التي لا تعود فقط إلى طبيعة موضوعه، بل يرتبط بدوافع أخرى. و لا غرابة فهو يكرس كما العديد من الإعلانات الأخرى ، إشكال صورة المرأة فيها، ويتم توظيفها وفق رؤية ثقافية تتمادى في تشييئها بشكل مجاني. الإعلان الذي أثار حفيظتي، كان عبارة عن ملصق حائطي يخترق أحد شوارع مدينة الدارالبيضاء، معلق على أحد جدران مبنى مركز تجاري معروف. في تلك الصورة تطالعنا امرأة عصرية بملامح مغربية، وتحتل الهامش الأكبر في الملصق. ترتدي ثوبا أحمر وهو لون مثير بلغة التسويق.
وبينما تبدو المرأة في كامل أناقتها، تبرز لغة الإعلان عارية عن كل إنصاف رمزي للمرأة، حيث تبدو الايحائيات المجازية ممعنة في جعلها مباحة “اكسيسيبل”، وتنزع نحو استنفار الايحاءات الجنسية على حساب صورة كاملة للمرأة متحررة من اكراهات التصنيف الغرائزي التي يمررها الخطاب لترتيب عملية تمرير المنتوج الى قلوب المستهلكين قبل عقولهم. وفوق ذلك، فهي “مايد إن سويس” في إيحاء تشييئي مارق للمرأة، يجلعها بضاعة سويسرية .
وبقدر ما استفزتني لغة الإعلان وشكله، أثارني حجم التعليقات التي تفاعلت مع التدوينة أيضا، و كانت تخص جنس الذكور أكثر من الإناث حتى وإن كان فيها المدافع والشاجب، لكنها في العموم أثبت مرة أخرى أن العقلية الذكورية، تتمظهر عن وعي أو غير وعي في بلد يقر دستوره بالمناصفة وبتحسين صورة نسائه في الإعلام، حفظا لكرامتهن الانسانية ولمواطنتهن. المرأة الموضوع في الإعلان كما في الإعلام بشكل عام، هو ورش كبير، لا يمكن فك شفرته إلا وفق مقاربة شاملة تستحضر ماهو ثقافي وقانوني وسوسيو اقتصادي، وإلا كيف نكف على رأي نوال السعداوي عن استهلاك هذا النوع من الاعلام المزيف، فلم نعد نعرف القضايا الجوهرية من القضايا التافهة، لقد أدمنا هذا النوع من المعرفة الكاذبة أو الوعي الكاذب ، كما يدمن الشباب الهيروين.
في موضوع آخر يصادف هذا العدد الكلاسيكي حول الزواج بطقوسه الاجتماعية والثقافية والتزيينية، واقع المرأة في إحدى الدول العربية الشقيقة وبالضبط في المملكة العربية السعودية التي تشهد نشأة حركة نسائية تناضل من أجل تغيير الكثير من الأوضاع غير المنصفة، التي تعاني منها المرأة في بلد آخر الرسالات السماوية، وهي رسالات كفلت للمرأة حقوقها الإنسانية. ومازالت المرأة هناك تطالب بأبسط حقوقها بدءا من سياقة السيارة إلى إسقاط الولاية عنها في الزواج والطلاق والسفر، وفي كل تحركاتها الطبيعية والإنسانية. وفي هذا السياق، نتفاجأ بحدثين لا يقلان غرابة عن تبعات الأوضاع السالفة. فقد أثار الحدث الأول سخرية مواقع التواصل الاجتماعي، ويتعلق بانعقاد أول مجلس حكومي للفتيات يعنى بقضايا النساء دون أن تحضره امرأة واحدة، بسبب قانون منع الاختلاط بين الجنسين. أي أنهن جلسن في مكان بعيد وآمن عن أعين الرجال، وعن كاميرات التلفزيون. ومن جهة بسبب مبدأ الوصاية والتبعية للرجال القوامين على النساء.
الحدث الثاني ودائما في المملكة السعودية، يحيل على الدعوة إلى إنشاء أكاديمية للتعدد، وقبل أن أوافي بمزيد من التفاصيل، فإن حمى المطالبة بالتعدد تجتاح على ما يبدو العديد من الدول العربية، حيث اتحفتنا نائبة برلمانية في العراق بالمطالبة بسن قانون يشجع على الزواج من أكثر من امرأة، بل وصرف حوافز مالية تشجع وتساعد الرجال على الزواج بهذه الطريقة. وهي طريقة ستحل بنظرها مشاكل العنوسة والعزوف عن الزواج، وتحد من تكاثر النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج. أما في الأكاديمية، فكلما تقدم شاب للزواج عن طريق هته الهيأة، يمكنه الزواج من ثلاث نساء دفعة واحدة، آنسة ومطلقة وأرملة. وإذا نجحت التجربة، ستقدم له الزوجة الرابعة بعد عشر سنوات… والله المعين. في معرض دفاعها عن هذا المفهوم الجديد الذي تبقى دوافعه أكثر تقدما من الأولى، أضافت صاحبة الفكرة ذات الإسم الغريب، هوزان ميرزا، كما فكرتها التي تصلح فيلما سينمائيا رديئا، كثر الله من أمثالها، أن هناك سيدات لديهن تطلع إلى رجل يكون إلى جانبهن ليومين فقط في الأسبوع، حتى لا تشغلهن مسؤوليات الزواج عن أدوارهن الاجتماعية الأخرى، ولعلها المرة الأولى التي تكون فيها الزلة أقبح من العذر. ولعلي أقول : أوافقك الرأي يا هوازن، ستثبتين أن المرأة ليست دائما عدوة للمرأة، إلا في حالة واحدة. ماذا في النهاية لو احترمنا مبدأ المساواة وكانت لنا أيضا أكاديميتنا للتعدد، وبشروطنا التفضيلية كذلك، حينها فلنرقص معا في أعراسنا.