لم تخل زيارة الوزير الأول الروسي، ديميتري مدفيديف، للرباط من رسائل جيواسرارتيجية واقتصادية هامة، في ظل اللقاءات المكثفة التي عقدها على هامش هذه الزيارة، التي تنظر إليها الجزائر بعين الريبة، في ظل رغبة البلدين في تقوية العلاقات الثنائية، وفتح الباب أمام شراكة ثلاثية تضم القارة الإفريقية.
وكالة “سبوتنيك” الروسية نقلت عن مدفيدف تصريحا أكد فيها أن “روسيا تثمن كل التثمين موقف المغرب المستقل والبناء من القضايا الدولية الملحة، وقبل كل شيء القضايا المتعلقة بالوضع في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب”. موقف يوضح وجود تقارب قوي بين الرباط وموسكو في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة في ظل توازن المواقف الدبلوماسية التي عبر عنها المغرب تجاه بعض الملفات الحارقة، وعلى رأسها الصراع الخليجي.
قضية الصحراء المغربية توجد على رأس أولويات السياسة الخارجية للمملكة، ولذلك تبقى لهذه الزيارة ميزة خاصة في العلاقات الخارجية لموسكو على مستوى المنطقة المغاربية، في ظل رغبتها القوية في اقتحام المنطقة الإفريقية التي أصبح المغرب فاعلا استراتيجيا فيها. ويبدو جليا أن روسيا عازمة على تنويع شركائها، وعدم التعويل على الجزائر كشريك تقليدي أصبح اليوم غارقا في وحل صراعاتها الداخلية، وهو ما سيجعلها ترتب ملف الصحراء المغربية ضمن أولوياتها الدبلوماسية في هذه المنطقة.
التحركات المكثفة للملك محمد السادس خلال السنوات الأخيرة، نحو عواصم مجموعة من الدول، بدأت تؤتي أكلها وهو الأمر الذي سيكون له الأثر المباشر على موقف عواصم الدول الكبرى بشأن ملف الصحراء، وذك في اتجاه تحييد بعض المواقف وفق معطيات الواقع والمصداقية التي يتمتع بها الموقف المغربي.
وبدورها شهدت المبادلات التجارية مع روسيا تطورا منذ التوقيع على الاتفاق التجاري والاقتصادي الذي ساعد على الزيادة في حجم المبادلات الذي انتقل من حوالي 200 مليون دولار سنة 2001، إلى 2.5 مليار دولار سنة 2015. كما أنه في سنة 2016، احتلت روسيا الرتبة التاسعة كممون للمملكة المغربية، والرتبة 22 كزبون لها.
وضع دفع بالطرف الروسي إلى الدعوة لإنشاء منطقة للتبادل الحر، بما يعني إعفاءات ضريبية على المبادلات التجارية بين البلدين وتبسيط الإجراءات الجمركية. إنشاء هذه المنطقة سيمكن، ليس فقط من اقتحام السوق التجاري للبلدين، بل أيضا منافسة الزبناء التقليديين، كما هو الحال بالنسبة لمصر، فيما يتعلق بروسيا، والاتحاد الأوربي فيما يرتبط بالمغرب.
لكن كيف يمكن للرباط أن تستفيد من تعميق العلاقات الاقتصادية مع موسكو؟ بعد مرور سنوات على دخول عدد من اتفاقيات التبادل الحر بين المغرب وعشرات الدول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أن المسؤولين المغاربة استوعبوا مختلف الإشكالات التي جعلت الميزان التجاري يعاني من عجز مزمن، وهو الأمر الذي انعكس على المفاوضات الجارية مع كندا.
وعلى هذا الأساس، ينتظر أن تركز الرباط على دورها كفاعل محوري في علاقات روسيا بالقارة الإفريقية، وهو الأمر الذي يمكن استنتاجه من الكلمة التي ألقاها سعد الدين العثماني، بمناسبة الزيارة التي يقوم بها الوزير الأول الروسي. العثماني قال بصريح العبارة إن “المغرب على أتم الاستعداد ومنفتح لإقامة شراكة ثلاثية موسعة بين بلدينا من جهة وإفريقيا من جهة أخرى، تشمل القطاعين العام والخاص، من أجل إنجاز مشاريع هامة، وفي صالح الأطراف الثلاثة”.