أكدت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان أن “تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش” حول أحداث الحسيمة، الذي نشرته بتاريخ 05 شتنبر 2017، تضمّن ادعاءات ومغالطات عديمة الأساس حول تدبير ومعالجة السلطات العمومية للاحتجاجات التي عرفها هذا الإقليم والمناطق المجاورة له.
وأضحت المندوبية، في بلاغ توصلت وكالة المغرب العربي بنسخة منه اليوم الجمعة، أن السلطات المغربية “تسجل رفضها لمضامين هذه الوثيقة، بناء على كون المنهجية المعتمدة لإنجازها تعوزها المهنية المطلوبة والاستقلالية المفترضة في إعداد تقارير المنظمات الحقوقية ذات المصداقية، ولاسيما توخي الدقة والقيام بالتحريات الميدانية بخصوص الوقائع والأحداث وإجراء التقاطعات على مستوى مصادر المعلومات، فضلا عن أن ما تضمنته الوثيقة المنشورة من كلام عام وغير موثق لا يقدم تشخيصا حقيقيا لهذه الأحداث ولن يساهم في تحقيق الأهداف المزعومة في تعزيز احترام حقوق الانسان وحمايتها”.
وسجل البلاغ أيضا أن محاولة الربط الآلي بين تنويه الخطاب الملكي السامي بعمل القوات الأمنية الرامي إلى حماية الأشخاص وممتلكاتهم في إطار الاحترام الدقيق للحقوق والحريات الأساسية، وبين ما سماه محرر الوثيقة تبييض تعامل الشرطة مع “اضطرابات الحسيمة” وكذا تجاهل تقارير الأطباء الشرعيين الذين فحصوا المعتقلين، يؤكد مرة أخرى مستوى التجاهل المبيّت من قبَل محرر الوثيقة لعمل المؤسسات الدستورية للمملكة وصلاحياتها.
وتابع أن التنويه بعمل القوات العمومية هو من باب تثمين روح المسؤولية العالية التي تتحلى بها هذه القوات، بجميع تشكيلاتها، من أجل ضمان الأمن والاستقرار في إطار الاحترام الدقيق للحقوق والحريات الأساسية التي يضمنها دستور المملكة، مشددا على أن السلطات المغربية “لا تقبل التشكيك الممنهج لمنظمة دولية تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، في استقلالية ونزاهة القضاء المغربي الذي له الصلاحية التامة للنظر في مدى صحة الادعاءات الموجهة ضد أي تجاوز، كيفما كان نوعه ومن قبَل أي كان.
وشدد البيان على أنه “إذا كانت المعايير الدولية لحقوق الإنسان والممارسات الفضلى في مجال تدبير الاحتجاجات تؤكد أن قوات حفظ النظام تمتلك الحق في استعمال القوة لتفريق الاحتجاجات غير السلمية والمخالفة للضوابط القانونية، في إطار الشرعية والتناسبية والمسؤولية، فإنها تقر بأن المحتجين لا يملكون الحق في مواجهة عناصر الأمن واستخدام العنف ضدهم وتكسير الممتلكات العامة والخاصة والمس بالنظام العام واحتلال الملك العمومي بغير حق”.
وبخصوص الادعاءات المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة الواردة في التقرير، سجل البلاغ أن “هذه المغالطات والاستنتاجات الخاطئة والمتسرعة والمفتقدة للدقة تتعارض مع الحقائق والوقائع القانونية والميدانية التي تؤكد أن إيقاف مجموعة من الأشخاص تم على خلفية الاحتجاجات في إقليم الحسيمة بسبب الاشتباه في ارتكابهم أفعالا مخالفة للقانون، والذين أنجزت معهم الأبحاث القانونية اللازمة من قبَل الشرطة القضائية، تحت الإشراف المباشر للنيابة العامة المختصة، التي حرصت على حسن تطبيق القانون في القضايا المعروضة عليها واحترام حقوق الإنسان، بما فيها الالتزام بكافة ضمانات المحاكمة العادلة المخولة للأشخاص الموقوفين بما يضمن قرينة البراءة كأصل لهم.
وفي هذا الإطار، حرصت النيابة العامة على مراقبة كافة إجراءات البحث الجنائي وسلامتها القانونية وكذا السهر على تمتيع كافة الأشخاص الموقوفين بالحقوق المخولة لهم قانونا. كما أنه في ما يخص ادعاء تعرض بعض الموقوفين للعنف أو التعذيب، أكد البلاغ أن الإجراءات القانونية اللازمة اتّخِذت بالشكل الآني بخصوص كل حالات الادعاء المذكورة، إذ تم عرض كل حالات ادعاء العنف على الفحوص الطبية (66 فحصا طبيا) كما فتحت بشأنها أبحاث من قبل المصالح المختصة بتعليمات من النيابة العامة، تخص 23 حالة سيتم ترتيب الإجراءات القانونية المناسبة فور انتهاء البحث بشأنها.
وشدد البلاغ على أن الاعتقالات المقررة ومعها المتابعات المسطرة تمت من قبل النيابات العامة وقضاة التحقيق حسب الأحوال وفق سلطتهم التقديرية، كما ينص على ذلك القانون، علما بأن القضاء يبقى وحده الجهة المختصة للبت في الوضعية الجنائية للمعتقلين، إذ ما زالت إلى حدود اليوم قضايا رائجة أمام القضاء تهم 244 شخصا، منهم 185 في حالة اعتقال و59 في حالة سراح. كما تم حفظ المساطر في حق أزيد من 20 شخصا لم تثبت الأبحاث المنجزة تورطهم في أفعال جرمية.
وأبرز البلاغ أن “محاولة هذه المنظمة أو غيرها التشكيك في استقلالية القضاء ونزاهته لتعبّر، مرة أخرى، عن تحامل غير مقبول تجاه الإصلاحات التي عرفتها المملكة على مستوى إصلاح منظومة العدالة، لاسيما أن استقلال السلطة القضائية أصبح حقيقة مؤسساتية وفعلية تحت إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية ابتداء من 6 أبريل 2017، ولا مبرر لأي قاض، دستورا وقانونا، للتفريط في استقلاله، وبهذه المناسبة تجدد السلطات العمومية تأكيد احترامها لاستقلال السلطة القضائية احتراما تاما وفق ما يقرره الدستور والقانون.
وذكر البلاغ بأن النسيج الجمعوي الحقوقي المغربي والتنموي، سواء المحلي أو الوطني، قام بعدة زيارات لعين المكان وتابع عن قرب الاحتجاجات ولعب أدوارا في تهدئة الأوضاع. كما أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو المؤسسة الوطنية الموكولة إليها دستوريا حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، قد باشر عمله في المنطقة منذ اللحظة الأولى، إذ راقب عن قرب كل الاحتجاجات وكل التجمعات وقام بتيسير عدة مبادرات مع السلطات العمومية، بما في ذلك زيارة المؤسسة السجنية، سواء في الحسيمة أو الدار البيضاء، كل أسبوع، وكذلك ملاحظة المحاكمات التي تمت إلى حد الآن، وهو الآن منكب على إعداد تقريره حول الموضوع.
وخلص البلاغ إلى أن “السلطات المغربية، إذ ترفض رفضا باتا مضامين هذه الوثيقة والمواقف التي تبنتها المنظمة المذكورة، والتي تهدف إلى التشكيك في المنجزات الحاصلة في مجال البناء الديمقراطي وحقوق الإنسان، فإنها ترحب بكل مبادرة مسؤولة ترمي إلى المساهمة في تعزيز المقترحات النزيهة والإيجابية ذات الصلة بهذا الموضوع، والتي تهدف إلى ترسيخ المكتسبات ورفع التحديات المتعلقة بتعزيز حقوق الإنسان في أبعادها المختلفة”.