كشفت صحيفة «القدس العربي» أنها حصلت على تفاصيل «مجزرة التفنيشات» التي تشهدها مجموعة «أم بي سي» السعودية وقناة «العربية» الإخبارية منذ أسابيع، حيث استغنت المجموعة عن عدد كبير من العاملين، إلا أنها تتبنى استراتيجية «التقسيط» وليس «التفنيش بالجملة» حيث يتم توزيع التسريحات على فترة زمنية أطول ولم تكن دفعة واحدة كما حصل العام الماضي.
وبحسب المصدر ذاته، فقد طالت التسريحات كافة الأقسام في قنوات «أم بي سي» وقناة «العربية» الإخبارية، حيث تم الاستغناء عن عشرات العاملين في القنوات المختلفة التابعة للمجموعة بمن فيهم عاملون في المكاتب الإقليمية والمراسلين، إضافة إلى صحافيين وفنيين وعمال من مختلف المستويات.
ومن المعروف أن مجموعة «أم بي سي» السعودية كانت قد تأسست في لندن في بداية التسعينيات من القرن الماضي، قبل أن تنتقل إلى دبي في دولة الإمارات وتبث من هناك، أما قناة «العربية» فتأسست في العام 2003 ضمن المجموعة نفسها كقناة إخبارية، إلا أن المعلومات غير المعلنة تشير إلى أنها انفصلت في العام 2012 أو العام 2013 بشكل كامل عن «أم بي سي» وأصبحت شركة مستقلة، وإن كانت لا تزال تبث من دبي وترتبط بشكل أو بآخر مع مجموعة «أم بي سي».
وأصبحت مجموعة «أم بي سي» تضم عدداً كبيراً من القنوات التلفزيونية ومواقع الانترنت في الآونة الأخيرة، وهي مملوكة لامبراطور الإعلام في السعودية وليد آل ابراهيم، وهو أحد أنسباء العائلة الملكية في البلاد.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي» فان قناة «العربية» استغنت عن عدد كبير من العاملين خلال الأيام القليلة الماضية، حيث طالت التسريحات مدير البرامج وأحد أقدم الصحافيين العاملين في القناة وهو اللبناني أنطوان عون، كما طالت صحافيين أردنيين وفنيين وغيرهم، بمن فيهم عمال من المستويات الوظيفية الأدنى.
أما السياسة التي تعتمدها قناة «العربية» ومجموعة «ام بي سي» في عمليات تسريح الموظفين فتقوم على «التقسيط» أي تجنب الصرف الجماعي للموظفين واعتماد تبليغ شخص واحد أو اثنين كل يوم أو يومين، وهو ما جنب القناة وإدارتها التفات وسائل الإعلام لما يجري في الداخل، لكنه في الوقت ذاته أوجد داخل أروقة «أم بي سي» حالة من الرعب الكبير والقلق اليومي لدى كافة الموظفين، حيث بات كل منهم مهدداً أن يتم تبليغه في أي لحظة بإنهاء خدماته.
وتقول مصادر داخل القناة لـ«القدس العربي» إن التسريحات المقسطة بدأت في قناة «العربية» وقنوات «أم بي سي» بعد انتهاء عطلة العيد مباشرة، كما يتوقع أن تستمر لعدة أسابيع مقبلة، وتأتي استمراراً لمجزرة «التفنيشات» التي بدأت العام الماضي من أجل التخلص من الموظفين أصحاب الرواتب المرتفعة وتقليص النفقات والحد من الهدر المالي، فيما يبدو أن الأزمة مع قطر أيضاً لعبت دوراً في الأزمة المالية لقناة «العربية» حيث استنزفت الملايين من موازنة القناة خلال الشهرين الماضيين.
وأضافت المصادر إن التسريحات طالت مؤخراً أيضا العاملين في مكتب «بيروت» ومكتب القناة في العاصمة الأردنية عمان، حيث تم تسريح واحد على الأقل في الأردن، وعدد آخر من مكتب بيروت، ويسود الاعتقاد أن الحملة ستطال مكتب لندن الذي هو أحد أكبر المكاتب التابعة للقناة، خاصة وأنها أرسلت المذيعة ريما مكتبي إلى بريطانيا للعمل كمراسلة بعيداً عن المكتب ومديره والعاملين فيه.
أما العاملون في مكتب بيروت فتلقى عدد كبير منهم رسائل بالبريد الالكتروني تبلغهم بالاستغناء عن خدماتهم مع بيان المستحقات المالية المترتبة لهم والتعويضات التي ينص عليها العقد الموقع بين المحطة والعاملين فيها.
وقال بعض العاملين الذين تم تسريحهم في بيروت إن المسؤولة الإدارية في المكتب أبلغتهم أن «لا لائحة ستصدر بأسماء المصروفين، ولا داعي للكلام عن ذلك في الإعلام» وذلك بعد أن منعتهم من الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر التي يستخدمونها والوصول إلى محتوياتها أو نسخ أي من مضامينها بما فيها الملفات الشخصية والمعلومات المتعلقة بهم.
ويسود الاعتقاد داخل قناة «العربية» أنه تجري حالياً عملية إعادة هيكلة شاملة للقناة وإعادة تموضع للموظفين، حيث سيتم توجيهها أكثر نحو الشأن السعودي والتركيز على المشاهد داخل المملكة من أجل دعم الأمير محمد بن سلمان إعلامياً، خاصة في ظل القرارات المتتالية التي يجري اتخاذها في البلاد منذ إقرار «رؤية السعودية 2030» حيث بات الشارع السعودي هو الهدف الأكبر والأهم للقناة، في ظل غياب أي تأثير للقنوات الرسمية السعودية بما في ذلك قناة «الإخبارية» التابعة للتلفزيون السعودي.
وتأتي هذه الأنباء بعد نحو عام ونصف العام على موجة إنهاء خدمات شهدتها القناة وطالت نحو 40 من العاملين، ومن بينهم صحافيون عملوا منذ تأسيسها في العام 2003 وشملت الأسماء حينها ناصر الصرامي المتحدث باسم القناة، وغالب درويش أحد المسؤولين عن موقعها الإلكتروني، والمذيعة نيكول تنوري، ونجيب بن شريف مدير المراسلين السابق في القناة، وهاني نسيرة، إضافة إلى عدد آخر من الموظفين.
ويقول بعض المقربين من قناة «العربية» إنها أصبحت منذ نحو عامين مملوكة بشكل كامل للحكومة السعودية بعد أن كانت مملوكة للشيخ وليد آل إبراهيم، وأصبحت تحت سيطرة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، مشيرين إلى أن عمليات إعادة الهيكلة قد تكون مرتبطة بهذه التغييرات في الملكية.
يُذكر أن «العربية» قامت بإغلاق مكتبها في قطاع غزة، وتسريح جميع العاملين فيه بشكل مفاجئ، كما أغلقت مكتب بيروت في أول شهر نيسان/أبريل من العام الماضي وسرَّحت جميع الموظفين العاملين فيه دون سابق انذار.
يشار أيضاً إلى أن قناة «سكاي نيوز عربية» المملوكة لحكومة أبوظبي وتبث من مدينتها الإعلامية تشهد حالة من القلق في أوساط الموظفين أيضاً، وذلك بعد أن تم تسريح رئيس القسم الاقتصادي ومعه أحد العاملين في القسم وتعيين مذيعة بدلاً منه في المنصب في حالة نادرة الحدوث بالوسط الإعلامي، كما تم تسريح عدد آخر من العاملين في أقسام أخرى.
وطردت «سكاي نيوز عربية» رئيس قسم الاقتصاد مارون بدران بعد بث تقرير تلفزيوني توقع أن تضطر الحكومة السعودية لتعويم الريال بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمملكة، ليصبح مصير الريال السعودي كمصير الجنيه المصري، أي الانهيار أمام العملات الأجنبية، وهو ما أثار غضباً واسعاً في الرياض وأبو ظبي تمت ترجمته بتسريح رئيس القسم الاقتصادي وإبعاده فوراً عن أراضي الإمارات.
وتخشى أعداد متزايدة من الموظفين والصحافيين في «سكاي نيوز عربية» من فقدان وظائفهم بسبب قناعة داخل أروقة القناة وفي أوساط الموظفين بأن الإدارة غير راضية عن الأداء في الأزمة مع دولة قطر، وأن القناة لم تنجح في تقديم شيء مميز للإمارات خلال الأزمة كما لم تنجح في التأثير في الرأي العام.