مثلما تشرحه التعريفات اللغوية الاصطلاحية، فـ”الهرطوقي” هو كل مبتدع في الدين أو الفكر أو السياسة بإدخال معتقدات جديدة عليها أو إنكار أجزاء أساسية منها بما يخدم الطرح الذي يحتضن مصلحته. وحيث أننا نختص بالحديث السياسي، وبعد التمعن في مقال الأمين العام المستقيل إلياس العماري، لا بد أن ينفعل القارئ أمام هول خرافة “السي الهرطوقي”، كيف لا؟! وإلياس ينفث سموم ما بعد الاستقالة بابتداع هرطقة “الحوار الفاشي للقيادات الحزبية الشعبوية”.
عذرا، لكنْ عن أي حوار يتحدث هذا المسؤول المستقيل؟ ربما يؤسس السي الهرطوقي لإنجاح فعاليات “الحوار الحزبي للتهرب من المسؤولية السياسية “، حوار يجمع كل قادة الأحزاب الفاقدة للثقة والمصداقية، ويتم توسيعه بدعوة باقي أبواق العدمية والرجعية الرافضة للدستور. وسيشكل الحوار “حدثا معرفيا كبيرا” يرعى التقاطبات الظاهرة لمحاور الصراع، التي تنبني جميعها على مبدأ معالجة الخطأ بخطأ أفظع. ففرعون “العدالة والتنمية” عبد الإله بنكيران يعالج أخطاءه المتسارعة بخطأ التشبت بوهم “الكرسي” وتفصيل قوانين التمديد، في خرق سافر للديمقراطية الحزبية ومبدأ دوران النخب. والسي الهرطوقي يعالج أخطاءه مع الديمقراطية داخل جهته وعصبته الحزبية بخطأ تفجير المشروع الحداثي المغربي. لكنّ ما يغيب عن نجوم التسلط الحزبي أنهم بصدد تقويض أركان ما اصطلح عليه الخبراء العارفون بالطريق الثالث “الأنموذج المغربي”، لأن العبث السياسي للقيادات الحزبية الشعبوية وسلوكها اللاعقلاني في استيعاب ماهية التحول الديمقراطي هما منبع الإفلاس الحقيقي للمنظومة الحزبية، وهما من رفعا وتيرة الأزمة لتتوسع بشكل مريب.
فمهلا يا السي إلياس الهرطوقي؟
يجب أن تتذكر أنك منذ مدة قصيرة جدا استقلت من منصبك الحزبي لأنك فشلت، والدراسات والأبحاث العلمية الطبية المعاصرة تنصح بعدم الاهتمام بردود أفعال الفاشلين حديثا، لأن آثار الصدمة تتطلب مدة غير وجيزة من حصص علاجية، متطورة أو ذاتية. وبالتالي فطرح سؤال من يمتلك حل الأزمة؟ هو طرح تضليلي، والصيغة الأمثل هي: من ينقذ إلياس من الإفلاس؟ أما الأزمة فلها مؤسسات دستورية قمينة بحلها إذا تفضلت “النخب الفاشلة والقيادات الحزبية الشعبوية” بتقبل نتائج التحقيق في أخطائهم وعدم السعي إلى الإفلات من العقاب.
وحيث أن الفاشل بالفاشل يذكر، فلا بد أن نحيط “السي القرموطي” علما بأن من بين الفاشلين نجد ذاك المثقف “المستقيل” أو “المقال”، فكلاهما ليس بالأملس، ذاك المثقف المريد عند شيوخ “الثقافة العالمة” والذي يدافع عنه السي الهرطوقي بالقول إنه ضحية تقلبات الصراع على السلطة. وتناسى السي الهرطوقي أن الأضواء البراقة الكامنة في الأجوبة الصغرى تبعث فقط على الزهو الفارغ والنرجسية القاتلة التي تعيش هالتَها “نخب الثقافة العالمة” وتبني عليها مظلوميتها، بل تسميها اغترابها بتلذذ مفرط داخل الشرنقة الخلابة، وبين ثنايا ثقافتها “العالمة” تخفي عجزها واتكالها. تماما مثلما يتلذذ الداعية، الفقيه المفتي، بنصوص العتاقة وفصاحتها ليخفي عجزه وخوفه من فتح باب الاجتهاد. ثم ينضم المثقف والداعية معا الى خانة “العقل المستقيل” ويفتحان المحيط العام على المجهول السياسي في مسرحية التنابز بالألقاب.
فالعقل -يا معشر اللاعقلاء- يقودنا للتنبيه إلى أن فشل الاحزاب في عقد مؤتمرات استثنائية لترميم أوضاعها الداخلية المترهلة واستعادة الثقة المؤسساتية والمصداقية الشعبية والأهلية القانونية، هذا الفشل تحول إلى سبيل “التنفير السياسي” للشباب من أمل التغيير من داخل الاستمرارية (الطريق الثالث). فسلوكات النخب الحزبية العبثية العابثة -بطرفي صراعها- هي دليل ملموس على أن ثقافة التأويل السياسي الخرافي مازالت راقدة في الماضي، ولا يمكن أن تساير وتواكب تطلعات وانتظارات المستقبل. فمتى يدرك السي الهرطوقي أن الكتلة الثقافية الناشئة للشباب تؤسس لتعاقد الحاضر مع المستقبل؟!