محمد الشمسي*
لم يكد المحامون يبلعون واقعة هجوم السلطة على مكتب زميل لهم بالدارالبيضاء، واقتحامه وشحن ملفاته في شاحنة من طرف عمال النظافة والتوجه بها صوب أقرب مزبلة، حتى وقع اعتقال محام آخر بخريبكة بسبب مكالمة هاتفية له مع أحد رجال السلطة تضمنت كلاما فاحشا، فاعتقل المحامي، دون معاقبة المشتكي الذي تعمد نشر مضمون مكالمة هاتفية خاصة ضدا في قانون يشاع أنه جاء ليحمي الخصوصيات، ثم اعتُقل محام بطنجة الأسبوع المنصرم تقدم للتبليغ عن سرقة تعرض لها في الشارع العام، فإذا به يودع في”الجيول” بعد احتجاجه على ما لقيه من تراخ وتكاسل داخل الدائرة الأمنية، وقبل ذلك اعتقل محام بالرباط بسبب تسجيل على الفيسبوك يوجه فيه نقدا لواقع معين، فأغاظتهم العبارات المستعملة ولم يهتموا لحال موضوع النقد، إلى نهاية هذا الأسبوع ( السبت والأحد 28 و 29 نونبر 2020) الذي جرى فيه اعتقال محام بهيئة الدارالبيضاء (مدينة بنسليمان)، بتهمة احتجاز و إهانة موظف عمومي، وأحيل المحامي على الوكيل العام للملك باستئنافية الدارالبيضاء، قبل أن يتم الأمر بإرجاع الملف للمحكمة الابتدائية ببنسليمان باعتبار الفعل موضوع الشبهة يشكل جنحة….
ما الذي يجري فعلا؟….وكيف تكون وزارة الداخلية هي الخصم في كل هذه القضايا؟ تارة هي المعتدية ( قضية الهجوم على مكتب المحامي بالدارالبيضاء تحت ذريعة إفراغ عمارة آيلة للسقوط وتنفيذ قرار إداري وقعه العامل ورئيس المقاطعة)، وتارة تكون الضحية؟، هل هي أحداث معزولة وإن تواترت وتكررت حد الشبهة؟، أم هو “دخان محرقة المحامين” يوحي أن القادم أسوأ؟…
تأتي هذه الأحداث وهيئات المحامين على وشك خوض انتخابات مجالس هيآتها تحت رحمة شبح كوفيد 19، وتأتي ومهنة المحاماة تلعق جراح مخلفات هذا الوباء على الممارسة المهنية لجل المكاتب التي توشك على الإفلاس في صمت، وتأتي ومشروع القانون المنظم للمهنة تحت مجهر النقاش والتداول حيث تصر وزارة العدل على وضع المحامين تحت جلبابها لترسم لهم تصميم قانون مهنتهم، وتأتي و مقتضيات المادة 9 من القانون المالي قد راوغت الدستور وداست أحكاما قضائية سلك المحامون كل درجات التقاضي بشأنها، ليجدوا أن الدولة ومؤسساتها فوق تلك الأحكام، كما تأتي في زمن “الحرب الباردة” ما بين مكاتب المحامين وإدارة الضرائب، و”الهدنة الهشة” التي أبرمها الطرفان، وتأتي في زمن تحاول فيه الدولة تنشيط دورة تشغيل أطرها، برميهم آلافا مؤلفة في أحضان مهنة أرهقها التفريط حد الترهل فلم تعد قادرة على استيعاب كل أبنائها وبناتها ، فأنتجت فوجا من “المحامين العاطلين عن العمل”….
عندما نعود للمبادئ الأساسية بشأن دور المحامين التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا في 7 شتنبر 1990 وقبلها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومعه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل هذه المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والأممية تحث الحكومات والدول على احترام المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين وتحصرها في قرابة 30 حقا للمحامين في رقاب حكومات بلدانهم و دولهم، أبسطها أن الحكومات تكفل للمحامين القدرة على أداء وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق، وأن للمحامين الحق في حرية التعبير والمشاركة في المناقشات العامة المتعلقة بالقانون وإقامة العدل وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها والانضمام إلى المنظمات المحلية أو الوطنية أو الدولية أو تشكيلها ….والقائمة طويلة…
وعندما نطلع على الثلاثين حقا من حقوق المحامين على حكوماتهم ودولهم، ونستحضر هذا الواقع الكئيب الذي يعيشه المحامون والمحاميات في المغرب، يبرز احتمالان، إما أن الدولة تكفر بتلك المواثيق، أو أن الدولة تكفر بالمحاماة، فتلوح في الأفق أكبر المرافعات التي تنتظر المحامين، مرافعة استرجاع الحقوق والكرامة والهيبة والوقار والعزة، لمهنة وضعتها المواثيق الدولية أمانة لدى الحكومات، وتاجا يرصع أعتى الديمقراطيات، فلا حقوق إنسان في دولة تضع محاميها رهن الاعتقال ولا تبالي، إنها مرافعة لإخماد نيران “محرقة المحامين”.
*محام بهيئة المحامين بالدارالبيضاء