محمد الشمسي*
ظل القاسم المشترك لجميع الأخبار المتواترة بخصوص واقعة اعتقال الأستاذ منتصر بوعبيد المحامي بهيئة المحامين بالدارالبيضاء والحقوقي رفقة شقيقيه تتأرجح بين انعدام المصداقية الناتج عن عدم الاطلاع على الواقعة، وبين الحماسة الزائدة لدى البعض لتجهيز المقصلة للمحاماة والمحامين، فمن قائل أن الأشقاء الثلاثة كانوا في حالة سكر ويعربدون في الشارع وأن الجيران هم الذين استغاثوا بالشرطة، وبين قائل بأن الأشقاء الثلاثة احتجزوا ضابطا أو مفتش شرطة، وبين متضامن مع مؤسسة الأمن الوطني ضد الأشقاء، وبين مناد بقطع رؤوس المحامين جملة وتقسيطا…ولتنوير الرأي العام نورد الرواية الرسمية كما جاءت في محضر الضابطة القضائية الذي كان محرره خصما وحكما في نفس الوقت، إذ هو من زعم أن المحامي وشقيقية احتجزاه وعنفاه وهو في نفس الوقت من تكلف بتحرير المحضر، ليظهر جليا بعض من المساحات المظلمة في قضية “نبحت حولها كلاب كثيرة”…
المحامي والضابط : جوار متوتر في ليلة الرعب
لم يكد يقيم المحامي منتصر بوعبيد بالطابق السفلي بإحدى العمارات بحي القدس ببنسليمان حتى انبرى جاره المقيم بالطابق الأول ليرفض إقامة المحامي بينهم الذي لم يشفع له زواجه الحديث في كسب ود الجار والذي لم يكن غير ضابط شرطة يعمل بسلك الأمن الوطني ببنسليمان، فشبت نيران خافتة في علاقة الجارين يستأنس كل واحد في نفسه أنه صاحب الحق…
لذلك وبتاريخ 27 نونبر 2020 وعلى الساعة منتصف الليل إلا ربع، وبينما المحامي في شقته رفقة شقيقيه يتبادلون أطراف الحديث، سمعوا طرقات قوية ومتواصلة على باب الشقة ليفتح المحامي فيجد في وجهه رجلا بزي مدني أخبره أنه ضابط دون أن يكشف له عن أية وثيقة تؤكد صفته، ونقل إليه أنه جاء بعد شكاية لأحد الجيران، واتضحت الرؤية حين لمح المحامي جاره ضابط الشرطة رفقة ابنه (22 سنة) وزوجته يقفون الى جانب الضابط المداوم طارق الباب، وطلب الضابط ولوج شقة المحامي لإجراء معاينة وهو ما دفع المحامي الى طلب إذن من النيابة العامة لتفتيش منزله، وهنا اتخذ النقاش مسارا آخر، فقد كان في خارج العمارة شرطيان هرعا لدعم زميلهما خاصة بعد ان تبين للمحامي ان من حضر من رجال الأمن جاؤوا لمحاباة جاره الضابط وأنهم قرروا إزعاجه خارج القانون، وحين شدد المحامي للاطلاع على إذن النيابة العامة حاول الضابط جر المحامي خارج الشقة في حين هب الشقيقان لجر شقيقهما الى الداخل فتدخل الشرطيان من خارج العمارة ونتج عن التدافع إصابة أحد الشقيقين على يد شرطي وسقط الشقيق مغمى عليه وحين وجد الجار المشتكي والذي هو في نفس الوقت ضابط شرطة نفسه قد أقحم زملاءه في قضية قد تسير بهم نحو المجهول، تدخل ابنه الذي كان يرافقه ليقترح علنا على الضابط ورفاقه من الشرطة بان يدعي انه نزل ضيفا عندهم وان المحامي هو من اعترض طريقه
تيقن المحامي ان من طرقوا بابه لم يحضروا بصفتهم الرسمية بل جاؤوا لدعم زميلهم في العمل الذي هو الضابط الجار.
الضحيتان شرطي وضابط بروايتين متناقضتين
يروي شرطي أنه التحق بعمله ليلة 27 نونبر 2020 تحت إشراف الضابط المداوم وانه حوالي منتصف الليل تقدم الى مصلحة الديمومة مواطن يرغب في تسجيل شكاية بشان الضجيج الليلي ولم يكن هذا المواطن غير زميلهم في العمل ضابط الشرطة جار المحامي فتم تدوين شكايته وقرر الضباط المداوم الانتقال رفقة المواطن المشتكي الذي هو الضابط جار المحامي للتدخل وبعد وصولهم الى العمارة يقول الشرطي وعلى مستوى الطابق السفلي حيث يقطن المحامي سمع ضحكا ورأى الأضواء مشتعلة، وطرق الضابط المداوم باب شقة المحامي الذي فتح الباب واحتج على حضور الشرطة لمحاباة جاره الضابط ورفض المحامي إزعاجه وهو آمن في بيته رفقة شقيقيه وثار نقاش بين الطرفين كل واحد يرى الأمور من زاويته، وتدخل شقيقا المحامي وعنفا الشرطي حسب قوله دون أن يعزز هذا العنف بأي شهادة طبية، وأغلقوا باب العمارة حسب قوله إلى حين قدوم الشرطة القضائية للتأكد من واقعة حضور الشرطة بشكل غير رسمي واستغلال مناصبهم لدعم زميلهم الضابط الجار.
وفي هذه الأثناء طلب الضابط المداوم الدعم وحضر عدد من العناصر الأمنية لعين المكان ثم حضرت العناصر الليلية كما حضرت سيارة الإسعاف التي نقلت شقيق المحامي المصاب نحو المستشفى في حين تم اعتقال المحامي وشقيقه المتبقي في انتظار اعتقال الشقيق الثاني بعد ثبوت خلوه من أي إصابة تشكل خطرا عليه.
وختم الشرطي انه تعرض هو بدوره شانه شان الضابط المداوم للعنف من طرف المحامي وشقيقيه مشددا على المتابعة.
لكن الضابط المداوم يروي رواية تكاد تكون مخالفة تماما لما رواه الشرطي فيقول انه بتاريخ 27 نونبر 2020 كان يعمل في الديمومة رفقة مفتش شرطة وانه اشعر من طرف المواصلات بضرورة الانتقال إلى حي القدس قصد إغاثة مواطن يشكو من ضجيج ليلي ( دون أن يذكر الضابط المداوم مهنة هذا المواطن ودون أن يذكر واقعة تسجيل المواطن لشكايته بمصلحة الديمومة كما صرح بذلك الشرطي مع فارق بين في التوقيت بين تصريحات الشرطي وتصريحات الضابط)، وزاد الضابط المداوم انه كلف فرقة النجدة بالاطلاع على المكان حيث يوجد الضجيج المزعوم وان النجدة أخبرته بوجود ضجيج (دون أن يوضح وسيلة الاتصال التي اتصل بها مع فرقة النجدة هل باللاسلكي أم بهاتفه الشخصي)، لذلك قرر الضابط المداوم الانتقال شخصيا بصفته ضابطا للشرطة القضائية وانه كان مرفوقا بالشرطي وبالمواطن الذي يشكو من الضجيج والذي لم يكن غير الضابط جار المحامي وانه قام بطرق باب شقة المحامي وزاد الضابط المداوم ان المحامي استنكر قدومه لطرق بابه بين تصريحات الشرطي لمحاباة زميله لكن الضابط لم يذكر سبب زيارته لشقة المحامي وما كان يعتزم القيام به هناك وأضاف انه دفعه وحاول إدخاله الى شقته بالقوة وان المحامي أغلق باب العمارة حينها أشعر الضابط المداوم قاعة المواصلات لطلب الدعم هاتفيا على اعتبار ان الجهاز اللاسلكي تعذر التواصل به كون الشبكة كانت خرج التغطية (لماذا ربط الضابط المداوم الاتصال بقاعة المواصلات بواسطة هاتفه النقال ولم يربط الاتصال بها بواسطة جهاز اللاسلكي؟ هل يمكن ان يكون جاهز اللاسلكي خارج التغطية؟، هل هناك محاولة لعدم ترك أثر عند الاتصال بجهاز اللاسلكي باعتبار الانتقال الى شقة المحامي كانت غير رسمية؟…).
الخصم والحكم:
يذكر ان الضابط المداوم الذي يتهم المحامي بتعنيفه هو من تكلف بإنجاز محضر الواقعة، ووجه تهمة ثقيلة للمحامي وشقيقيه تتمثل في جناية الاحتجاز واتهامهم بأنهم كانوا في حالة سكر الشيء الذي نفاه المحامي وشقيق من شقيقيه، مؤكدين أن شقيقهم الثالث هو من احتسى جعتين فقط وخارج الشقة، وأحيلت المسطرة على الوكيل العام بمحكمة الاستئناف لكون التهمة الموجهة للمحامي هي جناية الاحتجاز لكن الوكيل العام للملك أعاد المسطرة للمحكمة الابتدائية لكون الأمر يتعلق فقط بجنحة إهانة موظفين عموميين.
قررت المحكمة استدعاء مصرحي المحضر مثلما قررت استدعاء الضابط المداوم والشرطي الذي زعما أنهما كانا ضحية عنف المحامي وشقيقيه، ووحدها المحكمة يمكنها الوقوف على الحقيقة بعيدا عن مظاهر التبعية والرئيس والمرؤوس …
وقبل أن نطوي سجل الرواية نطرح الأسئلة التالية:
منذ متى تتدخل الشرطة عند انبعاث ضجيج من شقة ؟، ولماذا لا تحضر الشرطة لتوقيف الأعراس المقامة في الشوارع العامة؟، وكم أنجزت شرطة بنسليمان من تدخل مماثل في المدينة؟، وما هو الإجراء الذي تقوم به الشرطة وهي تعاني ضجيجا؟، هل تكتفي بتنبيه صاحب الضجيج أم تقوده إلى مصلحتها لتحرير محضر بذلك؟، وهل تنتقل الشرطة مع اي مواطن قصدها للشكاية بوجود ضجيج ينبعث من بيت جاره، أم أنها منحت هذا الاستثناء للضابط جار المحامي؟، ولماذا تناقض الضابط المداوم مع الشرطي في التصريحات كما في التوقيت، علما أن الضابط المداوم هو من أنجز وحرر المحضر؟، وأخيرا لقد تم إجراء معاينة على المحامي في قلب الدائرة الأمنية لمعاينة واقعة تعرضه لأي اعتداء، وجاء التقرير سلبيا في وجود أي اعتداء فلماذا لم تتم الإشارة إلى وجود سكر على المحامي؟….
*محامي بهيئة الدار البيضاء