نشر بشراكة مع dw عربية
عودة الرئيس عبد المجيد تبون المرتقبة للجزائر، بعد فترة علاج طويلة بألمانيا، تطرح معها أسئلة صعبة ليس فقط بشأن حقيقة وضعه الصحي بل على ملفات ساخنة تنتظره في قصر المرادية، وسط حديث عن “مؤامرة”.
عودة الرئيس عبد المجيد تبون إلى الجزائر مسألة أيام، بحسب الرئاسة الجزائرية التي خرجت عن صمتها وقالت إنه يتعافى وبصدد إنهاء فترة نقاهة، في أول إعلان رسمي من نوعه عن الحالة الصحية للرئيس منذ نقله قبل شهر للعلاج بألمانيا.
وبقدر ما تثير حالة الرئيس الجزائري الصحية من فضول وتساؤلات، فان عودته تتزامن مع أجواء صعبة تعيشها البلاد سواء على الصعيد الداخلي أو في علاقات هذا البلد المغاربي الخارجية.
وضع صحي غامض
الرئيس عبد المجيد تبون الذي أطفأ شمعته الخامسة والسبعين وهو على فراش المرض في ألمانيا، كان قد نقل قبل شهر إثر إصابته بفيروس كورونا. لكن تقارير عديدة تفيد بأنه خضع لعمليات جراحية عدة، وهو ما حتّم بقاءه فترة أطول مما كان متوقعا عما يفترض في حالة الإصابة بكورونا. ويرجح بعد عودته للبلاد أن يستمر تحت رعاية خاصة، وهو ما يثير في الجزائر وخارجها تساؤلات حول مدى قدرته على ممارسته مهامه الرئاسية على الوجه الأكمل.
وقد ذهبت بعض وسائل الإعلام والمحللين في الجزائر إلى إعادة طرح سيناريو تطبيق المادة 102 الشهيرة في الدستور الجزائري، الخاصة بإعلان حالة الشغور إذا استحال على الرئيس ممارسة مهامه. ويعيد الجدل حول هذه المادة في البلاد كابوس نهاية حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعدما أصيب بجلطة دماغية واستمر بعدها ست سنوات في الحكم حتى عزله إثر احتجاجات واسعة في البلاد.
وكيفما كانت حالة الرئيس تبون الصحية في يوم الثاني عشر من ديمسببر كانون الأول الذي يصادف مرور سنة على انتخابه، فان وضعه الصحي ليس وحده ما يثير تساؤلات المحللين، بل طرحت في الأيام الأخيرة قضايا عديدة داخلية وخارجية تلقي بظلالها على مستقبل الأوضاع في أكبر بلد مغاربي.
في مقدمة الملفات التي تنتظر عودة الرئيس تبون في قصر المرادية بالجزائر، ملف التوقيع على التعديلات الدستورية التي أجري عليها استفتاء بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني في ظل جائحة كورونا وفي غياب الرئيس ووسط دعوات المعارضة للمقاطعة، وكانت نسبة المشاركة والتصويت عليه من أضعف نسب المشاركة في تاريخ البلاد (23,7%).
ورغم رهانات نظام الحكم على التعديلات الدستورية وانتخاب الرئيس تبون، كمخرج من المأزق السياسي الذي دخلته البلاد منذ عامين تقريبا، فان صفحة الحراك الشعبي لا يبدو أنها طويت رغم حملات التضييق عليه تحت طائلة الطوارئ الصحية بسبب كورونا.
وتواجه الجزائر سلسلة انتقادات من منظمات حقوقية ودولية ومن البرلمان الأوروبي، على خلفية الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان عبر محاكمة العشرات من نشطاء الحراك والتضييق على حرية الصحافة. وأحدث تلك الانتقادات صدرت عن منظمة مراسلون بلا حدود على إثر قيام السلطات بحملة حجب لمواقع إعلامية مستقلة. فيما تنتظر الطبقة السياسية الجزائرية إصلاحات في قوانين تنظيم الأحزاب والجمعيات والإعلام.
ويكمن الخلاف بين نظام الحكم وقوى المعارضة والحراك الشعبي، في أن ما يعتبره نظام الحكم تطبيعا للوضع السياسي بعد انتخاب الرئيس والاستفتاء على التعديلات الدستورية، لا يتجاوز، برأي المعارضة، كونه محاولة من النظام لاحتواء مطالب الحراك الشعبي، التي ما تزال مفتوحة، رغم “هدنة الشارع” التي فرضتها جائحة كورونا. ويطالب الحراك بتغييرات جذرية في النظام والاتفاق على عملية انتقال ديمقراطي تمهيدا لإقامة الجمهورية الثانية
“وصية” الجنرال قايد صالح
يبدو أن ترتيبات نظام الحكم بأن يكون الاستفتاء على تعديلات الدستور التي منحت لأول مرة دورا في الخارج للجيش، وتصفية تركة الرئيس المعزول بوتفليقة عبر محاكمات تاريخية لرموز حكمه وضمنهم قادة أمنيون وعسكريون، (هذه الترتيبات) لا تصمد حاليا بسبب مياه عديدة سرَت تحت جدران المشهد السياسي الذي رُتّب إثر عزل الرئيس بوتفليقة.
قائد الجيش رئيس الأركان السابق أحمد قايد صالح، الذي أُعلن في نهاية العام الماضي بأنه توفي بسكته قلبية عن عمر ناهز الـ 80 عاما، نُسبت إليه وصايا أدلى بها قبل وفاته، وتتعلق بـ”الحفاظ على الجيش” وتطهير البلاد من الفاسدين، في إشارة للقادة العسكريين والأمنيين الذي أدينوا ضمن سلسلة محاكمات تاريخية في قضايا “فساد واستغلال السلطة والتآمر على سلطتي الدولة والجيش”، وضمنهم رئيس المخابرات الأسبق الجنرال محمد مدين الملقب بـ”توفيق” والجنرال عثمان طرطاق، بالإضافة إلى سعيد شقيق الرئيس المعزول.
ومحاكمة رموز نظام بوتفليقة كانت بمثابة التزام من المؤسسة العسكرية، العمود الفقري في النظام السياسي في البلاد، بإحدى أهم مطالب الحراك الشعبي. لكن لم تمض بضعة أشهر على رحيل قايد صالح، حتى بدأت تظهر تسريبات عن صفقات بين بعض أجنحة النظام و”قوى خارجية”، لمراجعة الأحكام القضائية الصادرة في ملفات الفساد والتآمر على الدولة والجيش، تمهيدا لإخراج المتورطين فيها من السجن. وتزامنت هذه التسريبات مع قرار القضاء العسكري باستئناف الأحكام الصادرة في هذا الملف، دون تحديد موعد جديد لجلسة المحكمة.
وفي مشهد غير مألوف بالجزائر، شهدت الأشهر القليلة الأخيرة، خرجات إعلامية متتالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمسؤولين سابقين في المخابرات يتحدثون عما يصفونه بـ”ضغوط” تمارس على الرئيس تبون لتمرير صفقة الإفراج عن “العصابة”؛ وهي عبارة يُرمز بها في الشارع ووسائل الإعلام بالجزائر للمتورطين من رموز نظام بوتفليقة في قضايا فساد وتآمر على الدولة والجيش. ومن شأن هكذا خطوة أن تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر في البلاد، كما تطرح برأي مراقبين أسئلة حول موقف قادة الجيش الجدد وعما إذا كانوا قد تخلوا عن “التزامات” قايد صالح.
هل تتعرض الجزائر لمؤامرة؟
وفي حملة مضادة من المسؤولين في النظام وبمن فيهم رئيس هيئة الأركان الجديد الفريق السعيد شنقريحة، يتحدثون عن “مؤامرة” تتعرض لها الجزائر. وقال الفريق شنقريحة، الأسبوع الماضي، إن بلاده تواجه “حملات مسعورة من قبل جهات معادية معروفة”، داعيا إلى بذل أقصى الجهود لتوحيد الصف الداخلي وإفشال كل “المخططات الخبيثة”.
وفي رد فعل غاضب على تقرير البرلمان الأوروبي بشأن أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، هاجمت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها من وصفتهم بأوروبيين لهم “عداء دفين ممتد للحقبة الاستعمارية”، وحذر البيان من تداعيات على العلاقات الأوروبية الجزائرية.
وعادة ما يُشار بصفة “جهات معادية” في القاموس الإعلامي والسياسي الجزائري، إلى المستعمر السابق فرنسا. ويتعرض الرئيس إيمانويل ماكرون في الأيام لانتقادات جزائرية حادة، لكن المفارقة أنه بات هدفا للمتخاصمين في المشهد السياسي الجزائري؛ فالموالاة للحكم يهاجمونه بسبب انتقاده للنظام الجزائري وانتهاكات حقوق الإنسان وتحذيره من سيناريو دولة جزائرية فاشلة، بينما تهاجمه المعارضة الجزائرية بسبب إشادته بالرئيس تبون وثنائه على “شجاعته”، في الوقت الذي لا يزال الرئيس الجزائري يلقى معارضة كبيرة في الشارع. واتهمت أحزاب معارضة ونشطاء في الحراك الجزائري، ماكرون بـ”التدخّل” في شؤون البلاد وباتّباع سياسية “نيوكولونياليّة” وبأنّه يظنّ نفسه مخوّلاً توزيع شهادات شرعيّة.
وليست فرنسا وحدها، التي تتعرض لحملة في وسائل الإعلام الجزائرية، فالمغرب الذي يصنف تقليديا في القاموس الاعلامي الجزائري ضمن “الجهات المعادية”، بدوره يتعرض لإنتقادات على خلفية دوره مؤخرا في واقعة الكركارات، حيث قامت وحدة من القوات المسلحة الملكية المغربية بإبعاد نشطاء تابعين لجبهة البوليساريو قاموا بعرقلة حركة تنقل الشاحنات والبضائع والسفر في معبر الكركارات بين المغرب وموريتانيا. وأعاد الخطاب السياسي والإعلامي الجزائري نبرته الحادة في التعاطي مع ملف الصحراء الغربية.
ولم تستثن بعض وسائل الإعلام الجزائرية، دولا عربية أعلنت تأييدها للخطوة المغربية، وفتحت قنصليات لها بمدينة العيون كبرى حواضر الصحراء، وخصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة، بل ذهبت بعض التقارير الجزائرية للحديث عن “مؤامرة” ضد الجزائر بسبب موقفها الرافض لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
ويرى مراقبون بأن تحذيرات بعض الأوساط الجزائرية من “مؤامرة” تتعرض لها البلاد، إنما هي أسلوب تقليدي يتم نهجه من أجل توحيد الصفوف الداخلية في مواجهة “العدو” المفترض، في وقت تواجه فيه البلاد استحقاقات وإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، ليس من الواضح أن هنالك رؤية للتغيير وبدائل للإجابة عنها، كما أن مؤشرات اقتصادية صعبة تخيم على البلاد في ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد، وانهيار أسعار مواد الطاقة من الغاز والبترول التي تشكل عائداتها نسبة 95 في المائة من الدخل القومي.
منصف السليمي