حاوره عبد الرحيم زياد
لاشك أن التهديدات الإرهابية، التي تشكلها التنظيمات المتطرفة في منطقة الصحراء الكبرى والساحل لا تخفى على أحد، وبعد العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية بمنطقة الكركرات لإعادة الأمن للمعبر، بعد الفوضى التي قامت بها عناصر البوليساريو، تفاعل التنظيم الإرهابي داعش مع الأمر في صحيفة نبأ الداعشية التي تحدثت عن منطقة الصحراء المغربية، في سابقة توحي بأنه ينظر لهذه المنطقة المغربية الاستراتيجية، كحقل محتمل لممارسة أفكاره المتطرفة والارهابية، لفهم هذا الاهتمام وهذا التحول كان لنا حوار مع الباحث المصري مصطفى زهران ،باحث في الحقل الدينى والتيارات الإسلامية، حول هذه العلاقة المبهمة التي تعطي إشارات يوما بعد اخر ومع كل مستجد، وحول نوع العلاقة بين البوليساريو وتنظيم داعش.
ماهي قراءتكم لموقف “تنظيم داعش” من التطورات التي شهدتها “منطقة الكركرات” مؤخرا والمتمثلة في سيطرة القوات المسلحة الملكية المغربية عليها؟
في الواقع لابد من الإشارة الى أن تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” بعد خسارته لمواقع هامة في الشرق الأوسط سنة 2017 في الرقة والموصل مني بخسارة كبيرة شهد خلالها انحسارا جغرافيا و تراجع عسكري وردة في أطروحته الفكرية التي سعى الى تأسيسها من خلال تطبيق منهجية الأرض والدولة والخلافة أو الثالوث الخليفة والخلافة والدولة، ومحاولة التأكيد على أن تنظيم داعش أصبح ينطلق من النظريات ومن فلك الرؤى والأطروحات الى الواقع الفعلي المتمثل في تأسيس دولة حقيقية على الارض، وبالتالي بعد هذه الردة والخسارة والتراجع كان التنظيم يبحث عن التأسيس لوجود دائم وفعلي على أكثر من صعيد خاصة من الناحية الإعلامية. ولعل التنظيم انتقل من القتال على الأرض إلى معركة الإعلام، وللأسف أنه حتى هذه اللحظة يعد التنظيم يعد التنظيم الأكثر بروزا وانتشارا في هذه المساحة عن غيرة.
وبالتالي كان لافتا في العدد الأخير من صحيفة النبأ الداعشية، وهي صحبفة أسبوعية يطلقها التنظيم باللغة العربية، تشتبك مع الواقع من حوله، بمعنى ان التنظيم يشتبك مع أحداث ومحطات وسياسات ومواقف هنا وهناك، وكان لافتا أن من بين هذه المواقف والرؤى كانت مسألة البوليساريو، وهي إشكالية حقيقية، لأن هذه القضية تخص المغرب العربي وتخص بشكل خاص الدولة المغربية، وتعتبر إشكالية كبرى لا زالت بين المغرب والجزائر ، ولعل تنظيم القاعدة الأقدم على تنظيم داعش وكان الأكثر قربا والتصاقا من المسألة، خاصة وأنه ينشط في هذه المساحات القريبة من منطقة الصحراء،الى أن تنظيم “داعش” ليحاول بشكل وأخر أن يشتبك مع هذه المسألة، واللافت أنه ومع مقاله الافتتاحي في صحيفة النبأ والذي جاء تحت عنوان “يقاتلون وراء بر وكافر” أنه قام بتفصيل وتفنيد وتفكيك المسألة أو القضية، قضية نزاع الصحراء من وجهة نظر داعش، وهي مسألة في غاية الأهمية، لأنها المرة الأولى نرى تنظيما جهاديا يسعى بشكل أو بآخر إلى الإشتباك مع هذه القية، فهو بداية يطلق صفة الطاغوتية على المغرب والجزائر ويصف البوليساريو بالمرتدين، وهي نقطة نتناولها حين نتحدث عن فك شفرات الإرهاب بشيء من الإستفاضة والإطالة، بأن جبهة البوليساريو تدخل في معجم “داعش” تحت تصنيف العلمانيين المرتدين، وهي نقطة هامة في التعامل مع مفردات وأفكار هذا التنظيم، فهي مفردة لم تكن متداولة من قبل، ولم تذكر جبهة البوليساريو في محطات سابقة لدى التنظيم، سواء كان في اعلامه او في ادبياته المختلفة، ومعنى ذلك اننا نجد بداية لاشتباك هذه التنظيم مع هذه الجبهة في الصحراء.
فيقول هذا التنظيم أن العلماء الذين تحتضنهم المغرب جعلوا المواجهة مع هذه الجبهة وكأنها جهاد في سبيل الله، وينتقد التنظيم هذه الدعوة وهذا القتال و ينتقد التنظيم هذه الدعوة وهذا القتال ويعتبره ليس جهادا وليس في سبيل الله .
ويقول في المقابل تنظيم البوليساريو (المرتد حسب وصفه) حشد بعض من ضلوا السبيل ولعبت برؤوسهم الحمية الجاهلية، ليخرجوا الفتاوى التي يجيزون فيها القتال في صفوف تلك الطائفة الكافرة، ويدعوا شباب الإسلام لقتال جيش الطاغوت (المغرب) تحت رايتها بدعوى أنه قتال لدفع الصاع، وقد بلغت بهم الفتنة أن يكتموا في فتاويهم حتى كفر وردة جيش المغرب.
إذن هذا التنظيم الإرهابي يرى في جيش المغرب بأنه كافر ومرتد، وأن قتاله قتال طائفة مرتدة، اللافت ان هذا التنظيم قد وضع جبهة البوليساريو وجيش المغرب في حكم فقهي واحد، وأضاف عليها الجيش الجزائري ومعلنا أن كل هؤلاء هو من المرتدين و من الطائفة المرتدة فوضعهم جميعا في سلة واحدة، وهو أمر لابد أن يؤخذ بعين الإهتمام والجد.
ثم في نهاية المقالة يؤكد التنظيم على ضرورة اجتناب هذه الطوائف والتي يصفها بطوائف الكفر والردة، وأنه لا ينتمي اليها ولا يقاتل في صفوفها ولا يخاطر بنفسه وأهله وماله في حروبهم، وان يجاهد الكافرين في صفوف اخوانه من جماعة المسلمين وأن يدفع نفسه الى غير ذلك.
ماذا تفيد هذه القراءة والتأمل في هذا النص الذي ظهر في صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 263 أنه يرى أن جميعهم كفار ومرتدين، لكنه يرى ان جبهة البوليساريو قد قامت بتحريك بعد الدعاة داخلها ليضفوا شرعنة ومسحة اسلامية على تحركات عسكرية لها في مواجهة الجيش المغربي، وهو أمر لافت، والا كيف يصف التنظيم هذه الجبهة بالعلمانية المرتدة وفي ذات الوقت يقول أنها تحاول أعضائها بنكهة اسلامية، بمعنى ان التنظيم يضع نصب اعينه التجمعات والكيانات وبعض الأفراد الذين لديهم حس ايماني داخل الجبهة ليتم استقطابهم بشكل وبأخر، ما يعني أن المعني بالرسالة داخل هذا المشهد، هم بعض الأفراد داخل التنظيم ومن تم تعبئة منهم واستمالتهم وتجييشهم بشكل يعود علىه بالنفع،فهو يحاول أن يخترق بشكل أوبأخر جبهة البوليساريو المتصدعة، والتي عايشت عقودا من العلمنة ربما قد تعايش تحولات موازية قد يسعى تنظيم “داعش” الى أن يستقطب بعض أفرادها.
كان فرع ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” في الصحراء الكبرى قد دعا في ماي 2016 إلى استهداف بعثة الأمم المتحدة في الصحراء، والسياح الغربيين في المغرب، حسبما أكده بيان صوتي منسوب لقائد الفرع “أبو الوليد الصحراوي “، إلى أي حد ترون أن تهديدات تنظيم “داعش” سارية وقائمة ؟
ـ لاشك أن تنظيم داعش في الصحراء الكبرى او في غرب افريقيا وفي دول الساحل اصبح يشكل خطرا كبيرا على شريط الساحل، بعد ان أرسى واسس لولاياته الجديدة هناك بعد خسارته في المشرق، وبالتالي بات داعش ينافس تنظيم القاعدة في هذه المناطق، وأصبح قادرا على أن يقيم حكما أشبه بما كان يحدث في الرقة والموصل، وبالتالي فالتهديدات في هذه المنطقة اصبحت حقيقية،ولم يستهدف بعثات الأمم المتحدة فقط، ولكنه يستغل الفراغ الناجم عن تفشي الفساد وتراجع منطومة الأمن وارتباك أنظمة الحكم في هذه البقعة الجغرافية، ليقدم نموذج بديل متمثل في خلافته، وما يفسر ذلك ويؤكد عليه تصاعد وتيرة العمليات الارهابية وتصاعد المبايعات التي تستمر في هذه المساحة، نحن في حالة تشظى لحالة تنظيم “داعش” في موزمبيق و في نيجيريا وفي دول الساحل بشكل كبير ومناطق لم يصل لها التنظيم في السابق أصباح يصل الى عمقها ويقوم بعمليات ارهابية كبيرة، وبالتالي تنظيم داعش من افريقيا لأسيا لمناطق مختلفة حتى اصبح يقوم بعمليات في قلب اروبا، وبالتالي هل تنظيم داعش يشكل تهديدا ، نعم بات تنظيم داعش يشكل خطرا كبيرا في المنطقة يفوق كافة التنظيمات الجهادية والراديكالية القائمة.
أعاد التدخل المغربي في منطقة الكركرات ، القلق الإقليمي من استغلال تنظيمات إرهابية بما فيها “داعش” الناشطة بمنطقة الساحل والصحراء، وجود ميليشيات البوليساريو لإثبات حضورها في هذه المنطقة، هل ترون في أن هذا التدخل شكل ضربة استباقية أجهضت تلك المخططات؟
ـلقد دأب تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة الأخيرة على ان يقوم بشكل بارغماتي مع أكثر من جماعة أو تنظيم وبمعنى أدق مع مهربين في هذه المسألة وبالتالي ربما تكون هناك علاقات برغماتية تجمع هذه التنظيمات الإرهابية وما بين المليشيات المتناثرة في هذه البقعة، ومن الممكن أن تكون البوليساريو جزءا من هذه التنظيمات التي قد يعقد معها تنظيم “داعش “علاقة او هدنة من هذا القبيل في سياق التهريب ، والتبادل التجاري، و اذا فهمنا أن داعش يقوم الأن بعمليات التهريب ويدخل في مساحات من المخدرات وسوق السلاح و الذهب الذي أصبح لديه فيه باع طويل، ناهيك عن تهريب الماس وغيرها من الأشياء المهربة،وبالتالي من الطبيعي ان ينسج داعش مع غيره من التنظيمات والمليشيات المتناثرة نوعا من العلاقات البرغماتية على أكثر من صعيد، وربما يكون التدخل العسكري المغربي بمنطقة الكركات أثر سلبا على هذه النوعية من التعاون ود شكل ضربة استباقية تحول دون القيام بمثل هذه الأنشطة.
شأنه شأن التنظيمات الإرهابية، يتغذى تنظيم “البوليساريو” على الصراعات والتهديدات وعدم الاستقرار، ألا ترون في إعلان عودته الى الحرب، يشكل ارضية خصبة لعدم لأمن والإستقرار في المنطقة، تناغما مع الدور الذي تلعبه جماعات إرهابية عابرة للحدود ، إلى أي مدى يمكن أن تتوحد جهود الطرفين في تأزيم الوضع بالمنطقة، وجرها بالتالي نحو مستنقع الإرهاب؟
اذا عدنا الى الوراء قليلا العلاقة بين البوليساريو وتنظيم القاعدة كانت في فترة من الفترات محور اهتمام لعدد من الباحثين الغربيين، ويشهد لهم انهم أول من دق ناقوس الخطر لهذه العلاقة ذات الطبيعة الخاصة بين البوليساريو والتنظيمات الجهادية التي تسودها البرغماتية في كافة نواحيها، اذا تحدثنا عن ما كشفه “إرناسيو سيمبيرولو” الصحفي الإسباني المتخصص في قضايا المغرب، من حالة التخبط والإرتباك التي تعيشها جبهة البوليساريو نتيجة قلة الموارد المالية خاصة داخل المخيمات، انخفاض المساعدات الإنسانية وما شابه، كعامل رئيس في البحث عن مورد مالي جديد أو بديل خاصة بعد عزوف الداعمين الغربيين القدامى وشح مساعداتهم خاصة المساعدات المالية منها، فأظن انه في ظل هذه الأوضاع والتحولات التي تعيشها البوليساريو، أظن انه من المتوقع أن يبحث هذه التنظيم عن بديل سريع، وان كنت لا أؤكد ذلك أو أجزمه، لكن دعونا نفكر ان ربما تكون التنظيمات والتيارات الجهادية هي أحد منافذ الجبهة نحو الموارد المالية في ظل شح قائم، هناك تحولات بلاشك بدافع العوز المالي،وايضا هناك التحولات الدينية المجتمعية التي قد تكون في مخيمات البوليساريو، لذلك ما يمكن قوله أن جبهة البوليساريو تحولت من جماعة انفصالية لدى أهداف معينة الى جماعة وظيفية تستغلها التنظيمات الإرهابية بما في ذلك القاعدة وداعش، وليس شرطا أن تتحول جبهة البوليساريو ككتلة منظمة نحو القاعدة وداعش انما قد يذهب بعض أعضائها الى التنظيمين الجاهديين المذكورين.
وفي ظني ربما داعش ومن خلال المقال المنشور في صحيفة النبأ ربما تحاول جذب هؤلاء، الساقطون من تنظيم، القاعدة وداعش تقوم بعمليات تهريب كبيرة في الصحراء،عمليات الفدية المربحة، كل هؤلاء في ظل تراجع الدعم الموجه للبوليساريو من الممكن ان يذب بعض من أفرادها الى داعش والقاعدة.
ولا ننسى أن الجزائر لديها هذا التخوف من التحولات التي تعيشها البوليساريو، وعلى المغرب والجزائر ان يدركا ان الوقت قد حان لحل هذه الإشكالية على ارضية من التوافق بينهما، لأن التحولات القائمة داخل البوليساريو و التربص من قبل التنظيمات الجهادية بها ربما يشكل بشكل كبير في ارتباك الحالة الأمنية بمنطقة الصحراء المغربية، خاصة وأن داعش عادت بقوة نحو التنافسية مع تنظيم القاعدة للسيطرة على هذه المنطقة بشكل خاص.
ماهي قراءتكم للتطورات المستقبلية في ظل تغير خريطة داعش وتغير استراتيجيته ومدى توغله في منطقة الساحل والصحراء وعلاقته بالبوليساريو؟
في مسألة التحولات داخل البوليساريو لا ننسى ان ابو الوليد الصحراوي أمين ما يسمى كتيبة المرابطون سابقا، كان مسؤولا سابقا في البوليساريو،وانضم الى القاعدة ومن تم ذهب الى داعش، أي أن هذا الشخص بايع أبو بكر البغدادي، وهو كان في السابق من جبهة البوليساريو، وهو الأمر ما يؤكد ضرورة التعاون المغربي الجزائري لحل هذه المشكل.
كيف تقرؤون إعلان الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي زعيما جديدا لفرع تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي؟ وهل لهذا التعيين تأثير على نهج وأسلوب التنظيم مستقبلا؟ وهل يضع التنظيم منطقة الصحراء المغربية ضمن مخططاته المستقبلية ؟
تنظيم القاعدة انتقل من إطار التنظيم الواحد الى تنظيمات عدة محتفظة بالفكرة والمنهج ومنقسمة ومنشطرة الى جماعات وهو توجه يحافظ على إرث القاعدة، فبعد وفاة او مقتل أو إختفاء الظواهري أي كانت حالته، أصبحت القاعدة تشعر بالتراجع والهزيمة النفسية في ظل تمدد تنظيم متماسك هو “داعش”، أظن ان إعادة إحياء الرموز الإسلامية القاعدية الجهادية المقاتلة داخل هذا التنظيم هي محاولة لتماسك الفكرة قبل تماسك التنظيم، محاولة لترتيب البيت القاعدي من الناحية المنهجية والفكرية لا من الناحية التنظيمية الشكلية، لأن بناء تنظيم القاعدة ليس كتنظيم داعش بل هو تنظيم عنقودي.
وبالتالي أظن ان تنظيم القاعدة في هذه البقعة الجغرافية بالذات وهي البقعة الأكثر نشاطا، يسعى من خلال تعيين العنابي زعيما له في المغرب الإسلامي، يسعى إلى الوقوف بشدة أمام صعود تنظيم “داعش” ووقف هجرة أفراده الى تنظيم داعش ومحاولة إحياء تنظيم القاعدة من جديد.