محمد الشمسي
كم كنت ولا أزال معجبا بمقالات الرأي الذي يخطها الصحافي المخضرم عبد الباري عطوان فخلال سنوات دراستي بمعهد الصحافة كنت لا أترك الفرصة تمر دون أن استدل بعمق تحليله وبساطة لغته، وبمهنيته وحرفيته في صنع مقالات تتجاوز رأيه لتشرع في تعليب وقولبة آراء موالية… إلا أنني عجبت أن يلوم عبد الباري عطوان المغرب لأنه حقق مكسبا لوحدته الترابية، وانتزع موقفا أمريكيا مؤيدا لسيادته على كل أقاليمه الجنوبية، وعجبت أكثر حين تجاوز الصحافي الحكيم حدود الحكمة وشرع في إزدراء وتحقير الموقف المغربي، وهو يوقد نار الفتنة، متوهما أن المغرب خذل القضية الفلسطينية، كأن المغرب كان يزود فلسطين بالسلاح والمقاتلين، وعجبت أكثر فأكثر حين لمست في مقالات “معلمي الصحافي” كثيرا من البغض لبلد أحب شعبه فلسطين أكثر منه، فعبد الباري عطوان هذا لم يرم إسرائيليا واحدا بحجر، ولم يقف في وجه دبابة إسرائيلية، ولم يحفر خندقا، ولا خنقه غاز مسيل للدموع، ولا أصابته رصاصة، ولا هدم الاحتلال له بيتا، ولا صادر له أرضا.
فقد منحته فلسطين كل شيء ولم يمنح عطوان لفلسطين شيئا..
عبد الباري عطوان البالغ من العمر 70 سنة، هو صندوق أسرار، ومستودع معلومات وحقائق غزيرة وقيمة، بالنظر إلى حجم المحطات التي عايشها، والشخصيات التي التقاها واستجوبها، وهو محلل بارع خبير في الربط بين الأحداث، لكنه لم يجرؤ يوما على قراءة فنجان الصحراء المغربية وكيف فبركها الرئيس الجزائري الانقلابي بوخروبة، ومعه الانقلابي الليبي القذافي المقتول في بالوعة، وثالثهما الانقلابي الديكتاتور كاسترو، هؤلاء تآمروا على الوحدة الترابية المغربية وغرروا برهط من عصاة الوطن ، وأوهموهم أن تقسيم الأوطان شبيه بتقسيم حلوى عيد الميلاد، لا يتطلب غير كمية من العقوق والضغينة وسكينا صدئا تغرز في خاصرة الوطن…، لم يقو عبد الباري عطوان المعروف بصراحته ووضوحه أن يكتب ولو مرة أن الصحراء مغربية ويشهد بذلك كما يشهد التاريخ، لأن عطوان يخشى أن يغضب منه عسكر الجزائر، فاختار دوما أن ينعت الصحراء المغربية ب”الغربية”، وهي شهادة زور ضدا في التاريخ والجغرافية وضدا في رابطة الدم، ولم يدعم عبد الباري عطوان المغرب في صراعه لإثبات حقه في صحرائه وعطوان يعلم أكثر من غيره أنها كذلك، فقد كان عمره 26 سنة حين مكر الماكرون بالمغرب وغدروا به وأغاروا على وحدته في الحرب الباردة بين معسكرين غربي رأسمالي وشرقي اشتراكي..وهاهو عطوان في خريف العمر يصر أن يلقى ربه دون أن يشهد بما شهد به الرئيس الأمريكي ترامب الذي لطالما وصفه عطوان بالأحمق والمغرور، فكيف لغريب “أحمق” يشهد شهادة صدق ينكرها أخ حكيم؟…
إذا كان من حق عطوان أن يحب وطنه فلسطين ويحلم بتحريرها ووحدتها، ولو أنه جعلها وطنا ثانيا واختار أن يتقاسم مع بلفور الجنسية، أفليس من حقنا نحن المغاربة أن نحب وطننا ونأمل وحدة أراضيه، ونشيد بكل خطوة أو شهادة نبسط بها سيادتنا على كل صحرائنا؟…لماذا لم تقرأ فنجان الصحراء المغربية يا عبد الباري عطوان؟، لماذا تحركه لتعجل به لسانك؟، فصحيح أننا لا نملك الغاز الطبيعي لكننا نملك تفكيرا طبيعيا.