محمد أزكرار
دخلت قضية الصحراء منعطفا جديدا بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وهو الاعتراف الذي سيحرك حتما المياه الراكدة في هذا الملف الذي عمر لعقود، بالموازاة مع ذلك تستمر مجموعة من الدول في فتح تمثيليات قنصلية لها بمدينتي الداخلة والعيون مما يشكله ذلك من تعزيز للسيطرة المغربية على الأقاليم الجنوبية ويضرب في العمق أطروحة الانفصال التي تقودها جبهة البوليساريو وصنيعتها الجزائر.
كل هذه التطورات الايجابية والهامة تشكل بدون شك انجازا كبيرا للدبلوماسية المغربية وتضع أعداء الوحدة الترابية في الزاوية الضيقة ، غير أنها لا تعني بأي حال من الأحوال أن الصراع قد حسم وانتهى ، بل لا زالت تنتظر المغرب صولات وجولات مع الخصوم عليه أن يستعد ويتهيأ لها جيدا لان الأعداء متربصون دائما ويعملون على كل الواجهات السياسية والحقوقية والإعلامية وغيرها للإضرار بمصالح المغرب والتشويش على الانتصارات التي يحققها.
الحل النهائي لهذه القضية موجود في الجزائر وفي نيويورك وواهم من يعتقد غير ذلك، فالجزائر إذا ما قررت نهج خيار التطبيع مع المغرب قادرة على إنهاء هذا الصراع في ساعة واحدة إن أرادت ذلك طبعا لأنها هي التي تحتضن جبهة البوليساريو وهي التي تمولها وتدربها وتدافع عنها وتقدم لها كل أشكال الدعم السياسي والعسكري . غير أن التعويل على الجزائر في إيجاد الحل -وهي مصدر المشكل أصلا- أو حتى مجرد مناقشة هذا الطرح سيكون ضربا من الخيال بالنظر للعداوة التاريخية الدفينة والمعلنة عند النظام الجزائري تجاه المخزن المغربي وكذا لأهمية قضية الصحراء في الحسابات الداخلية والجيواستراتيجية للجزائر.
المنطق السليم يقول أن الحل النهائي لهذا الصراع موجود حصرا في نيويورك وبالتحديد بين أيادي الخمس الكبار في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، الصين وروسيا). فهذه الدول هي الوحيدة القادرة على حلحلة الوضع و إيجاد حل واقعي ومستدام لهذا النزاع المتشعب والذي يشكل عائقا حقيقيا أمام تنمية واندماج المنطقة المغاربية ويهدد أمن واستقرار منطقة الساحل والصحراء بشكل عام.
إذا أردنا قراءة مواقف الأعضاء الخمس الدائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الصحراء سنجد أن فرنسا كانت دائما هي المدافع الأساسي على مصالح المغرب وقضيته الوطنية في مجلس الأمن، وبعد الاعتراف الأمريكي الأخير بمغربية الصحراء سيصبح الموقف الأمريكي كله لصالح المغرب وهذا اختراق مهم جدا على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تصيغ كل مسودات القرارات المتعلقة بالصحراء وهذا مكسب كبير للمغرب يجعله في وضع قوي ومريح على الساحة الدولية.
بالنسبة لموقف بريطانيا فهو تاريخيا موقف منسجم و متناغم إلى حد كبير مع الموقف الأمريكي وقد تجلى ذلك في العديد من القضايا الدولية التي بث ويبث فيها مجلس الأمن كأزمة الخليج الأولى والثانية وأزمة البلقان والأزمتين السورية والليبية وحرب اليمن وغيرها، حيث بدا الموقف البريطاني متطابقا بشكل واضح مع الموقف الأمريكي بل يكاد يكون الموقف نفسه.
وبالتالي فالموقف البريطاني سيصب بدون شك في مصلحة المغرب بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وسيعطي إضافة نوعية وزخما قويا للموقف المغربي خاصة إذا أقدمت حكومة بوريس جونسون ذي العقلية الترامبية بالاعتراف بمغربية الصحراء . وبخصوص الموقف الصيني المعبر عنه حتى ألآن فهو على الأرجح موقف معتدل ذلك أن بكين لا تريد خسارة طرفي الصراع فلها مصالح مع الجزائر كما أن لها أيضا مصالح مع المغرب وتقف على نفس المسافة بين الطرفين. أما الموقف الروسي فهو موقف متقلب ويميل نسبيا إلى الطرف الجزائري رغم وجود علاقات سياسية واقتصادية متميزة ومستقرة بين الرباط وموسكو وما يعزز هذا الرأي موقف روسيا الأخير بعد صدور إعلان ترامب حول مغربية الصحراء حيث سارعت للتنديد بالإعلان الأمريكي واعتبرته انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
بالتالي فالموقف الروسي متذبذب وغير ثابت و يجب التعامل معه بحذر شديد كما ينبغي على الدبلوماسية المغربية أن تجتهد أكثر وتعمل بمبدأ المصالح المتبادلة وبشكل براكماتي لاستمالة الواجهة الشرقية (الصين وروسيا) بعد أن ضمنت مواقف الواجهة الغربية (فرنسا ، الولايات المتحدة وبريطانيا) وهذا العمل يتطلب منها مزيدا من التعبئة والتنسيق واليقظة كما يحتاج إلى دعم الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة وفي مقدمها أمريكا حتى يتمكن المغرب من استمالة موقفي هذين العضوين الكبيرين (الصين وروسيا) ومن ثمة إمكانية الوصول إلى حالة من التوافق و الإجماع حول الصحراء المغربية داخل مجلس الأمن الدولي الذي بإمكانه حينئذ فرض مشروع الحكم الذاتي المغربي كأساس وحيد للتفاوض بين جميع الأطراف للوصول إلى حل نهائي لقضية الصحراء في إطار السيادة المغربية .
طالب باحث في سلك الدكتوراه- تخصص جغرافيا- كلية الآداب والعلوم الإنسانية عبد المالك السعدي- تطوان.