نشر بشراكة مع DW العربية
في وقت تمضي فيه دول العالم الغنية قدماً في حملات التطعيم الشاملة ضد فيروس كورونا، لاتزال الدول الفقيرة تسعى جاهدة لتأمين اللقاحات لسكانها. ورغم أن منظمة الصحة العالمية تهدف إلى إرسال نحو ملياري جرعة إلى الدول النامية بحلول نهاية العام، من خلال مبادرة “كوفاكس” المعنية بتوزيع عادل للقاحات، إلا أن المنظمة تحذر من سعي دول غنية إلى الاستئثار باللقاحات، على حساب الدول الفقيرة.
وأعلنت “كوفاكس” أنها ستوزع ما يقارب 337,2 مليون جرعة بصورة إجمالية في النصف الأول من عام 2021، لتطعيم 3,3 بالمائة (فحسب) من سكان الدول الـ145 المشاركة في المبادرة. ما يعني أن تطعيم جميع سكان الدول الفقيرة قد يستغرق عدة سنوات، في حين يتوقع أن يتلقى غالبية سكان الدول الغنية التطعيم مع نهاية العام الجاري.
ودعا مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الدول الغنية مجدداً إلى “عدم التخلي عن الدول الفقيرة”، وأضاف خلال مؤتمر صحفي: “إذا احتفظنا باللقاحات لأنفسنا ولم نشاركها، فستكون هناك ثلاث مشكلات رئيسية (…) الأولى هي تسجيل فشل أخلاقي كارثي، والثانية السماح بتواصل استعار الجائحة، والثالثة إبطاء التعافي الاقتصادي بشكل كبير”، وتابع: “هذا إذن خطأ أخلاقي، ولن يساعد في وقف الوباء ولن يعيد وسائل كسب العيش. هل هذا ما نريد؟ الأمر متروك لنا لاتخاذ القرار”.
نصيب الأسد للدول الغنية
وتأتي تصريحات المسؤول الأممي في سياق تسجيل نقص في التزود ببعض اللقاحات الأكثر فعالية في السوق، ما أثار غضب دول غنية. كما انتقدت منظمة الصحة العالمية اعتماد الاتحاد الأوروبي آلية لمراقبة صادرات اللقاحات ضد كوفيد-19 خارج منطقته، ومنع تصدير الجرعات المخصصة للأوروبيين.
وأظهرت دراسة أجراها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن ما يقرب من 70 بالمائة من جرعات اللقاح المستخدمة حتى الآن كانت من نصيب أغنى 50 دولة في العالم، بينما تم حقن 0.1 بالمائة في أفقر 50 دولة. وقال أمينه العام جاغان شاباغان خلال مؤتمر صحافي يوم الخميس (الرابع من شباط/ فبراير): “إنه أمر ينذر بالخطر لأنه غير عادل ولأنه سيطيل أمد هذا الوباء الرهيب وقد يزيده سوءاً”.
فبدلاً من الاعتماد على آلية “كوفاكس” العالمية، وقع كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا ودول أخرى اتفاقيات جانبية مع الشركات المصنعة، ما أدى إلى قلة كمية اللقاح المتوفرة في السوق العالمي.
“نكسات” تشغل عن التفكير بالفقراء!
وبعد أن أصبحت حملات التطعيم في أوروبا والولايات المتحدة ودول غنية أخرى “مصحوبة بنكسات”، كما يكتب موقع “شبيغل” الألماني، فإن الدول الغنية “لا تكاد تفكر في مشاركة اللقاح” مع الدول الفقيرة، بحسب الموقع.
ورغم تأكيد دول غنية، مثل كندا، على سعيها لتقديم لقاحات للدول الفقيرة، يرى تحليل لموقع “شبيغل” أن هناك مشكلتان فيما يتعلق بتأمين اللقاحات للدول الفقيرة، ويوضح: “هناك دول غنية مثل كندا مستعدة تماماً لمشاركة اللقاح (مع الدول الفقيرة)، لكن فقط في ظل شروط يضعها الأغنياء بأنفسهم!”، ويضيف: “وثانياً، لا يتم إعطاء اللقاح (من قبل الشركات) لمن هم بأمس الحاجة إليه، بل لمن يدفعون أكثر!”.
لكن منظمة الصحة العالمية حذرت من تداعيات عدم تأمين اللقاحات للدول الفقيرة على الدول الغنية. وضرب المدير العام للمنظمة أمثلة من الماضي لإعطاء ثقل أكبر لتحذيره. وذكّر بأنه تعين على بعض الدول الفقيرة “الانتظار عشرة أعوام” لتحصل على الأدوية الضرورية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). أما في حالة إنفلونزا الخنازير، فقد حصلت دول فقيرة على اللقاح المضاد له “لكن بعدما انتهت الجائحة”.
وجدد غيبريسوس التحذير من النزعة الوطنية في ما يتعلق باللقاحات، وشدد على “أننا نعيش في قرية عالمية” وأن لا أحد سيكون بمأمن ما لم يتم احتواء كوفيد-19 في كافة أنحاء العالم.
ثمن باهظ!
وفي دراسة أجريت بطلب من غرفة التجارة الدولية، احتسب علماء الأوبئة أنه حتى لو أن الاقتصادات المتطورة قامت بتطعيم كل سكانها ضد كورونا، فإن الكلفة التي ستتكبدها بسبب ارتباط دول العالم في ما بينها، قد تراوح بين 200 و4500 مليار دولار في حال لم تحصل الدول الأقل تقدماً على اللقاحات. وأكدت الدراسة أن “هذا المبلغ أكبر بكثير من 38 مليار دولار كلفة صناعة اللقاحات وتوزيعها على الصعيد العالمي”.
وخلصت الدراسة إلى أن “الاقتصادات المتقدمة لديها حافز اقتصادي واضح لأن تسرع من توزيع اللقاحات على أساس عالمي منسق – وتقليل احتمالات حدوث صدامات في العرض والطلب في الدول الأخرى مما ينجم عنه حدوث خسائر اقتصادية تطال أيضا الدول الغنية”.
وقد يكون إدراك دول غنية لهذا الثمن الباهظ، هو الذي دفعها في البداية إلى المشاركة في مبادرة “كوفاكس” التي تهدف إلى توزيع عادل للقاح. لكن ومع قلة كمية اللقاح المتوفرة في السوق، حددت “كوفاكس” هدفها بتوزيع جرعات تكفي لتلقيح 20 بالمائة (فحسب) من سكان الدول المشاركة بحلول نهاية 2021، لكن “كوفاكس” لاتزال بحاجة إلى ملياري دولار على الأقل من أجل تحقيق الهدف الذي وضعته لعام 2021.
دول عربية تريد لعب دور
وتسعى دول خليجية أيضاً إلى لعب دور في توصيل اللقاح إلى الدول الفقيرة، إذ أعلنت الإمارات قبل أيام عن مبادرة لجعلها مقراً لنقل وتخزين وتسريع توزيع اللقاحات، خصوصاً لصالح البلدان النامية، اعتماداً على “طيران الإمارات”، أكبر ناقل جوي في المنطقة، ومجموعة “موانئ دبي العالمية” التي تشغّل موانئ في عدة دول.
وقال نائب رئيس أول دائرة الشحن في “شركة الإمارات للشحن الجوي”، نبيل المر لوكالة فرانس برس: “المشكلة التي تواجهها أغلب دول العالم أنه لا توجد لديها الإمكانات لتخزين هذه اللقاحات بالطريقة الآمنة، وبالتالي فإنّ تخزينها هنا في دبي وإعادة تصديرها الى الدول هذه بكميات أقل هي الطريقة المثلى”. وذكر أن المبادرة تستهدف بشكل خاص “أغلب الدول النامية في الشرق الأوسط وأفريقيا وشبه القارة الهندية”.
وقد أكد الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر”أن التوزيع العادل للقاح كوفيد-19 بين البلدان وداخلها هو أكثر من مجرد واجب أخلاقي”، وأضاف: “إنه السبيل الوحيد لحل أهم حالة طوارئ صحية عامة في عصرنا”.