تستمر تداعيات الخرجة الإعلامية لوزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل في كشف معالم المخطط التصعيدي المسكوت عنه من قبل الدوائر الرسمية العليا بدولة الجزائر . و لابد من التذكير بأن هذا المخطط يركز على ضرب الأذرع المالية للسياسة الإقتصادية المغربية بشكل يؤدي إلى إنهاكها و تلطيخ سمعة عملها و ثني هذه الأذرع عن خدمة قضايا الوطن بفعالية و مصداقية دولية.
و لعل قصاصة الأخبار ” المُطَوَّلَة ” التي تُرَوجها وكالة أنباء الجزائر حول تقديم رشاوى من طرف المكتب الشريف للفوسفاط للعديد من الشخصيات الأمريكية النافذة قصد تشكيل لوبي أمريكي-مغربي يدافع عن الوحدة الترابية للمغرب مثال واضح من بين أمثلة كثيرة ( الحملة ضد ملاحة السفن التجارية الناقلة للفوسفاط المغربي..).
حيث جاءت ديباجة المقالة على موقع وكالة الأنباء الجزائرية وفق النص التالي : ” دفعت مؤسسة مجمع الشريف للفوسفاط عام 2016 ما يتراوح بين 250.000 و 1.000.000 دولار أمريكي لـ”مجموعة التفكير أتلنتيك كاونسيل”، مقابل خدمات دبلوماسية لصالح ملف الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب بدعم من فرنسا.وقد تم الإعلان عن المبلغ الذي ضخته الرباط على موقع “أتلنتيك كاونسيل”، بالإضافة إلى تبرع آخر تراوحت قيمته بين 25.000 و 50.000 دولار قدمه المركز الثقافي المغربي الأمريكي، الذي هو على اتصال دائم بـمجمع الشريف للفوسفاط الذي يعد اللوبي الرئيسي للمغرب “.
و لعمري ما رأيت سخافة أشبه بهذا الغباء الإعلامي ، فإذا كانت أموال الثروة الوطنية المغربية ( الفوسفاط ) تُصْرفُ في خدمة قضية المغرب الثابتة، و تُسَخَّرُ أموال الشعب لتمكين المغرب من الإنفتاح على العديد من مراكز التفكير و صنع القرار و كسب اقتناع الرأي العام الأمريكي بجدية و مصداقية و عدالة قضية الوحدة الترابية المغربية.و إذا كان المكتب الشريف للفوسفاط كمؤسسة عمومية رائدة في تطوير مجال نشاطاتها بشكل يجعل أموال الثروة الوطنية في خدمة قضايا الوطن و المواطنين.
فإن الجميع لَيَقِفُ مشدوها مصدوما أمام ” أَرَضَة الفساد ” التي تنخر شركة سوناطراك العمومية التي أنشئت سنة 1963 كشركة حكومية جزائرية لنقل وتسويق المحروقات،ثم تحولت بعد سنواتإلى مجموعة بترولية وغازية ضخمة تُوفر 98% من عائدات البلاد وتُصنف ضمن كبريات شركات المقاولات على الصعيد الدولي و الأفريقي برقم معاملات يناهز مئات الملايير من الدولارات .
و المثير في واقعة سوناطراك يتلخص في مسلسلهدر أموال الشعب الجزائري في محاولات فاشلة لتقسيم الوحدة الترابية للمغرب من خلال تمويل كيان وهمي و توفير السيولة المالية للترويج لأطروحة التقسيم و دفع الفاتورة من أموال عمومية كان يجب تخصيصها لإحقاق التنمية الإجتماعية و الإقتصادية للشعب الجزائري و ليس تبذيرها كرشاوي و عمولات قصد ضمان حاضنة دولية لمشروع تقسيم المغرب .
و حيث أن الشئ بالشئ يذكر ، فأقطاب النظام المتحكمة في صناعة القرارالجزائري تعمل جاهدة على تدشين تحول إستراتيجي جديد من خلال ما يمكن تسميته ب ” حملة الأبواب المفتوحة للشركات الأمريكية “، هذا المخطط الجديد شُرِعَ العمل به بعد دُنُوِّ خطر الانهيار الإقتصادي و مع استمرار إنخفاض أسعارالبترول ، مما يتطلب القيام بترميم مستعجل للسياسة الإقتصادية و المالية و منظومتها الخرباء .
و هنا ظهرت الحاجة إلى أقطاب “المال و الأعمال” و منهم شكيب خليل وزير الطاقة والمناجم الجزائري السابق رغم أنهمتهم في قضايا فسادأو ما يعرف بفضيحةصفقات تخص شركة “سوناطراك” النفطية مع شركات أجنبية، وضلوع شخصيات جزائرية في تلقي رشاوى خلال ممارسة وظائفهم على مستوى مؤسسات الدولة.حيثكشف النائب العام حينها أن قيمة الرشاوى فقط بلغت 190 مليون دولار، وأعلن أيضاً أنه تم إصدار أمر دولي بالقبض على المتهمين من قِبل الشرطة الدولية. وأثبتت التحقيقات بحسب النائب العام، تورط شركات أجنبية في منح رشاوى إلى مسؤولين جزائريين مقابل تسهيل فوز الشركات بعقود وصفقات نفطية بينها شركات “أسانسي لافلان” الكندية، و”سايبام” و”ايني” الإيطاليتان، و”جي آل ايفان”، ودلت التحقيقات على أن هذه الصفقات رُتبت في إيطاليا وهونغ كونغ، ودفعت في حسابات شخصيات جزائرية في مصارف عدد من الدول .
وكذلك تصريحات وزير العدل السابق محمد شرفي الذي أكد على أن “التحقيقات أفضت إلى وجود شبكة دولية عبر كل القارات تنشط في الفساد في مجال الطاقة بواسطة آليات مالية معقدة”.خليل شكيبأ و سوبر ستار قضية سوناطراك هوالمتهم الرئيسي الذي عاد إلى الجزائر دون أن يتم اعتقاله في المطار و دون أن تسائله السلطة القضائية بالجزائر. و هذا ما يبرز حقيقة الوضع داخل دواليب دولة الجزائر، فقد انتهى الصراع السابق بعد نجاح خليل شكيب المقرب من لوبي أمريكينافذ و المعروف بعلاقاته المالية الدولية المتشعبة، و التي وجدها الكثير من صناع القرار بقصر مرداية عاملا حاسما سيساعد الجزائر على فك الإرتباط مع الحليف الفرنسي و فتح سوق الجزائر للشركات الأمريكية .
و رغم ثقل ملفات الفساد داخل الشركة الحكومية ” سوناطراك ” و التي بلغت قيمتها ملايير الدولارات المهربة، إلاَّ أن حجم الخطر القادم يدفع بأقطاب النظام الرئاسي الوَهِن إلى ترقيع حلولا لتغييرالسياسي نحو أي شكل آخر من أشكال الحكامة الاقتصادية و بأي صيغة كانت حتى لا يسقط الجميع في درك إفلاس دولة الجزائر بالكامل.
ويبقى السؤال المطروح في هذه المرحلة الحرجة من مسار الدولة الجزائرية مثلما صاغتها لصحفية لويز ديميتراكيس : ” هل دفع الحلم الأمريكي بكبار المسؤولين الجزائريين إلى بناء أوهام وأحلام واهية؟ وهل يمكن اعتباره خيالا أقرب منه إلى الواقع؟ في الحقيقة، يبذل مؤيدو التوجه الأمريكي جهودا جبارة للتأكيد على أن خيارهم سيؤتي أكله. في المقابل، دفعت خيبة الأمل – التي نتجت عن عدم التزام فرنسا، علاوة على الازدراء الأوروبي للجزائر- هذه الأخيرة إلى تحويل اهتمامها إلى ما بعد المحيط الأطلسي علّها تحقق، أخيرا، التنمية التي لطالما كانت تصبو إليها.
رئيس جمعية الاختيار الحداثي الشعبي