قبل أن يكلفه جلالة الملك محمد السادس بإدارة جهاز الاستخبارات الداخلية المعروف اصطلاحا ب (دي اس تي) ، لم يكن اسم عبد اللطيف الحموشي مما يعرفه كثير من المغاربة لأنه لا ينتمي الى دائرة السماء التي تعج بها وسائط الاتصال والتواصل الاجتماعي كما هو حال الفاعلين في مجالات السياسة والاقتصاد والرياضة وغيرهم من الواقفين في مرمى الأضواء الكاشفة الحارقة.
فقبل التكليف الملكي كان الحموشي واحدا من كتائب الساهرين، في صمت،على أمن البلاد والعباد منذ أن التحق بال “دي اس تي” في 1993 بعد تخرجه من جامعة محمد بن عبد الله في ظهر المهراز بإجازة في الحقوق. ولعله ليس من المبالغة أن يفترض اي مؤرخ لسيرته أن دراسته للحقوق ومعايشته اليومية لوقائع الصدام الدامي بين غلاة الاسلاميين واليساريين في رحاب جامعة فاس كانتا عاملين حاسمين في انخراطه في جهاز الأمن.
ورغم اهتمامه المبكر بظاهرة الحركات الاسلامية التي بدأت تتحول في مطلع تسعينات القرن الماضي الى شبكات جريمة منظمة ، بمسميات ولافتات دينية ، إلا أن يقظة حسه الأمني المرتكز على قدرة تركيبية وتفكيكية عالية بدت أكثر وضوحا في حالتي تفجيرات الدار البيضاء وحادثة مقهى أركانه بمراكش.
ولإيمانه بأن نجاعة العمل الأمني يجب أن تستبق الجريمة لا أن تبحث في مخلفاتها عن بصمات وهويات القتلة، تميزت ادارته للدي اس تي باستحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية الأقرب شبها بال”اف بي آي” الأمريكي. وسيظل تاريخ المنظومة الأمنية بالمغرب مدينا للحموشي بهذه الاضافة الجوهرية التي أجهضت كثيرا من النوايا الدموية ومخططات العنف المتستر بعباءة الدين. غير أن تأسيس البسيج لم يمنح الدي اس تي ذراعا اضافية حاسمة فحسب ولكنه فتح الآفاق أمام مقاربة أمنية جديدة توجت بتكليف ملكي مكن الحموشي من الجمع بين ادارتي الأمن الوطني والدي اس تي.ومع أن هذه السابقة تعتبر واحدة من مقتضيات الهندسة الأمنية الواجبة في مواجهة المد الارهابي العابر للحدود إلا أنها تعتبر، وبذات القياس ، اعترافا بكفاءة الحموشي وقدراته الفكرية والعملية.
وبقدر ما انصرف الحموشي الى تطوير وتجويد قدرات وطرق اشتغال جهازي الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، استدعى انتشار الحركات الارهابية في العالم أن يكشف مهاراته في التواصل مع من يقتسمون معه، في عواصم أخرى، ذات الهم الضاغط لعلمه.بأن الارهاب العابر للحدود ذو طابع عشوائي لا يستثني عرقا أو لونا أو ملة. والشاهد أنه لا يطمئن الآخرين على سلامتهم فحسب ولكنه يقول لكل المغاربة: “تصبحون على خير بإذن الله وإرادة الوطن”.